ترك برس

تناول تقرير موسع لصحيفة الشرق المصرية أبعاد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا، والمحادثات التي سيجريها مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، والتي ستركز على تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، ومناقشة التحديات الإقليمية.

ويزور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تركيا، الأربعاء، بناءً على دعوة نظيره التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارة الأخير للقاهرة في فبراير الماضي، والتي جاءت بعد قطيعة دامت أكثر من 10 سنوات. وتحسنت العلاقات بين البلدين بعد أن شهدت خلافات وتوترات دامت لسنوات، عقب زيارات متبادلة بين البلدين على مستوى وزراء الخارجية العام الماضي. وفقا لصحيفة الشرق.

وذكرت الصحيفة أن اللقاء بين أردوغان والسيسي في نوفمبر 2022 في العاصمة القطرية الدوحة، على هامش حضورهما افتتاح كأس العالم لكرة القدم 2022 مثل نقطة التحول الرئيسية في هذا الإطار. ومن المقرر أن تتصدر الحرب الإسرائيلية على غزة، أجندة الزيارة، إلى جانب قضايا إقليمية أخرى، مثل الأوضاع في ليبيا والسودان والصومال.

وعلى الجانب الاقتصادي، من المقرر أن يبحث الطرفان كيفية العمل على تحقيق زيادة في حجم التجارة بين البلدين من 10 إلى 15 مليار دولار، بجانب قضايا الطاقة والغاز الطبيعي، والتعاون في مجالات الصحة والسياحة والدفاع، وفق وكالة "الأناضول" التركية الرسمية. وفي 21 يوليو الماضي، قال الرئيس التركي إن تطوير علاقات بلاده مع مصر "سيعزز كثيراً من إمكاناتنا الاقتصادية".

ونقلت الشرق عن مصادر تركية قولها إن زيارة السيسي ستشهد توقيع نحو 20 اتفاقية تعاون مشترك بين البلدين. 

مصالح مشتركة في إقليم مضطرب

في يوليو 2023، أعلنت القاهرة وأنقرة رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما إلى مستوى السفراء، وعينت القاهرة، عمرو الحمامي، سفيراً لها لدى أنقرة، فيما عينت تركيا، صالح موتلو شن، سفيراً لها في القاهرة.

واعتبرت مصر، أن الخطوة تهدف لتأسيس علاقات طبيعية بين البلدين من جديد، مشيرة إلى أنها "تعكس عزمهما المُشترك على العمل نحو تعزيز علاقاتهما الثنائية لمصلحة الشعبين المصري والتركي".

ووصف المحلل السياسي التركي، محمد صديق يلدرم، في تصريحات لـ"الشرق"، زيارة السيسي بأنها "مهمة ومفصلية بسبب الأحداث التي تجري في المنطقة، بداية من حرب غزة". 

وأشار إلى أن مصر هي "بوابة غزة الوحيدة على العالم، وكل المساعدات وعمليات الإغاثة تتم عبر مصر، ومنذ اندلاع حرب غزة، تقاربت وجهات النظر بين تركيا ومصر بشكل إيجابي، لأنهما أكبر دولتين في المنطقة، اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ولهما تأثير مباشر على غزة وفلسطين".

وقال إن الأحداث في ليبيا، وإثيوبيا، والحرب في السودان، أثرت في تقارب وجهات نظر الدولتين، وكذلك، "رغبة تركيا في تصفير المشكلات التي حدثت بعد 2013"، بين البلدين.

واعتبر يلدرم في تصريحاته لـ"الشرق"، أن التعاون المحتمل في البحر المتوسط، معتبراً أن تركيا "كانت تقترح دائماً التعاون في هذا المجال لمصلحة الطرفين، حتى الاتفاقية بين مصر واليونان لم تكن في مصلحة مصر، وتركيا كانت تريد التعاون حتى تستفيد مصر من مساحة أكبر من الاتفاقيات مع اليونان".

وفي الشأن الليبي، قال إنه منذ 2012، بعد سقوط الزعيم معمر القذافي كانت هناك أطراف كثيرة متصارعة لم تنجح في تحقيق الاستقرار أو الوحدة في ليبيا، ولفت إلى أنه فيما تملك أنقرة علاقات جيدة مع حكومة غرب ليبيا، دعمت مصر المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي في الشرق على حدودها، ولفت إلى أن هناك تداخل مشترك بين مصر مع ليبيا، ما يجعل استقرار ليبيا "مهم جداً لمصر اقتصادياً واجتماعياً".

وتابع: "اليوم نرى أن هناك تقارباً في هذا الملف، وستعطي الزيارة دافعاً لحل المشكلة وتحقيق الاستقرار في ليبيا". ولفت إلى أن "تركيا لديها علاقة ممتازة مع إثيوبيا كذلك، وأظن أنها قد تقوم بالتوسط بين أديس أبابا ومصر بشأن سد النهضة"، كما لفت أيضاً إلى أنه "سيتم توقيع اتفاقية في مجال التصنيع الدفاعي العسكري بين البلدين، وهذا أول اتفاق منذ فترة طويلة".

توافق "مصري - تركي"

واعتبر مدير مكتب صحيفة "الشرق الأوسط" في تركيا، سعيد عبد الرزاق، في تصريحات لـ"الشرق"، أن زيارة الرئيس المصري لتركيا، تكتسب "أهمية خاصة"، إذ أنها تعد "تتويجاً لمرحلة طويلة من المباحثات الرامية إلى إعادة العلاقات بين مصر وتركيا إلى مسارها الطبيعي"، بعد جولات من المحادثات واللقاءات التي اختتمت بزيارة أردوغان للقاهرة في فبراير الماضي، والتي شهدت الإعلان عن إحياء المجلس الاستراتيجي رفيع المستوى للعلاقات بين البلدين بصيغته الجديدة.

وأضاف عبد الرزاق، أن من شأن انطلاق أعمال المجلس في دورته الأولى خلال زيارة السيسي لأنقرة، "زيادة تعزيز العلاقات بين البلدين في مجالات عدة من التجارة إلى الطاقة والتعليم والصحة والثقافة، وصولاً إلى تعميق التعاون الدفاعي عبر الاتفاق على الإنتاج المشترك للمعدات العسكرية.

وأوضح عبد الرزاق، أن ما يساعد على انطلاق العلاقات السياسية بين البلدين "وجود توافق في الرؤى بشأن العديد من القضايا الإقليمية، في مقدمتها القضية الفلسطينية والموقف من الحرب الإسرائيلية على غزة، والمخاوف المتعلقة باحتمالات توسعها، فضلاً عن النزاع الإثيوبي الصومالي في القرن الإفريقي وغيرها من القضايا".

خارطة جديدة للعلاقات

بدوره، أشار سمير صالحة، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول في حديث مع "الشرق"، إلى أن أنقرة تنتظر هذه الزيارة منذ فترة طويلة، خصوصاً بعد الانفتاح السياسي الأخير بين أنقرة والقاهرة.

واعتبر أن زيارة الرئيس التركي إلى القاهرة في منتصف فبراير الماضي "أرست خارطة طريق جديدة، وعكست رغبة الطرفين في بناء خطط تعاون مشتركة وزيادة التنسيق في القضايا الإقليمية".

وأضاف الخبير التركي، أن التركيز خلال زيارة السيسي لأنقرة، سيكون على "تفعيل خطط الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات السياسية والتجارية والتعاون في مشاريع اقتصادية على المستوى الإقليمي والثنائي.

واعتبر صالحة خلال تصريحاته لـ"الشرق"، أن أنقرة ستحاول إقناع القاهرة بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بهدف تسريع عمليات التنسيق والتعاون في ما يخص تطوير الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، والمساهمة في نقل الغاز المصري إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.

تفاهمات مشتركة بشأن ليبيا

وعلى نحو مماثل، تمثل المحادثات المرتقبة بين السيسي وأردوغان، فرصة لإرساء تفاهمات مشتركة بشأن الصراع الدائر في ليبيا، والذي استمر لمدة تقارب 10 سنوات، مما يطرح إمكانية التوصل إلى حل للتحديات الراهنة، وفق المحلل التركي.

وتصاعدت التوترات بين البلدين في عام 2020، بعد تدخل تركيا عسكرياً في النزاع في ليبيا، وهي الخطوة التي اعتبرها الرئيس السيسي بمثابة "تهديد صارخ" للأمن القومي المصري.

ووقعت تركيا في نوفمبر 2019، اتفاقاً مع حكومة الوفاق الوطني التي كان يرأسها فايز السراج حينها، بشأن الحدود البحرية في البحر المتوسط، إلى جانب اتفاق آخر لتوسيع نطاق التعاون الأمني والعسكري. وعقب توقيع الاتفاق، سمح البرلمان التركي في يناير 2020، بنشر قوات تركية في ليبيا لمدة عام واحد، وتم تمديد التفويض لمدة 18 شهراً أخرى حتى يوليو 2022، قبل أن يتم تمديده أيضاً في يونيو 2022 لمدة 18 شهراً أخرى.

واعتبر الرئيس المصري في يونيو عام 2020، أن "تجاوز خط (سرت - الجفرة) خط أحمر لمصر"، في تحذير ضمني لقوات حكومة المجلس الرئاسي التي تدعمها تركيا، من التحرك شرقاً باتجاه المناطق التي يسيطر عليها الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر. وخلال زيارة لقاعدة عسكرية في الصحراء الغربية بالقرب من الحدود الليبية في 20 يونيو 2020، أمر السيسي الجيش المصري بـ"الاستعداد لتنفيذ أي مهمة خارج البلاد"، وهي رسالة اعتبر محللون آنذاك أنها موجهة إلى أنقرة.

وقال المحلل التركي سمير صالحة، في تصريحاته لـ"الشرق"، إن الأزمة الليبية كانت سبباً رئيسياً في زيادة الجفاء السياسي بين الطرفين، مستبعداً تسجيل اختراق سياسي مصري تركي في ما يتعلق بهذه الأزمة، لأن الوضع القائم على الأرض لم يتغير كثيراً؛ في ظل وجود أكثر من لاعب إقليمي مؤثر في ليبيا، "كل له مصالحه وحساباته"، وهذا يؤثر على جهود القاهرة وأنقرة في الوصول إلى تفاهمات مشتركة.

كما يوفر الحوار المصري التركي أيضاً، فرصة لكلا الطرفين لمعالجة بعض القضايا الإقليمية، بما فيها الأزمة في السودان، حيث تستمر الحرب الأهلية منذ نحو عام ونصف، بالإضافة إلى التهديد الإثيوبي الذي يشكله إنشاء قاعدة بحرية وتأجير ميناء بربرة من خلال عقد اتفاقية مع "جمهورية أرض الصومال" الانفصالية، حسبما أفاد المحلل التركي.

ووفق وجهة نظر صالحة، فإن تطورات الساحل الإفريقي الغربي "سيكون لها حصة كبيرة في النقاشات، سيما ما يتعلق بالوساطة التركية في الأزمة الصومالية الإثيوبية. وأضاف أن كلا الطرفين "نجح في الفصل بين الملفات"، فأنقرة تحاول الدخول في خط الوساطة بين مصر وإثيوبيا، فيما تسعى القاهرة إلى دعم الصومال، التي تجمعها علاقات وثيقة مع تركيا.

وشدد صالحة، وفق وجهة نظره على أن الدور التركي "مهم للغاية للوصول إلى حل للتوتر الصومالي الإثيوبي"، من خلال رعاية وساطة بين مقديشو وأديس أبابا.

تعاون عسكري 

وعلى الصعيد العسكري، رأى بشير عبد الفتاح، الخبير في الشأن التركي، أن الزيارة سيكون لها جدول أعمال محدد على مستويين؛ المستوى الأول متعلق بتدابير العلاقات الثنائية، إذ ستحيي الزيارة المجلس الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، وهو ما سيعمل على تسريع وتيرة التقارب على مختلف الأصعدة، بما يشمل تطوير العلاقات الاستراتيجية والعسكرية، إلى جانب رفع التبادل التجاري إلى أكثر من 15 مليار دولار سنوياً.

وشدد المحلل السياسي المصري في حديثه مع "الشرق"، على أن الزيارة ستناقش تفعيل التعاون العسكري من خلال دعم صناعة الدفاع وتصنيع منظومات عسكرية مشتركة وتسويقها عربياً وإفريقياً عبر مصر، وإتمام صفقة مسيرات بيرقدار التركية إلى مصر، واستئناف المناورات البحرية المشتركة التي كانت تقام سنوياً ثم جُمدت منذ عام 2013.

غزة وقضايا الشرق الأوسط

أما المستوى الثاني، فهو مرتبط بالقضايا الإقليمية، إذ ستكون هناك تفاهمات بشأن القضية الفلسطينية من خلال الدعوة إلى وقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات لإقامة دولة فلسطينية بعد إعادة الإعمار، وفق بشير عبد الفتاح.

وفي ما يخص مستقبل الشرق الأوسط، قال المحلل المصري لـ"الشرق"، إن هناك رغبة مصرية تركية في أن يكون للدولتين دور في رسم ملامح مستقبل المنطقة، "فهما لا يريدان للولايات المتحدة وإسرائيل الانفراد بتشكيل مستقبل المنطقة بعيداً عن دولها".

وشدد على أن هناك تطابقاً بين البلدين في ما يخص رفض محاولات إثيوبيا الحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر بطرق التفافية، ويمكن تنسيق المواقف بين الطرفين في هذا الإطار"، معتبراً أن المجلس الأعلى الاستراتيجي، سيساعد في تقريب وجهات نظر وحلحلة الخلافات الثنائية.

وقال إن العلاقات ستشهد نقلة جديدة بين مصر وتركيا، إذ ستضع الزيارة "النقاط فوق الحروف" في الملفات الخلافية خاصة في ما يتعلق بالملف الليبي ومنطقة شرق المتوسط ومكافحة الإرهاب.

تعزيز التبادل التجاري

وتعد مصر أكبر شريك تجاري لتركيا في شمال إفريقيا، ورأى سمير صالحة، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول، أن التبادلات التجارية وتعزيز النشاط الاقتصادي "سيطغى على المشاورات المرتقبة"، بالنظر إلى المحيط الإقليمي المضطرب والمشكلات الاقتصادية الناتجة عنه، والتي تتطلب جهوداً مشتركة.

وأشار رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركية، مصطفى دنيزار، في تصريحات لـ"الشرق"، إلى أن تركيا لديها استثمارات في مصر منذ عام 2007، وهذه الاستثمارات تزداد كل عام حتى بلغت 3 مليارات دولار.

وأضاف دنيزار في حديثه لـ "الشرق"، أن تركيا تخطط في العام المقبل، لضخ استثمارات في مصر تصل إلى 500 مليون دولار، موضحاً أن العمالة التركية في مصر وصلت إلى 100 ألف شخص، مؤكداً أن البلدين يهدفان لرفع حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال المدى المتوسط.

وفي الأرقام احتلت تركيا المرتبة الأولى من أكبر خمس دول استقبلت الصادرات المصرية بقيمة تجاوزت 2.9 مليار دولار عام 2023، حسب وزارة التجارة والصناعة المصرية، كما شهد عام 2023 ارتفاعاً في صافي التدفقات التركية إلى مصر لنحو 118 مليون دولار مقابل 103 ملايين دولار خلال عام 2022.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!