ترك برس

بعد قيام داعش وحزب العمال الكردستاني "بي كا كا" بمهاجمة ثكنات الجيش التركي لم تتردد تركيا في الرد الحاسم، إذ على الفور قامت بتاريخ 24 يوليو بالتحرك العسكري الفوري لاستهداف مخيمات ومقرات داعش وبي كا كا الجاثية على سوريا والعراق، وتركزت ضربات الجيش التركي ضد مخيمات ومقارات البي بي كا التدريبية واللوجستية الموجودة في شمال العراق مثل جبل قنديل وقرية قورتاك وقرية زرجيل وغيرها العديد من المناطق التي تتمركز بها البي كا كا وتنطلق منها لمحاربة تركيا.

على الرغم من أن شمال العراق عبارة عن إقليم مستقل استقلالا ً ذاتيا  ً إلا أن إدارته المركزية تعود إلى بغداد وأي تخطي لحدوده يُعتبر تخطي لحدود العراق عامة، وفي ضوء هذه التحركات العسكرية التركية التي تضرب مخيمات ومواقع البي كا كا تناول الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية "أورسام" والمتخصص في الشأن العراقي بيلجاي دومان العلاقات التركية العراقية في الفترة الأخيرة.

في بداية تقريره البحثي يبين دومان أن"وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري بعد زيارته لتركيا في شهر نوفمبر 2014 زارها من جديد بتاريخ 13 يوليو 2015 والتقى بمسؤولين أتراك على مستوى رفيع، وحلل الكثير من المختصين والخبراء بأن هذه الزيارة هي خطوة مهمة لتطوير العلاقات المتدهورة بعض الشئ بين البلدين في الفترة الأخيرة".

وتعقيبا ً على هذه الزيارة نشرت صحيفة ييني شفق التركية في ذلك الوقت بأن الجعفري إلتقى بوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو وبعدها برئيس الوزراء أحمد داود أوغلو ورئيس الدولة رجب طيب أردوغان، وهذا مايبين مدى المستوى الرفيع التي تُوجت به زيارة جعفري الأخيرة.

وكانت وزارة الخارجية التركية قد أعلنت، قبل زيارة الجعفري بأيام، بأن الزيارة ستناقش سبل التعاون العسكري بين الدولتين من أجل محاربة الإرهاب بصورة أكثر فعالية وكما ستناقش الزيارة إمكانية تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية الثنائية بشكل أكثر نشط".

وبالرجوع إلى الباحث دومان الذي يشير إلى أن "الزيارة ركزت على موضوع التعاون العسكري والاستخبارتي من أجل مكافحة داعش والقضاء عليها، وفي حين بينت تركيا بأن داعش هي عدو إرهابي مشترك طلبت العراق من تركيا إتخاذ دور تعاوني أكثير فعالية من أجل تخليص المنطقة من الخطر الداعشي".

ويفيد دومان أن "العلاقات بين تركيا والعراق تدهورت بشكل كبير في عهد نوري المالكي الذي أعلن ولاءه الكامل لإيران، ولكن بعد تولى حيدر العبادي لرئاسة الوزراء في سبتمبر 2014 دخلت العلاقات التركية العراقية مرحلة استقرار وتطور جديدة وأول من هنأ العراق بحكومته الجديدة كانت تركيا، وبعد استلام العبادي للحكم بدأت الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى تأخذ مجرى سريع ونشط، حيث خلف زيارة الجعفري لتركيا في شهر نوفمبر 2014 زيارة أحمد داود أوغلو لبغداد، وفي الشهر التالي، ديسمبر، زار العبادي تركيا وأُعيد إحياء اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى الذي توقف عن عمله منذ عام 2009، وبناء ً على هذا الاجتماع قام وزير الطاقة التركي طانير يلديز بزيارة بغداد مابين 17 ـ 18 2015 ووقعت اتفاقية اقتصادية ضخمة ومتنوعة بين البلدين وأُسست لجنة الاقتصاد المختلط لمتابعة العلاقات الاقتصادية "العامة والخاصة" بين البلدين وتطويرها".

وبالرجوع إلى العلاقات السياسية يوضح دومان أن "تركيا دعم عملية مكافحة داعش بشكل قوي، حيث قامت بتوفير الدعم الاستخباراتي واللوجستي للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولتطوير العلاقات السياسية مع العراق بشكل أكبر قامت بشهر مارس 2015 بإرسال طائرتين عسكريتين ملئيتي بالمهام والعتاد العسكري للعراق، وكما استعدت تركيا لتدريب أكثر من 1600 شخص من البشمركة وأكثر من 1500 عسكري عراقي من أجل إعدادهم لتحرير الموصل من أيدي داعش وبهذا تكون تركيا قد خطت خط إيجابي بخصوص أمال العراق المتعلقة بزيادة تركيا دعمها في الحرب ضد داعش".

ويبين الباحث أنه "عندما قامت قوات داعش بالاشتباك مع قوات الحدود التركية بتاريخ 24 يوليو 2015 في منطقة ألبيلي التابعة لولاية كيليس قامت تركيا على الفور ودون أي تردد بالرد الموجع على قوات داعش في نفس اليوم، وكما قامت تركيا بضرب قوات داعش الموجودة في سوريا والعراق الأمر الذي استدعى استخدامها للغلاف الجوي السوري والعراقي".

وعلى صعيد أخر يوضح الباحث أن"المنظمة الإرهابية الكردية البي كا كا زادت من علمياتها الإرهابية بالتزامن مع الهجوم الداعشي على الحدود، مما جعل تركيا تُعلن حرب شاملة على جميع المنظمات الإرهابية الداخلية والخارجية مثل داعش والبي كا كا والدي ها كا بي جي وغيرهما، وبخصوص حرب تركيا ضد البي كا كا قامت بقصف المخيمات التدريبية والمعاقل العسكرية التابعة للبي كا كا المتمركزة شمال العراق، وبعد هذا التحرك التقى وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري بسفير تركيا في بغداد فاروق كايماكتشي".

ويقول الباحث إنه حسب الوكالات المحلية، فإن "الجعفري أكد على الأهمية التي يبديها العراق لأمن تركيا واستقرارها، وبين الجعفري بأن بغداد قلقة بخصوص الخسائرة المادية والإنسانية المدنية "العراقية" التي يمكن أن تنتُج عن العمليات العسكرية التركية في شمال العراق، ولتجنب هذه الخسائر أوضح الجعفري بأن تركيا يجب أن تسير ضمن تنسيق قوي ومباشر مع العراق".

وعلى صعيد متصل أوضحت وكالات الأنباء العراقية  أن الحكومة العراقية اجتمعت قبل يومين بشكل خاص لمناقشة العمليات العسكرية التركية في شمال العراق، وبعد الاجتماع كان هناك تصريح لرئاسة الوزراء العراقية وجاء في التصريح "ترى الحكومة العراقية بأن الهجمات العسكرية التي تقوم بها تركيا في شمال العراق خطيرة وتخلق التوتر وتشكل تهديد واضح لوحدة العراق، ولكن على صعيد أخر أفاد التصريح بأن الحكومة العراقية لا تقبل أي هجمات تخرج من العراق ضد تركيا".

ويشير الباحث إلى أن "الحكومة التركية ردت على هذا التصريح بالقول "بأن تركيا ستسعى لحل جميع المسائل المتعلقة بموضوع التدخل العسكري في إطار الاحترام المتبادل والحوار المباشر والشامل".

وفي إطار توضيح رؤيته الخاصة يعرب الباحث عن انزاعجه بسبب ابتعاد تقييمات الحكومة العراقية عن الواقع، ويوضح الباحث أسباب انزاعجه وبعد الحكومة العراقية عن الواقع بالشكل التالي:

ـ الحكومة العراقية لحتى الأن لم تتخذ أي إجراء جاد لمنع البي كا كا من الهجوم على تركيا أو لطرد البي كا كا من شمال العراق؛ فكيف تريد من تركيا بأن لا تستخدم حقها المشروع في الدفاع عن نفسها؟

ـ الحكومة العراقية تعترض على هجمات تركيا ضد إرهابيي البي كا كا في حين أنها منذ 2003 لا تملك أي قوات أمنية تابعة لها بشكل مباشر في شمال العراق لصد ومنع إلتجاء وتمركز مثل هذه الجماعات الإرهابية، ويؤكد الباحث على حق تركيا النابع من القانون الدولي للدفاع عن نفسها في حين كان هناك تهديد خارج الحدود ولم تستطع حكومة البلد الأخر القضاء على هذا التهديد.

ـ الحكومة العراقية لم تخرج صوتها أبدا ً ضد القوات العسكرية التي أرسلتها إيران برا ً إلى العراق ولم تعترض أبدا ً عن الهجمات الجوية للتحالف الدولي التي أسقطت الكثير من المدنيين العزل لا بل على العكس تنظر إلى التحالف الدولي بكل إيجابية!!.

إلى جانب هذه الأسباب يقول الباحث بأنه "يجب على الحكومة العراقية تحديد موقفها بشكل واضح من حزب العمال الكردستاني هل تعرفه على أنه حزب إرهابي أم مقاتل حرية؟ تركيا تنظر إلى حزب العمال الكردستاني على أنه إرهابي وخطير بمثابة داعش، فما موقف الحكومة العراقية من ذلك؟"

في حين أن العراق تنتظر من تركيا أخذ دور فاعل ضد داعش تنتقد عمليات تركيا العسكرية ضد بي كا كا التي تهدد أمن تركيا القومي واستقرارها، هذا يدل على عدم عقلانية وواقعية موقف الحكومة العراقية المقيم للوضع الحالي، على حد تعبير الباحث.

ويقول الباحث إنه "لا بد للحكومة العراقية من التصرف بشكل متوازن أكثر لزيادة تطور علاقتها مع تركيا بشكل إيجابي، الإرهابي إرهابي مهما كان إسمه سواء كان اسمه داعش أو بي كا كا الأساليب والأخطار الإرهابية واحدة"

في نهاية تقريره يؤكد الباحث أن "رأس الحكومة العراقية وأعضائها الحاليين أناس عقلانيين وسيسعون للسير على نهج أكثر واقعية وأكثر عقلانية وهذا نستطيع استسقائه من تصريح وزير الخارجية العراقي الجعفري لسفير تركيا في بغداد والذي يقول " نؤكد على الأهمية التي يبديها العراق لأمن تركيا واستقرارها، ولكن بغداد قلقة بخصوص الخسائرة المادية والإنسانية المدنية "العراقية" التي يمكن أن تنتُج عن العمليات العسكرية التركية في شمال العراق، ولتجنب هذه الخسائر يجب على تركيا أن تسير ضمن تنسيق قوي ومباشر مع العراق"، من خلال الجزء الأخير "لتجنب هذه الخسائر يجب على تركيا أن تسير ضمن تنسيق قوي ومباشر مع العراق" لرسالة الجعفري وهذا يعني بأنه يمكن تنسيق المعلومات الاستخباراتية والعسكرية مع الحكومة العراقية وبالتالي استمرار تركيا في عملياتها العسكرية، نتمنى بأن يكون هذا هو الحال للاتفاق بين الحكومة التركية والعراقية بخصوص تحركات تركيا العسكرية في شمال العراق".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!