ياسين أكتاي – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

تخيلوا لو أنّ قنبلة زُرعت في إحدى شوارع تكساس، وعند مرور عربة عسكرية للجيش الأمريكي انفجرت القنبلة وأسفرت عن مقتل 8 جنود أمريكان، وبعد ذلك قام الإعلام التركي بتبرير الانفجار ومحاولة تصويره على أنه عمل مشروع، فماذا سيكون رد الولايات المتحدة الأمريكية وسياسيوها حين ذاك؟ اتوقع أن الإجابة ليست صعبة.

وتخيلوا لو قامت أبرز الوسائل الإعلامية في تركيا، بوصف تنظيم القاعدة بعد تنفيذه لهجمات 11 من سبتمبر، بأنهم "مقاتلو الحرية"، فحينها بكل تأكيد سيتم تقديم هذه الوسائل الإعلامية للمحاكمة بتهم دعم الارهاب، كوننا نعيش في دولة ديمقراطية.

ولنقارن ذلك بما تفعله وسائل إعلامية في ألمانيا وأمريكا وانجلترا، والتي تدعم الارهاب الحاصل في تركيا وتمدحه، وبرغم أنّ تلك الدول تُعتبر دولا ديمقراطية، إلا أنها لم تتخذ أي إجراءات قانونية تجاه هذه الوسائل بتهم دعم الإرهاب.

والإعلام الغربي كان قد دعم ارهاب حزب العمال الكردستاني بكل وضوح، خصوصا بعد ادعاء الأخير بأنه يُحارب تنظيم داعش، ونحن نعلم أنّ إعلام "BBC" كان قد نشر كتابات واضحة جدا تدعم حزب العمال الكردستاني حتى قبل نشر الفيلم الوثائقي الأخير الذي أنتجته نفس الوسيلة الإعلامية "BBC".

أما في ألمانيا، فإنّ أكثر الصحف انتشارا هناك، والتي تصدر بصورة يومية، عندما تريد الحديث عن حزب العمال الكردستاني تستخدم جملة "حزب العمال الكردستاني المحظور"، وهدفهم من ذلك تبييض صورة الحزب، وتلميعه، وتحسين سمعته، وهذا يعني أنّ هذه الصحيفة لا تقف ضد ارهاب الحزب، وهذا الخطاب يثبت أنّ مثل هذه الوسائل الإعلامية في ألمانيا وفي انجلترا تخفي في داخلها دعما للإرهاب، في الوقت الذي تقوم فيه بالوقوف ضد ارهاب داعش بكل ما أوتيت من قوة.

تقديم حزب ارهابي في تركيا للرأي الألماني على أنه "حزب سياسي محظور"، لا يمكن قبوله على أنه خطأ صحفي، وفي الدول الديمقراطية التي تحترم نفسها يُعد من كتب هذا متهما بدعم الارهاب وبمدحه، لكن في هذه الدول، لا يتم الاعتراض على الارهاب الذي ربما تكون نتائجه تصب في مصالحهم.

وهناك بعض الوسائل الإعلامية الغربية، تريد تبرير ما يقوم به حزب العمال الكردستاني من خلال استخدام جملة "العمليات العسكرية التي بدأتها تركيا"، وكأنّ هجوم سوروج الذي أسفر عن مقتل 33 شخصا من شبابنا، ومقتل شرطيين بعدها على يد حزب العمال الكردستاني، لم يكن –من وجهة نظرهم- سببا كافيا لتقوم تركيا بتوجيه ضربات قاسمة لحزب العمال الكردستاني ولتنظيم داعش، لكن على ما يبدو أنّ هذه العمليات التي تقودها الدولة التركية قد أزعجت البعض.

والبعض الآخر من الإعلام يتهم تركيا بدعمها لداعش، وبأنها هي من سهلت ارتكاب مجزرة سوروج من خلال دعمها لتنظيم الدولة، وبالتالي هي تبرر قتل رجلي شرطة وهما نائمين على يد حزب العمال الكردستاني، وترى بذلك أنه عمل "قانوني" ورد فعل "مشروع"، وعلى ما يبدو هذا ما يعمل عليه الإعلام الألماني، خصوصا عندما يصف حزب العمال الكردستاني بأنه "حزب سياسي محظور".

المديح الهائل والمبالغ فيه من قبل الإعلام الغربي لحزب العمال الكردستاني ازداد عندما أعلن الأخير مواجهته لتنظيم داعش، وهكذا أراد الإعلام الغربي وعلى رأسه "BBC"، "NYT" والإعلام الألماني دعم منظمة ارهابية هي حزب العمال الكردستاني في مواجهة منظمة ارهابية أخرى هي تنظيم داعش.

وهنا يتناسون الطرف الذي قام بإنهاء عملية السلام وإفشالها، أو بالأحرى لا يذكرون اسم حزب العمال الكردستاني الذي لم يتخذ أي خطوة من أجل تحقيق السلام والهدوء، وإنما تمسك بسلاحه وبأعماله الارهابية.

وهذا الإعلام يرى بأنّ الأعمال التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني أعمالا مشروعة وديمقراطية، فهو الذي يخطف العمّال، ويدمّر السدود، ويحرق الآلات، ويقطع الطرقات، ويخطف مئات الأطفال برغم أنهم أقل من 18 عاما، ويراقب المواطنين الذين لم يصوتوا لحزب الشعوب الديمقراطي ويحاسبهم، والذي أجبر الالاف منهم على ترك مدنهم وقراهم تحت التهديد، كل هذه الفاشية المماثلة لما يقوم به نظام البعث أصبح من وجهة نظر الإعلام الغربي عملا ديمقراطيا جدا، أما حقوق الإنسان فأصبحت لا تهمهم الآن.

هم يدركون هذه الحقائق بكل تفاصيلها، لكنهم يتغاضون عنها لأنهم يستخدمون "منديل" حزب العمال الكردستاني حاليا، وعندما ينتهون من تنظيف أنفسهم من خلاله، سيسحبون منديلا آخرا ويلقون بمنديل حزب العمال الكردستاني في القمامة.

لا يمكن لمنظمة ارهابية أنْ تصبح منظمة شرعية بمجرد استخدام ارهابها لمواجهة ارهاب منظمة أخرى، وإذا كان حزب العمال الكردستاني يواجه داعش، ويستخدم ارهابه أيضا ضد الدولة التركية، فحينها تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي، ولن تعير القوى العالمية الداعمة لحزب العمال الكردستاني أي اهتمام.

وبرغم أنّ الولايات المتحدة الأمريكية والإعلام التابع لها، يعطي تركيا الحق في الدفاع عن نفسها في مواجهة ارهاب داعش، إلا أنّ نفس وسائل الإعلام، تنتقد تركيا لمحاربتها ارهاب حزب العمال الكردستاني، حيث كتبت صحيفة نيويورك تايمز "NYT" في عنوان لها "الحكومة التركية تعلن الحرب على الأكراد"، وإذا أردنا مقابلة ذلك من وجهة نظرنا لننتقد فيه أمريكا فإننا سنصف الحرب التي قامت بها أمريكا في العراق وفي سوريا ضد الارهاب بأنها "حرب على الإسلام وعلى المسلمين".

الإعلام الغربي يتصرف وفق أهوائه ووفق ما يريد، دون ضابط ودون رقيب، والأهم عندهم تحقيق المصالح بغض النظر عن القوانين أو الارهاب أو غيرها، هم في الظاهر لا يدعمون الارهاب بل يقفون ضده، لكن عندما تبحث في أعماقهم ترى أنّهم كلهم يرتكزون على الأعمال الارهابية.

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس