إمره أكوز - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

سأبدأ بسؤال سأطرحه لاحقا: "ألن تقوموا بمثل ذلك لو كنتم تملكون تلك التكنولوجيا؟".

دعونا ننظر أولا إلى الموضوع من زاوية أخرى.

في الواقع، نفوسنا تتألم من الداخل، لأن التقارب التركي الألماني يمتد إلى نهاية القرن التاسع عشر. فنحن كنا حلفاء في الحرب العالمية الأولى التي ندرك ذكراها المئوية هذا العام.

وحتى هذه الأيام كان بيننا تقارب في العديد من الأمور الأخرى. على سبيل المثال عضويتي الناتو للدولتين.

كنا سندافع عنهم إذا تعرضوا لهجوم، وهم سيدافعون عنا كذلك إذا تعرضنا لاعتداء. من المعلوم أيضا أن تركيا وقفت إلى جانب الصناعة الألمانية ودعمتها. فعمّالنا الرائعون ذهبوا في سنوات الستينات وقالوا "ألمانيا الوطن الجريح" لكنهم رجعوا إلى تركيا بسيارات المرسيدس لقضاء إجازاتهم (بينما اليوم يفضلون الأودي).  بعد كل هذه العلاقات العسكرية والسياسية والاجتماعية، فأن تكون الاستخبارات الألمانية تتنصت على تركيا أمر يؤلمنا جدا.

لو كان ذلك مرة أو مرتين لا بأس. لأنهم سيقولون "نأسف لقد أخطأنا" ثم يحملون المسؤولية لموظف استخباراتي أحمق لتنتهي المسألة في مهدها. لكن هذه المرة لم يكن الوضع من ذلك النوع. لقد تنصتوا على تركيا منذ 2009. وهذا يعني أنهم قاموا بذلك بشكل منظّم نتيجة سياسة معيّنة. (ملاحظة: اعتقد أن التنصت هذا كان منذ سنوات عديدة قبل 2009، يمتد إلى فترة اختراع هذه التكنولوجيا).

مزلاج الباب الخارجي

برغم كل علاقات "الصداقة" التي ذكرتها في الأعلى، ألمانيا لا تعتبر تركيا دولة "صديقة".

رئيسة الوزراء الألمانية كان لها موقف عندما طفت على السطح مسألة تنصت أمريكا على ألمانيا حينما قالت ميركل آنذاك: "ينبغي على الدول الصديقة عدم التنصت على بعضها البعض". لكنها عدّدت الدول الصديقة بدءا من الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا، حتى فرنسا. وإذا وسعنا تصنيف دولها الصديقة ستشمل دول الاتحاد الأوروبي. ولكن تركيا ليست ضمن ذلك التصنيف.

ستسألون: "إذا لم نكن أصدقاء فهل نحن أعداء؟" لا، ليس كذلك.

تخيّلوا أنهم تنصتوا علينا من مركز الأقمار الصناعية "باد ايبلنغ" الموجود في بايرن. بمعنى أنهم لم يحتاجوا إلى عملاء لإرسالهم إلى تركيا، فهم استطاعوا التنصت من مكانهم.

سنعود للسؤال الأول:

حكومتنا محقة بالغضب الشديد الذي اعتراها. استدعوا السفير الألماني وطلبوا منه إيضاحات. لكن الجواب معروف: "لأنكم بالنسبة لنا دولة مهمة". (نحن بدورنا ماذا سنقول؟ هل سنقول "لا نحن لسنا دولة قوية"؟!).

الآن قولوا وبكل صدق، لو كان لديكم مثل "تكنولوجيا التنصت المتطورة" هذه، ألن ترغبوا بالتنصت على دولٍ مثل "إسرائيل"، اليونان، روسيا، إيران، سوريا، العراق، مصر، والسعودية مرورا بكل الدول التي ترغبون بمعرفة المزيد عنها ؟ (لمَ الكذب، بالنسبة لي سأتنصت).

نحن نعيش في دنيا غريبة، ألمانيا تتنصت علينا، بينما أمريكا تتنصت على ألمانيا وتركيا. ربما كل فترة وفترة تتنصت ألمانيا على أمريكا أيضا.

بما أننا في عالم يتنصّت فيه الكل على الكل، نحن نتنصّت على مَن؟

عن الكاتب

إمره أكوز

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس