إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

مع استمرار الحرب السورية في عامها الثالث، يتصدر المشهد لاعبون أربعة هم نظام الأسد، والمعارضة السورية المعتدلة، وتنظيم الدولة (داعش)، وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD). وفي الوقت الذي تمثل فيه هذه الكيانات الأربعة الحرب السورية، فإنّها تقابل أربعة أنواع من القوة العسكرية والسياسية التي تحدد الحقائق الجيوسياسية في الشرق والشرق الأوسط الكبير.

خسر نظام الأسد معظم قدرته على الحكم وقوته النارية على الرغم من مواصلته استخدام الأسلحة المميتة التي يمتلكها، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة. وما يحافظ على بقاء النظام هو الدعم العسكري والمالي من روسيا وإيران وحزب الله. واللاعبان الحقيقيان في هذا الصدد هما إيران وروسيا. ففي الوقت الذي تسعى فيه روسيا لتسجيل نقاط استراتيجية ضد التحالف الغربي، تهدف إيران لتوسيع نطاق نفوذها من خلال المجموعات الشيعية التابعة لها.

تواردت أنباء في الفترة السابقة عن تكبّد حزب الله وإيران خسائر بالأعداد تقدّر بالمئات. إلا أن عنصرًا أساسيًا من عناصر سياسة إيران الخارجية في الشرق هو الحفاظ على نظام الأسد وهي تزوده بالتالي بدعم مكلف وفي غير محله. ربّما لا يسقط نظام دمشق في وقت قريب، إلا أن المؤكد هو أنّه لن يسقط طالما بقي المجتمع الدولي منقسمًا حول مرحلة سوريا ما بعد الأسد وطرق الانتقال إلى هناك. المعارضة السورية المعتدلة من جهتها، ممثلةً بشكل أساسي بالائتلاف الوطني السوري والجيش السوري الحر، منقسمة إلى مجموعات متعددة على المستويين السياسي والعسكري.

تقاتل على الأقل عشرون مجموعة تحت مسمّى الجيش السوري الحر وعدد آخر تحت الجبهة الإسلامية. وأحيانًا يقاتل بعضهم بعضًا، إلى أنّ داعش تستهدفهم كلهم تقريبًا. وقد فشل المجتمع الدولي في الوفاء بوعده بدعم الائتلاف الوطني السوري والجيش السوري الحر خلال السنوات الثلاث الأخيرة. استغل نظامالأسد ذلك لمصلحته ولإضعاف المعارضة المعتدلة. وانضمت بعض هذه المجموعات المعتدلة إلى داعش ليس بسبب انتماء أيديولوجي وإنّما لتحقيق مكاسب تكتيكية وعسكرية. في وقت يحتاج فيه كل من الائتلاف الوطني السوري والجيش السوري الحر إلى دعم كبير للانتقال بسوريا إلى نظام تعددي وديمقراطي والتخلص من تهديد داعش.

تتمركز داعش في الموصل بالعراق والرقة في سوريا، وهي الآن قوة كبرى في الحرب السورية مع قبولها الأيديولوجي والعسكري خارج الشرق. وهي أداة مفيدة لأي لاعب يريد تبرير سياساته في المنطقة. كما أثبتت بربريتها مرارًا وتكرارًا من خلال قتل المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وفي الحقيقة، قتلت داعش من المسلمين أكثر من غيرهم ودمرت مدنًا إسلاميًا أكثر من أي مكان آخر. إلا أن من الواضح كذلك أنّ داعش لن تتراجع أو تُدمّر بالضربات الجوية فقط. فهناك حاجة إلى استراتيجية أكثر شمولية، ويجب أن تتضمن برامج عسكرية منسقة في العراق وسوريا بالإضافة إلى مناطق آمنة ومناطق حظر طيران.

وفي حال عدم وجود هذه الاستراتيجية، سيعمل نظام الأسد للحفاظ على استمرار داعش لإضعاف القوات المعتدلة المعارضة للنظام وإلحاق الضرر بها. إذا لم يتم إيقاف داعش في سوريا والعراق، فإنّها ستنتشر في بقية الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد أعلنت عدة مجموعات متطرفة في كل من مصر وليبيا ونيجيريا وتونس وأماكن أخرى ولائها لداعش. هذا التوجه الخطير ينبغي أن يتوقف. إلا أن ذلك يجب أن يبدأ في سوريا والعراق.

وأخيرًا، لدينا حزب الاتحاد الديمقراطي، التنظيم السوري الكردي المتواجد على امتداد الحدود السورية التركية. ظهر الاتحاد الديمقراطي على واجهة المشهد السوري لأول مرة السنة الماضية في مدينة عين العرب (كوباني)، حيث ساعدت تركيا الجيش السوري الحر وقوات البشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق على دخول المدينة لقتال داعش، واستقبلت حوالي 200 ألف نسمة من سكان كوباني. كما استضافت نحو 25 ألف شخص فروا من القتال في تل أبيض.

أثار ارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي بتنظيم حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، إلى جانب صفقاته المشبوهة مع نظام الأسد تساؤلات حول موقفه في سوريا بشكل عام وفي الحرب السورية بشكل خاص. لا تخفي مجموعات حزب العمال الكردستاني علاقتها مع حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعده الفرع السوري لها. هذه مسألة أمنية بالنسبة إلى تركيا. ففي حين تتطلب عملية المصالحة مع حزب العمال الكردستاني نزع السلاح، لم يقم الحزب بذلك وهو يستغل الحرب في سوريا الآن لإنهاء فكرة نزع السلاح تمامًا. ولن تقبل تركيا ذلك بكل وضوح في حين أن عملية المصالحة تتطلب نزع السلاح الكامل وغير المشروط لحزب العمال الكردستاني، الأمر الذي يتجاهله معظم الكتاب الليبراليين حين يتناولون تركيا وعملية المصالحة الوطنية مع الأكراد.

وعلى صعيد الحرب السورية، لم ينخرط حزب الاتحاد الديمقراطي في معارك إلى جانب المعارضة السورية المعتدلة ضد نظام الأسد. وفي الوقت الذي يقاتل فيه داعش، يستخدم حزب الاتحاد الديمقراطي داعش كذلك ذريعة خلق وضع أمر واقع على الأرض وتغيير الوضع الديمغرافي للمناطق على امتداد الحدود السورية التركية. وكما قال تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، فإنّ حزب الاتحاد الديمقراطي لديه تعاملت مشبوهة مع نظام الأسد ولا يخفي تعاونه مع النظام المجرم والدموي حينما يناسب ذلك مصالحه.

في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، حيث يسيطر الاتحاد الديمقراطي، يدفع نظام الأسد أجور الموظفين لمدنيين حتى الآن. ويبدو أن نظام الأسد قد أعطى هذه المناطق لحزب الاتحاد في وقت يسعى فيه لتدمير الجيش السوري الحر في حلب وحماة وحمص وبقية أنحاء البلاد. ومن الواضح أن الاتحاد الديمقراطي بحاجة إلى توضيح هذه التعاملات المريبة.

هؤلاء اللاعبون الأربعة بالإضافة إلى داعميهم وقوىً صغيرة أخرى تشكل الآن الحرب السورية. كيفية تعامل المجتمع الدولي والأطراف الإقليمية مع كل واحد منها سيساهم كذلك في تشكيل الخارطة الجيوسياسية لسوريا والمنطقة.

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس