ترك برس

على طول السنوات الماضية كانت إيران تعد الأكراد عدوًا لدودًا انفصاليًا خطيرًا على أمنها القومي، وخاضت إيران حرب استنزاف مع الأقلية الكردية المتواجدة في شمالها منذ السنوات الأولى لإعلانها استقلالها، وتطورت هذه الحرب بعد 1978 بعد تأسيس الأقلية الكردية في إيران جماعة مناصري "أبو" أو "أبوكوس" والمقصود بأبو هو عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني في تركيا بدأت أعملهم الإرهابية على الفور تستنزف قوات جيش الحدود الإيراني بشكل منظم ومتكرر وأطلقت هذه الجماعة على نفسها اسم "ثورة كردستان".

استمرت حرب الاستنزاف والعصابات بين ثورة كردستان وجيش الحدود الإيراني لفترات طويلة وبشكل متموج يشتد تارة ويهدأ تارة، وبتاريخ 10 أيلول/ سبتمبر 2004 تم عقد مؤتمر لأكراد إيران في إحدى الدول الأوروبية بحضور عثمان أوجلان شقيق عبد الله أوجلان، وأكد عثمان أوجلان خلال المؤتمر على ضرورة توسيع النشاط الثوري في كردستان إيران وأعلن عن تشكيل حزب الحياة الحرة الكردستاني "بيجاك" ومارس الحزب الكثير من الأعمال الإرهابية ضد القوات العسكرية الإيرانية خاصة في منطقة سلمس الواقعة شمال تركيا.

ولكن بعد انطلاق الثورة السورية وتغير قواعد اللعبة في المنطقة؛ بدأت إيران بالتقرب من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "بي يي دي" المتمركزة قواته في شمال سوريا والذي يُعلن ولاءه للنظام السوري، ولتأكيد التقارب الإيراني تجاه الأكراد قام روحاني قبل شهور قليلة بزيارة المنطقة الكردية في إيران، والتقى بزعمائها ذوي المكانة الاجتماعية في حدث لم يسبق له مثيل طيلة تاريخ الجمهورية الإيرانية.

وحسب وكالة أنباء فارس الإيرانية الرسمية، فقد استمع روحاني لجميع شكاوى المواطنين الأكراد في المنطقة، ووعد بحل جميع المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بها. وتضيف الوكالة أن الرئيس الإيراني روحاني أكد خلال زيارته للمنطقة الكردية بأنه "سيتم فتح قسم آداب اللغة الكردية في الجامعات الإيرانية، وأنه سيتم عد اللغة الكردية أحد اللغات الرسمية في إيران وسيتم فتح قناة تلفازية تبث باللغة الكردية، كما وعد بإجراء العديد من الخطط الاستثمارية بقيمة 300 مليون دولار لتنمية المنطقة وتقويتها اقتصاديًا.

تعقيبًا على هذه الزيارة، يؤكد الباحث في معهد أنقرة الاستراتيجي جمال الدين تاشكين في دراسة له بعنوان انفتاح طهران الجديد على الأكراد أن "الرئيس الإيراني خلال زيارته لمدينة ساناديك في الإقليم الكردي في إيران مدح اللغة وطراز اللباس والثقافة الكردية، وأكد على حق الشعب الكردي الطبيعي في الافتخار بلغته وثقافته ولباسه وإنه لن يحدث أي مشكلة للشعب الكردي في إيرن بعد اليوم".

كما يشير تاشكين إلى أن "الرئيس الإيراني اجتمع مع رجال الدين في المنطقة وأكد أن المذهب الشافعي السني الذي ينتمي إليه الشعب الكردي هو أكثر المذاهب التي تدعو للاتحاد والوحدة، وبين بأن هناك مذهبًا شيعيًا ومذهبًا سنيًا في إيران"، لكنه أكد بأن "هدف الشعب الإيراني بغض النظر عن اختلاف مذهبه هو تنمية إيران وجعلها من أقوى الدول في المنطقة".

وأفاد الكثير من الخبراء المختصين بالشأن الإيراني أن الزيارة المفاجئة لروحاني لمدينة ساناديك لم تأتي من فراغ ومن باب فتح الحرية في إيران للأكراد بل هي أتت من باب تقييم الأوضاع الأخيرة الجارية في المنطقة مثل:

ـ دعم حزب الاتحاد الديمقراطي "الكردي" "بي يي دي" للنظام السوري حليف إيران في المنطقة؛ الأمر الذي جعل إيران تحاول كسب تعاطف الأكراد في جميع أنحاء المنطقة بشكل أكبر لكسب دعمهم لها في الأزمة السورية بشكل أوسع.

ـ بعد زيادة الحركات الدينية والقومية الخطرة في المنطقة مثل داعش وبي يي دي وبي كي كي وغيرها خشيت إيران من اشتعال الفتيل الديني القومي للمناطق الكردية السنية المتواجدة في إقليم كردستان شمال إيران.

وبالرجوع إلى دراسة الباحث التركي تاشكين، يؤكد هو الآخر أن "هذان السببان أثّرا بشكل كبير في جعل إيران تنتهج سياسة ناعمة ومرضية للأقلية الكردية داخلها".

ويوجز تاشكين القناعة العامة للخبراء المختصين بالشأن الإيراني حول تأثير زيارة روحاني للإقليم الكردي وانفتاح إيران على الأكراد على المنطقة بالشكل التالي:

ـ بذلك تحاول إيران منع تقوية الخيط العرقي والحس الثوري بين الأكراد في إيران والأكراد المتواجدين في تركيا وسوريا من خلال إعطائهم بعض الحقوق بشكل استباقي.

ـ محاولة المنع هذه قد تفيد تركيا بشكل إيجابي مما يجعلها باب مناسب لإيران للتباحث في الملف الكردي الذي يشكل خطر على الدولتين.

ـ لكن على صعيد آخر يمكن أن تبدي إيران بعض التعنت في الأمر وتضغط على نظام الأسد للقبول بشكل فعلي وجود إقليم كردي مستقل ذاتيًا لكسب تعاطف كردي أكبر في المنطقة ولكن هذا أمر يمكن أن تفكر به إيران بعقلانية أكثر وذلك لأن قبولها بإقليم مستقل ذاتيًا في سوريا يعني وجود انفصال كردي في شمال إيران وهذا يعني بأن الانفتاح الإيراني على أكراد سوريا يمكن أن يكون تكتيكيًا وليس استراتيجيًا وهذا يمثل، كما أسلفنا في النقطة الثانية، رصيدًا مهمًا لتركيا للتباحث بشكل مشترك مع إيران بخصوص الملف الكردي.

وفي نهاية التقرير التحليلي للانفتاح الإيراني يؤكد تاشكين أنه "يجب على تركيا استثمار هذه الفرصة السانحة للتوافق الإيراني التركي في القضية الكردية بأسرع وقت ممكن، لأن خطة الانفتاح الإيراني على الأكراد هي خطة تكتيكية قد تطرأ عليهاعدة تغييرات في أي وقت، يجب على تركيا استثمارها وتحويلها لخطة استراتيجية تخدم مصالحها".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!