علي حسين باكير – عربي 21

كما كان متوقعا، فشل أكبر حزبان في تركيا في التوصّل إلى إتفاق لتشكيل حكومة إئتلافيّة، ذلك انّ الهوّة بينهما كانت شاسعة جدا، كما أنّ حجم الخلاف في القضايا الأساسية سواء في السياسة الخارجية او السياسة الاقتصاديّة أو التوجهات الاجتماعيّة كان كبيرا لدرجة انّه لا يمكن جسره من دون أن يبدو أنّ طرفا قد تنازل بشكل تام للآخر وهو الأمر الذي من شأنه ان يؤدي في المحصّلة إلى تراجع شعبية الحزب الذي يقوم بذلك بشكل يهدد بالتأكيد موقعه وحجمه في أي إنتخابات قادمة.

ومن هذا المنطلق، فقد كان التقييم الأساسي لدى الطرفين انّه من غير المجدي تقديم تنازلات ضخمة لتشكيل حكومة من المعروف انّها لن تعمّر طويلا بحكم التجرية التاريخية للحكومات الائتلافية في تركيا وبحكم حجم الاختلاف على القضايا المصيرية خاصّة أن المطروح كان حكومة محددة زمنيا وبجدول انتقالي.

ونتيجة هذه المعطيات اليوم، فإن المهلة الدستورية المتبقية لتشكيل حكومة في البلاد تكون قد شارفت على الإنتهاء والمتبقي منها حوالي 9 أيام تنتهي في 23 أغسطس / آب الحالي. وهذا يعني أنّنا سنكون امام خيارات اخرى لعل أبرزها على الإطلاق:

الأوّل: ان يحصل حزب العدالة والتنمية خلال الايام المتبقّية على دعم من حزب الحركة القوميّة لتشكيل حكومة أقليّة، وهو سيناريو يبدو ضعيفا -نتيجة تأكيد الحزب مرارا على انّه لن يفعل ذلك- الا أنّه سيناريو غير مستبعد لسببين:

1) لطالما ساعد حزب الحركة القومية في السنوات العشر الأخيرة حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الصعبة في البلاد، إذ شارك في دعم تمرير التعديلات الدستورية المتعلقة برئيس الجمهورية عندما كان غول موجودا كما شارك في دعم قرار إبطال الحظر على الحجاب وغيرها من الأمور الحساسة في البلاد والتي لم يكن حزب العدالة قادرا على الذهاب فيها منفردا لولا دعم الأول له.

وعليه، فقد يشعر حزب الحركة القوميّة بوجود مسؤولية عليه لعدم جر البلاد إلى المزيد من حالة عدم الاستقرار ويقرر في آخر احظة دعم حكومة أقليّة.

2) الامر الثاني، انّ يقرر حزب الحركة القومية ومن منطلق العداء المستحكم بينه وبين حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، دعم حكومة أقليّة من منطلق أنّ هذه فرصة ممتازة لتقويض موقع ودور حزب الشعوب الديمقراطية لاسيما بعد المعركة الأخيرة التي اندلعت بين الحكومة وبين حزب العمال الكردستاني والخلاف الذي نشأ نتيجة لذلك بين حزب العدالة وبين حزب الشعوب الديمقراطية.

لكن في المقابل، لا يمكن المراهنة أيضا على مثل هذه الحسابات على اعتبار أنّ لحزب الحركة القوميّة حساباته في الانتخابات المقبلة، فهو الحزب الوحيد تقريبا الذي لم يخسر من رصيده نتيجة عدمت خلّيه عن أي من ثوابته التي كان أعلن عنها سابقا (بعكس الحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطية)

الثاني: إنتهاء المهلة الدستورية دون التوصّل إلى إتفاق بشان تشكيل حكومة سواء إئتلافية أو أقليّة، وبالتالي قيام رئيس الجمهورية بالاستناد إلى الصلاحيات التي يخوّلها الدستور له بالتشاور مع رئيس البرلمان لإعلان إنتخابات مبكرة ستكون على الأرجح كما ذكرنا سابقا في نوفمبر.

يحاول البعض اليوم أن يلوم رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان على فشل كل من الحزبين الكبيرين في البلاد في تشكيل حكومة ائتلافية، لكنّ هذا الادعاء حقيقة لا يستقيم مع وجود حقائق دامغة حول حجم الخلاف الحقيقي بين الحزبين والذي لا يحتاج بطبيعة الحال إلى أردوغان لافشال التفاهم بينهما.

على العموم، إذا ما جرت انتخابات اليوم وفق الظروف الحالية، تشير المعطيات إلى أنّ الرابح الأكبر سيكون حزب العدالة والتنمية، والخاسر الأكبر هو حزب الشعوب الديمقراطية الكردي. هذا أمر طبيعي باعتقادي، على اعتبار أنّ الشريحة الأوسع من الاتراك باتت ترى المخاطر الحقيقية للخيارات الانتخابية الأخيرة التي أدّت إلى الموقف الحالي، وانعكاساتها السلبية على الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني والاجتماعي في البلاد وهذا سيدفع كثيرين إلى الخيار التقليدي من جديد وهو التصويت بكثافة لحزب العدالة و التنمية.

في المقال، فان حزب الشعوب الديمقراطية الكردي سيعاني كثيرا من أجل الحصول على نسبة الـ10% التي تخوله الدخول للبرلمان مجددا، ولا شك انّ كثيرين سيبتعدون عنه في المرحلة المقبلة نظرا لموقفه السلبي الذي فُسّر دعما لحزب العمال الكردستاني والذي الغى بدوره عملية السلام وعاد إلى العمليات المسلحة. هناك استقطاب حاد اليوم يمنع اي فريق داخلي من الاقتراب من حزب الشعوب الديمقراطية أضف إلى ذلك انّه من المتوقع ان يفقد شريحة المحافظين الأكراد وشريحة الذين صوتوا له من أجل عملية السلام والاستقرار بالاضافة إلى اولئك الذين دعموه من أجل اسقاط أجندة تعديل النظام السياسي إلى نظام رئاسي.

وتدعم استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا هذا الإتجاه، حيث تشير  نتائج استطلاع اجرته (ORC) حصول حزب الدالة والتنمية على 44.1% من الاصوات حال جرت الانتخابات اليوم مقابل 26.8% للحزب الجمهوري و15.6% لحزب الحركة القومية  و10.7% لحزب الشعوب الديمقراطية. وهو ما يعني تشكيل حزب العدالة والتنمية للحكومة منفردا.

أما استطلاع (MAK) فتشير نتائجه إلى حصول حزب العدالة والتنمية على 44.7% مقابل 25.3% لحزب الشعب الجمهوري و15.6% لحزب الحركة القومية و 10.7% لحزب الشعوب الديمقراطية، وهو ما سيؤدي إلى نفس النتيجة السابقة أيضا.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس