محمد زاهد جول - السورية نت

منذ خروج تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل في العاشر من حزيران 2014 توجهت الأنظار إلى اتهام تركيا بأنها من الدول الداعمة لتكوين الدولة الإسلامية، بحكم أن الدولة الإسلامية هي دولة سنية مقابل دولة شيعية تحكم بغداد منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003، وقد قتلت هذه الحكومة العراقية مع القوات الأمريكية أكثر من مليون عراقي لأسباب طائفية أولاً، وأسباب سياسية ثانياً، وقد زاد من هذه الشكوك تمدد تنظيم الدولة الإسلامية إلى سوريا، وسيطرتها على القسم الأكبر من الشمال السوري وعددا من المعابر الحدودية مع تركيا دون أن يدخل الجيش التركي في مواجهات عسكرية معها، وبالأخص أنه كان لتركيا أكثر من أربعين محتجزاً قنصلياً لدى تنظيم الدولة في الموصل في ذلك الوقت، وقد زادت شبه هذه الاتهامات بعد أن امتنعت تركيا عن مقاتلة تنظيم الدولة بعد دخوله عين العرب "كوباني"، ومحاولة تحريرها من قوات التحالف الدولي ووحدات حماية الشعب الكردية بحجة أن معظم سكان عين العرب السورية هم من الأكراد، وأخذ الإعلام الغربي والعالمي يطلق عليه الاسم الكردي كوباني، لترسيخ مفهوم أن هذه المدينة مدينة كردية، ولم تستطع وحدات حماية الشعب من دخول عين العرب كوباني إلا بعد تقديم تركيا تسهيلات عسكرية لقوات البشمركة الكردية القادمة من العراق أن تدخل إلى سوريا عبر الأراضي التركية، أي أن الحكومة التركية ساعدت القوات الكردية العراقية في تحرير عين العرب كوباني، ولكنها لم تتورط بنفسها في محاربة تنظيم الدولة وتجنبته، بل رفضت مشاركة قوات التحالف الدولي في العمليات العسكرية والطلعات الجوية ضد مواقع التنظيم في سوريا والعراق حتى تستجيب قوات التحالف وأمريكا لشروط الحكومة التركية الثلاثة، التي تعالج أسباب الصراع الحقيقية في سوريا والعراق، وبالدرجة الأولى فرض منطقة آمنة للشعب السوري في شمال سوريا تكون تحت الحماية الدولية، وفرض حظر جوي عليها، ودعمها بقوات الثورة السورية لحين قيام الحكومة السورية بعد سقوط أسرة الأسد الطائفية.

هذه السياسة التركية كانت واضحة وعلنية، ولكن أمريكا لم تكن توافق على الأولويات التركية، لأنها كانت تصطنع أولويات أخرى يرى البنتاغون الأمريكي أنها هي التي تحقق له اهدافه وفي مقدمتها إدامة الصراع في هذه المنطقة لسنوات طويلة، وإبقاء كل أطراف الصراع فيها أقوياء لمحاربة بعضهم بعضاً، ولكنهم ضعفاء أمام القوات الأمريكية وبحاجة إلى المساعدات العسكرية الأمريكية للصمود في المعركة وإلا الموت والزوال، ولذلك جعلت أمريكا بحسب خطط البنتاغون أولويتها الأولى لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وطالبت جميع الأطراف المشاركة في الصراع بما فيهم تركيا العمل وفق الأولويات الأمريكية والشروع بمحاربة داعش فقط، ومن غرائب هذه الأولوية الأمريكية أن تطالب قوات المعارضة والثورة السورية أن تترك مقاتلة النظام السوري الذي قتل من أبناء الشعب السوري مئات الألوف واعتقل أمثالهم وشرد الملايين ودمر بلادهم إلى مقاتلة "داعش"، أي أن تترك عدوها الأول وعدو شعبها من ميليشيات الأسد والمليشيات الطائفية الإيرانية التي تقاتل مع الأسد إلى مقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية وفق الخطة الأمريكية، وهي الخطة الأمريكية غير معلومة المعالم ولا الأهداف ولا التوقيت.

لهذه الأسباب كان لا بد أن تتوجه السياسة التركية بتوضيح موقفها وإيصال رسالتها إلى العالم أجمع، ليس من خلال وسائل إعلامها فقط، وإنما من خلال لقاء كبار المسؤولين الأتراك مع رؤساء دول العالم وممثليهم الدبلوماسيين والسياسيين في تركيا وخارجها، وكان من أكبر هذه المنابر لقاء رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان مع سفراء دول العالم والهيئات والمنظمات الدبلوماسية والسياسية العاملة في العاصمة أنقرة، وبمناسبة شهر رمضان المبارك جاء اللقاء على مأدبة إفطار في القصر الرئاسي الجديد يوم الخميس 9/7/2015، وكان حديث أردوغان عن الموقف التركي الرسمي من أحداث المنطقة المشتعلة، فكان كلامه واضحا وصريحا في النقاط التالية:

1 ـــ طالب أردوغان: المجتمع الدولي بالتوقف عن النظر إلى سوريا عبر ما أسماها عدسة تنظيم الدولة الإسلامية.

2 ـــ أكد أردوغان: أن التوصل إلى حل سياسي حقيقي هو الذي سيقضي على الإرهاب هناك.

3 ـــ أعلن أردوغان: أن بلاده لن تقبل بأي تغيير ديمغرافي في سوريا.

4 ـــ قال أردوغان: إن تنظيم الدولة مدعوم من قبل النظام السوري بهدف كسر مطالب الحرية والديمقراطية والكرامة التي ينادي بها الشعب السوري منذ خمسة أعوام.

5 ـ أشار أردوغان إلى أن تركيا قامت حتى الآن باعتقال وترحيل أكثر من 1300 أجنبي للاشتباه في علاقتهم بتنظيم الدولة.

6 ــــ اتهم الرئيس التركي أردوغان دول العالم بالتقصير في تبادل المعلومات ضمن إطار مكافحة الإرهاب، وطالب من وصفها بالدول التي يأتي منها الإرهابيون بالقيام بما يتوجب عليها فعله.

7 ـــ قال أردوغان: إن بلاده فتحت أبوابها لأكثر من 1.7 مليون سوري، دون النظر إلى عرقهم أو دينهم أو مذهبهم.

8 ـــ قال أردوغان: "بمشيئة الله سنكافح سوياً هذه الخلية السرطانية وسنقضي عليها معاً".

9 ـــ قال أردوغان: إن تركيا عازمة على مكافحة تنظيم (داعش) الإرهابي، وقال "إن تركيا لن ترضى بتأصل الإرهاب وبفرض الأمر الواقع من جانب واحد إلى الجوار من حدودها مباشرة".

10 ـــ خاطب رئيس الجمهورية أردوغان المجتمع الدولي قائلاً: "لن نقبل أبداً بتغيير الهيكل الديموغرافي في سوريا. وينبغي على المجتمع الدولي الكف عن النظر إلى سوريا من زاوية (داعش) فقط".

11 ــــ قال أردوغان: إنّ الدّفاع عن النظام السوري الذي تسبب بمقتل ما يزيد عن 300 ألف شخص وتشريد الملايين، عمل مناف للقيم الإنسانية والأخلاقية.

12 ـــ أشاد أردوغان بدور الحكومة التركية التي اتبعت سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين السوريين، وأنّها استقبلت من مدينة تل أبيض وحدها ما يزيد على 20 ألف نازح، وذلك بغضّ النظر عن انتماءات ومعتقدات النازحين السوريين.

13 ــ انتقد أردوغان الدّول الغربية، متهما إياهم بعدم القيام بواجباتهم حيال هؤلاء اللاجئين، وقال أردوغان: "لقد استقبلت الحكومة التركية منذ اندلاع الاحداث في سوريا ما يزيد على مليونين لاجئ وعملنا على تقديم كافة الخدمات الطبية والتعليمية والسكنية لهم. بينما بالمقابل لم تستقبل مجموع الدّول الأوروبية سوى 250 ألف لاجئ سوري. وعلى الرغم من كل هذا فإننا نجد أن هناك أطرافاً تتهم الحكومة التركية بالتمييز العرقي والديني بين النازحين الوافدين إلى أراضيها".

هذه النقاط وغيرها أكدها أردوغان في خطابه لتحديد وتأكيد الموقف التركي الرسمي للجمهورية التركية من أحداث سوريا والمنطقة، وقد كان بين الحضور السفير الإيراني ورئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية خالد خوجة، وقد سمع السفير الإيراني صراحة أردوغان وتصريحه بأن الوقوف إلى جانب نظام الأسد ليس أمراً إنسانياً ولا حتى إسلامياً، مضيفاً إن الأحداث في سورية أصبحت تحدد الأمن الدولي، وأن "تنظيم الدولة منظمة إرهابية سلطها نظام الأسد على الشعب السوري بهدف كسر مطالب الحرية والديمقراطية والكرامة التي ينادي بها الشعب منذ خمسة أعوام"، وهذا التأكيد من أردوغان جاء بعد التهديدات الرعناء التي أطلقها "منصور حقيقت بور" نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية بالبرلمان الإيراني قائلا: “نحن لا نرغب في تحويل سوريا إلى قبر للجنود الأتراك"، هذا التصريح الإيراني المتهور صدر عن "حقيقت بور" في حوار أجراه مع وكالة أنباء البرلمان الإيراني(ICANA) : “ قائلاً: "إن دخول الجيش التركي في حرب ضد سوريا مباشرة وإقامة منطقة عازلة محتملة هنا سيكون بمثابة خطأ كبير من جانب منظري العثمانيين الجدد في تركيا".

فإذا كان الموقف التركي وهو موقف تحذيري من تهديد الأمن التركي ولم تباشره تركيا في سوريا حتى الآن، يواجه بالتهديد الإيراني، فكيف ينظر هذا البرلماني والسياسي الإيراني لتواجد ميليشيات الحرس الثوري الإيراني وكل المليشيات الشيعية التي تأتمر بأوامر خامنئي في سوريا، وقد قتلت مئات الألوف من الشعب السوري فضلاً عن التدمير الهائل الذي أحدثته في البنية التحتية للدولة السورية، فهل التهديد القولي أخطر من الفعل الإجرامي الذي قامت به إيران في سوريا ولبنان واليمن والعراق؟ وبالأخص في قتل مئات الألوف من الشعب السوري المسلم.

إن النقطة الأساسية في هذه الخطاب لرئيس الجمهورية التركية أن يعلن أن تنظيم الدولة داعش هي بضاعة إرهابية من صناعة الأسد أولاً، وأن تركيا ستواجه هذا التنظيم الارهابي ثانياً، وأن على العالم ان يساعد تركيا في ذلك ثالثاً، لأن الهدف من صناعة تنظيم الدولة كان ضرب المشروع السلمي السوري بإقامة دولة سورية مدنية وديمقراطية، وكما استعمل الأسد تنظيم داعش في محاربة الثورة السورية فإنه يستعمل الآن وحدات حماية الشعب الكردية في تدمير سوريا وتقسيمها وتهديد دول الجوار والمنطقة، بهدف إقامة دولة الساحل السورية العلوية، التي يفاوض بشار الأسد عليها إسرائيل الآن، ممثلة بالإسرائيلي المتطرف ليبرمان وبوساطة روسية، فبشار الأسد ومحوره الطائفي لا يتوانى عن تدمير المنطقة إن استطاع ذلك  كما دمر سوريا، فهل تكشفت حقائق المعركة القائمة والقادمة لتقسيم سوريا، وان يتنبه العرب والأكراد والأتراك والإيرانيين أن لا يكونوا أدوات المشاريع الطائفية الخاسرة.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس