ترك برس

في أعقاب أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، انتشرت في الأوساط المحافظة وغيرها أفكار ومواقف تتهم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بأنها مسؤولة عن تصعيد الصراع مع إسرائيل، بل وذهب البعض إلى اعتبار أن حماس قد ارتكبت خطأً استراتيجياً هائلًا.

في مقال له بصحيفة يني شفق، قال الكاتب والخبير التركي سلجوق تورك يلماز، إن المثير للاهتمام في هذا الصدد هو أن هذه الأفكار لاقت صدى واسعًا في الأوساط المحافظة، حيث رأوا أن حماس هي المسؤولة عن تداعيات الأحداث، لذا من الأهمية بمكان تسليط الضوء على هذه الحالة النفسية التي تتيح انتشار مثل هذه الأفكار، فهذه الحالة ليست مقتصرة على الأوساط المحافظة فحسب، بل تنتشر أيضًا في أوساط أخرى. ولم يكن من السهل التنبؤ مسبقًا بتأثيرات تبني مواقف سلبية أمام مراكز القوة المتعددة، وكيفية امتداد هذه التأثيرات على المدى البعيد.

ولفت تورك يلماز إلى أن الأوساط المحافظة تبنت أيضا آراء تشير إلى أن إسرائيل هي من أسست حماس؛ هذه التعليقات التي تفتقر إلى الأسس الواقعية غالبًا ما تستند إلى استنتاجات منطقية سطحية. فالبعض أشار إلى أن إقصاء منظمة التحرير الفلسطينية فتح المجال لحماس، وأن هذا الأمر تم بتخطيط إسرائيلي، بينما رأت أطراف أخرى أن أفعال حماس تصب في مصلحة إسرائيل. في كلتا الحالتين، كانت فكرة سيطرة إسرائيل والغرب على كل شيء تتصدر المشهد. ووفقاً لهؤلاء فإن حماس، من خلال هجماتها المضادة في السابع من أكتوبر، قدمت ورقة جديدة لصالح إسرائيل، مما يدعم هذه الآراء المتداولة.

وتابع المقال:

بالنسبة لأولئك الملمين بواقع فلسطين، فإن الآراء والأفكار التي نتحدث عنها لا تتوافق مع الحقائق الميدانية، ولا تستند إلى أي دليل ملموس. إذا انطلقنا من هذه النقطة، فهل كان ينبغي دحض مثل هذه الآراء والأفكار، الناتجة عن استنتاجات منطقية، بأدلة مادية تتوافق مع الحقائق الميدانية؟ أم كان ينبغي تحويل النقاش إلى مسار آخر؟ أعتقد أن العديد من القضايا يجب أن تُناقش بوضوح، لكن في مثل هذه الحالات، غالباً ما يتم تحويل أكثر المسائل تعقيداً إلى مسائل شخصية. ومن ثَم، قد يبتعد الأطراف عن جوهر المشكلة في وقت قصير. والقضية الفلسطينية ليست مسألة يمكن تخصيصها أو التعامل معها بشكل شخصي، ولذلك يتعين علينا دراسة الانقسامات الناشئة عن هذه المسألة المعقدة بطرق مختلفة ورغم ذلك فإن كشف الحقائق الميدانية وتوفير الأساس لتشكيل الآراء والأفكار الجوهرية أمر في غاية الأهمية. يجب توفير الفرصة لمن سيتخذ القرار النهائي.

لم يتعرض تنظيم "غولن" الإرهابي لانتقادات شاملة بسبب موقفه من القضية الفلسطينية في الماضي. فخلال أعتى أيام حرب الخليج الأولى، استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا ذريعة صدام حسين لتكثيف قصفهما على العراق. وفي إحدى الهجمات الكثيفة، قصفت الطائرات الأمريكية مدرسة وأودت بحياة نحو ثلاثمئة طفل. لكن زعيم تنظيم "غولن" الإرهابي لم يخرج عن صمته ولم يُبدِ أي رد فعل على هذه الأحداث. ورغم أن صواريخ صدام حسين سقطت بعيداً عن المستوطنات في إسرائيل، وقف زعيم تنظيم "غولن" في إحدى المساجد يصرخ كالمجنون من على المنبر بأنه بكى بحرقة طوال الليل على الأطفال الإسرائيليين، لقد كانت صرخاته الغريبة غير لائقة بمنبر المسجد، لكن صمت المستمعين من المصلين كان أكثر إشكالية. لا أنسى أبداً عندما قمنا بتفسير الخطاب الذي نُشر في مجلة "إمضاء" قال المرحوم بهاد الدين يلدز: "هذا الرجل يحاول التقرب من المال اليهودي". وقد ثبتت صحة تفسيره. فبعد فترة قصيرة بدأ أعضاء تنظيم "غولن" الإرهابي يتفاخرون بفتح مدرسة في تل أبيب. وتبين لاحقاً أنه في نفس الفترة تم تعيين مسؤولين خارجيين في صحيفة "زمان". هذا الكلام موجه لأولئك الذين يقولون "لا تلوموا القوى الخارجية، بل انظروا إلى أنفسكم".

وبينما كانت تركيا والعالم الإسلامي يسعيان لإنتاج مقاومة ضد استعمار جديد، تحالف أعضاء تنظيم "غولن" الإرهابي مع المستعمرين، معتقدين أنهم سيحكمون باسمهم. كان تنظيم "غولن" سابقًا حركة خارجة عن التيار التقليدي، لكن الاستعمار الجديد في أوائل التسعينات عمّق الانقسام بشكل أكبر. وقد كانت هناك تفسير مهم لهذا. وبعد سنوات عندما اتخذ الرئيس أردوغان موقفًا صريحًا ضد القوى العالمية، ترددت شائعات مفادها أن زعيم تنظيم "غولن" صرح بأن " أردوغان ليس لديه فرصة للفوز أمام إنجلترا". هذه العبارة المتداولة كانت في الواقع انعكاسًا لإيمان عميق. حيث رأوا إنجلترا، وبالطبع امتدادها الولايات المتحدة، كقوى مطلقة، ولذلك لم يترددوا في الانحياز إلى جانب إسرائيل في قضية فلسطين تحت ذرائع مختلفة.

لقد قطع أعضاء "غولن" الإرهابي عن عمد، صلاتهم بوطنهم وأمتهم ودينهم. ولم يكن هذا مجرد اختيار عابر، فهم لم يتخذوا قرارًا عاديًا، بل كان قرارًا مصيريًا. والآن، وهم في بقاع بعيدة يعاد تشكيلهم ويستعمرون فكريًا. ولو أنهم نجحوا لما تمكن أحد من اكتشاف التطرف المتأصل في صفوفهم. يجب أن نكون على دراية بأن سيناريوهات مماثلة قد تتكرر في مجالات أخرى. إن المقاومة الوطنية تساهم في إحداث تغيير كبير على أرض الواقع مما يجعل اتخاذ خيارات أكثر جذرية أمرًا حتميًا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!