أحمد الملاح - تركيا بوست

يبدو أن صراع النفوذ الفكري والقوة الناعمة يشتعل رمضانيا لنشاهد الجذب على أشدّه في طرح الأيدلوجيات وحقن العقول بما يتناسب مع صناع برامج الشاشة الصغيرة، صانع المحتوى في تلك البرامج الرمضانية يحاول قدر الإمكان جذب ما يستطيع من الأفواج التي تخضع لبث الفكر الذي سيتحول لميول وولاء بعد أن تسيطر عليه الأفكار.

لا شك أن نجاح الإعلام العربي بشكل كبير في إفساد رمضان وجعل التلفاز هو الهاجس الأول؛ جعله يشعر بالنشوة، لكن ذلك لا يكفي فقط لإفساد رمضان وانحراف الفكرة التي تحول رمضان من معسكر ضبط وإعادة تهيئة وشحذ الهمم والطاقات إلى شهر التلفاز والمتابعات والطعام والسهرات.

إن الخطوة الثانية التي يبدو أنها تبرز بشكل كبير هذا العام أن تُستخدم تلك الشاشات ليس للهدف الأول فقط، بل التحول لصناعة ولاءات جديدة وطرح الأيدلوجيات بشكل أكثر انفتاحا من قبل.

لا نجافي الحقيقية حينما نتكلم أن هناك محورين في البرامج الرمضانية لهذا العام هما المحور التركي واليهودي اللذان يشكّلان بمجموعهما الشاشة الرمضانية رغم أن كل منهما على نقيض الآخر.

المحور اليهودي

مما لا شك فيه أن مسلسل باب الحارة ذو الأجزاء السبعة تربّع على عرش المسلسلات الرمضانية العربية من ناحية نسبة المشاهدة وهو يتكلم عن الحارة الشامية والعادات والتقاليد الجميلة التي جعلت المسلسل أنجح المسلسلات العربية على الإطلاق كونه يلامس المشاهد العربي في جوانب متعددة من مقاومة المحتل وتكاتف المجتمع والوحدة الوطنية والشهامة والنخوة العربية التي جعلت المتابع العربي يتلذذ بتلك المعاني.

ليتفاجأ الجميع في الجزء السابع بانعطافة خطيرة في الطرح وتغير جذري في المفاهيم؛ فالعكيد الغيور الشجاع المدافع عن الحارة يتحول لمراهق عاشق يتخلى عن كل القيم والأعراف في سبيل النزوة، ويطرح المسلسل اليهود أنهم أصحاب الحكمة الذين يضحون من أجل ألا تقوم فتنة في الوطن! بينما يتناحر المسلمون على أمور تافهة.

هذا التجسيد الجديد في الطرح يجعلنا نتساءل من له مصلحة في تلميع صورة اليهود في مسلسل تتجاذب السلطة عليه نظام الأسد وقناة الإم بي سي السعودية!

لتستمر الحكاية مع حارة ثانية ليست شامية هذه المرة بل مصرية والمسلسل واضح من العنوان “حارة اليهود”، يبدو أن المسلسل الغاية منه هي دعم الجيش في مصر ضد الإخوان المسلمين الذين يظهرون في حلقات المسلسل على أنهم متسلقون للسلطة وعملاء للغرب، فيما يبث المسلسل كمّا هائلا من قلب الحقائق يجعلنا نعتقد أن التاريخ المصري في تلك الحقبة غامق لدرجة الكحل؛ فالثوار ضد الإنجليز هم مجموعة من البغايا يحملن الوطنية في قلوبهن ولا يحملن الشرف، والعميل العربي الذي يعمل مع الصهاينة هو بطل، وغيرها الكثير من المواقف التي لا تخلو منها أي من حلقات المسلسل.

كل هذا النتاج الجانبي لمسلسل حارة اليهود الذي هدفه تلميع اليهود وأنهم الوطنيون المسالمون الذين يتحملون أنواع التنكيل والظلم ولكنهم متمسّكون بالوطن؛ يجعلنا نتساءل ماذا يفعل يهود العرب اليوم في إسرائيل وأين وطنيتهم!

يبدو أن صورة اليهود يجب أن تُلمّع؛ فالشرق الأوسط مقبل على تغيرات وعدو الأمس يراد له أن يكون صديق المستقبل للجيل الجديد.

المحور التركي

يبدو أن الإعلام الجديد أخذ دوره بشكل كبير هذا العام في تسويق تركيا بشكل مُلفت للنظر من خلال السوشيال ميديا؛ فلا نجد موقع عربي لم يورد خبر أو فيديو أو صورة من إسطنبول خلال رمضان، وأن الجنون الذي أصاب المنطقة بعد إجهاض الثورات العربية وخروج الشباب مغادرين من بلدانهم دفع الكثير منهم للتوجه إلى تركيا التي فتحت ذراعيها للشباب العربي الذي بدوره سوّق تركيا للوطن العربي بشكل ممتاز، فتغطيته لرمضان تركيا في هذا العام كان مختلفا جدا.

إضافة إلى أن أبرز البرامج الرمضانية خاصة الإسلامية تم تصويرها في الأراضي التركية وبكوادر من الشباب العربي المتواجد في تركيا؛ فالعريفي وبرنامجه لهذا العام “حدثني القمر” صوّرت حلقاته في تركيا، قد لا يتحدث الشيخ العريفي عن إسطنبول في برنامجه لكن صور الشاطئ خلفه كافية وحدها للترويج؛ الأمر الذي يرفع من رصيد تركيا في التسويق الرمضاني.

الشيخ العودة يصور برنامجه “علمني موسى” أيضا في تركيا ويكون بين الشباب العربي في إسطنبول ليعطي إيحاء أن إسطنبول ما تزال مدينة الإسلام.

بينما يظهر برنامج “سواعد الإخاء” بنسخته الثالثة ليجمع الدعاة والعلماء في تركيا وتكون مقدمة البرنامج استقبال مشاهير الدعاة أمثال النابلسي والصلابي والقرني وهم يستقبلون في مطار أتاتورك في إسطنبول؛ فيقدم رسالة واضحة للجميع أن إسلاميي العالم الإسلامي لا تجمعهم غير تركيا لتخلق ولاءا جديدا وحنينا قديما عمره مئة عام للخلافة العثمانية.

في ظل التجاذب على محورين مختلفين على الشاشة الصغيرة الرمضانية لا يسعنا إلا أن نقول إن رمضان هذا العام تركي يهودي بامتياز.

عن الكاتب

أحمد الملاح

كاتب وباحث عراقي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس