ترك برس

رأى الكاتب والأكاديمي التركي يوسف قابلان، أن عقد القمة التاريخية الـ 75 لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في العاصمة الأمريكية واشنطن بدلا من مقر الحلف في بروكسل، يحمل دلالات عميقة تستحق التأمل من نواح عدة.

وقال الكاتب في مقال بصحيفة يني شفق إن عقد الاجتماع الخاص بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حلف الناتو في واشنطن يحمل دلالات ومعان كييرة؛ "ولكن لماذا؟ من المفيد التفكير في أسباب ذلك".

ويرى أن خطاب "حقوق الإنسان" هو الاسم الآخر للانهيار وانعدام الأخلاق، فبدلا من إدانة دولة الإرهاب الإسرائيلية لارتكابها الإبادة الجماعية في غزة، دَعمَها زعماء العالم، وأقطاب النظام العالمي. لقد أظهرت الولايات المتحدة، رأس النظام العالمي، بجميع مؤسساتها، وقوفها إلى جانب إسرائيل. رغم كل تلك الشعارات الخداعة والفارغة عن "حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية".

وأوضح أن للفيلسوف المعاصر آلان باديو كتاب صغير لكنه رائع بعنوان "الأخلاق". في هذا الكتاب، يتحدث باديو عن موضوع الأخلاقيات الفاسدة: ويناقش بأسلوب صادم بأن خطاب "حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات" ما هو إلا خطاب زائف ومغر يستخدم بطرق غير أخلاقية للغاية من قبل الحضارة الغربية لتبرير هيمنتها في المرحلة الحالية.

ويوضح باديو، أن خطاب "حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية" هو وسيلة غير أخلاقية يستخدمها النظام العالمي لإخفاء طغيانه.

لماذا عقد الاجتماع الخامس والسبعون لحلف الناتو في واشنطن وليس في بروكسل؟

قال الكاتب التركي إن عقد اجتماع الناتو التاريخي الـ 75 في واشنطن بدلا من بروكسل له دلالات عميقة تستحق التأمل، وذلك من عدة نواح:

أولا: يظهر هذا الأمر بشكل جلي هيمنة الولايات المتحدة، التي أسسها اليهود أو يديرونها بشكل كبير، على النظام العالمي، وأن نصف مركز النظام العالمي يتألف من اليهود. أما النصف الآخر فهو تحت سيطرة العقل البريطاني.

ثانيا: إن عقد الاجتماع في واشنطن، عاصمة الولايات المتحدة، الدولة اليهودية السرية الداعم الأكبر لإسرائيل القاتلة رغم الإبادة الجماعية التي يرتكبها اليهود في غزة، والتي توظف كل قواها لدعمها، والتي تتجاهل تماما ضمير العالم وتسحقه، ولا تدين الجرائم اللاإنسانية التي تشهدها غزة، حيث قتل حوالي 40 ألف امرأة وطفل ومسن بشكل مباشر وعلى مرأى العالم أجمع، وتتجاهل قضية غزة بشكل تام دون التطرق إلى أي خطوة لوقف هذه المجزرة، كل هذا يعد وصمة عار سوداء في تاريخ الناتو والتحالف الغربي والحضارة الغربية، وستظل هذه الوصمة تلاحقهم حتى يحاسبوا عليها وتصفع بها وجوههم في الوقت والمكان المناسبين.

ثالثا: هو أن الناتو يمثل ذروة التحالف اليهودي-البريطاني. هذا التحالف يعد من أهم وأقوى المؤسسات العالمية وأكثرها تأثيرا .

وأوضح قابلان أن المشكلة الأساسية في النظام العالمي تكمن في تحديد من يتحكم فيه. فخلف الإبادة الجماعية في غزة، وفرض خطابات حرب عالمية ثالثة بالقوة عبر أوكرانيا، تكمن صراعات القوة بين "اليهود" و"البريطانيين" على الهيمنة على النظام العالمي.

 

وتابع المقال:

لا يزال النظام العالمي يدار من قبل التحالف اليهودي البريطاني، حتى بعد انهيار الإمبراطورية البريطانية (وإن لم يكن بشكل فعلي). فقد اضطر البريطانيون إلى قبول الهيمنة اليهودية في الولايات المتحدة بعد الهزائم العالمية الكبرى التي تعرضوا لها بعد الحربين العالميتين.

لكن البريطانيين لم ينسحبوا مثلنا. فهم يتسللون خلسة، إن النظام العالمي ما زال موجودا لأن البريطانيين هم أكثر من يعرفون نقاط الضعف في العالم الإسلامي ولذلك يستهدفونها، فهم يدركون أن العالم الإسلامي، وخاصة تركيا التي تعد تاريخيا القائدة والزعيمة الطبيعية لهذه المنطقة، هو المنطقة الجغرافية الوحيدة التي لا تخضع للنظام العالمي وتقاومه، وتتمتع بقدرة على إقامة نظام جديد، وتاريخ عريق، وتراكم حضاري، وغضب عميق. لذلك يسعى البريطانيون إلى التحكم بمصير العالم من خلال الألعاب التي يمارسونها منذ قرون على هذه المنطقة الجغرافية.

لم ينسحب البريطانيون، بل استمروا في إعادة تصميم المنطقة. ويظهر اليهود هلعهم من خلال صراخهم فهم مصابون بجنون العظمة ولا يستطيعون إخفاء غضبهم، بينما يتمتع البريطانيون بالهدوء والخبث والصبر. ويحكمون قبضتهم من خلال مخططات خبيثة وطويلة الأمد على عكس اليهود.

البريطانيون هم أفضل من يعلم كيفية وقف تقدم الإسلام

يدرك البريطانيون أكثر من أي أحد آخر، أن الإسلام هو العقبة الرئيسية أمام هيمنة الغرب العالمي، وليس الصين أو الهند أو اليابان. لقد أثبتت مقاومة غزة الملحمية بوضوح أن الإسلام ما زال حيا ونابضا بالحياة. وهم أكثر من يعلم كيف يمكن إخضاع الإسلام على المدى الطويل، وكيف يمكنهم تنفيذ مشاريعهم خطوة بخطوة، مثل "تركيا بدون إسلام" و "أكراد بدون إسلام" و"عرب بدون إسلام" و"إسلام بدون إسلام".

سيتم إضفاء الطابع العلماني على شعوب العالم الإسلامي بسرعة، وسيتم جرهم إلى مستنقع المادية، وبالتالي سيتم القضاء على روح المقاومة في الإسلام. وسيتم فتح الطريق على مصراعيه أمام إيران لتصبح رأسا جديدا للفتنة في العالم وسيتم دعم التوسع الشيعي والإرهاب بشكل كبير لإغراق العالم الإسلامي في الدماء. إن البريطانيين الذين يحاربون الإسلام في جميع المجالات منذ قرنين على الأقل، هم من يقفون وراء كل هذه المشاريع.

الغربيون يلفون حبل المشنقة حول رقابهم في غزة

لو كان الناتو مؤسسة تبنى حقا على مبادئ "الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان"، لكانت غزة القضية الوحيدة المطروحة على جدول أعماله. غزة حيث ترتكب فيها الإبادة الجماعية.

إن تقاعس الدول الغربية والمؤسسات التي تدير النظام العالمي عن اتخاذ أي خطوة لوقف الإبادة الجماعية في غزة، بل على العكس، دعمهم للإرهاب والمذابح الإسرائيلية حتى النهاية، يعني أن حضارة الغرب تلف حبل المشنقة حول رقبتها.

إن عقد الاجتماع التاريخي لحلف الناتو في واشنطن بدلا من بروكسل يعد ضربة قوية من قبل البريطانيين لأوروبا (وخاصة ألمانيا وفرنسا)، كما يمثل تحديا من قبل اليهود للعالم بقولهم: "نحن بوق هذا العالم ومؤسساته العالمية".

ما هذا إذن؟

بالطبع هذا يعني، من النظرة الأولى زرع بذور ستقود العالم إلى حافة كارثة كبيرة، ستسعى أوروبا، وخاصة ألمانيا، إلى الانتقام من البريطانيين واليهود مع مرور الوقت. لأن العقل الباطن الأوروبي قد تلقى ضربة قوية.

كما أن ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة من قبل اليهود، وعدم التطرق لها حتى بكلمة واحدة في المؤسسات العالمية التي يحكمونها مثل حلف الناتو، يعد هجوما سريا نفسيا سيفجر اللاوعي لدى البشرية جمعاء ويثقب ضميرها. وستكون تكلفة هذا الهجوم السريالنفسي باهظة الثمن على اليهود بشكل خاص وعلى حضارة الغرب وهيمنتها الظالمة بشكل عام.

لقد كان اجتماع الذكرى الخامسة والسبعين لحلف الناتو في واشنطن بمثابة إعلان عن موت دماغ هذه المنظمة الفاسدة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!