علي حسين باكير – عربي 21

بعد إنتهاء المهلة الدستورية في 23 أغسطس الحالي، سيجتمع -كما بات معروفا- رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان مع رئيس مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان)، وسيتم الإعلان عن إعادة الانتخابات البرلمانية في الأول من نوفمبر القادم. هناك الكثير من التكهنات حول شكل المعركة الانتخابية والنتيجة التي ستنجم عنّها. 

البعض يعتقد أنّ شيئا لن يتغيّر في المعادلة، وأننا سنحصل في نهاية انتخابات الإعادة على النتيجة نفسها التي أفرزتها انتخابات 7 يونيو الماضي، فيما يرى البعض الآخر أنّ هناك فرصة حقيقية لتحقيق اختراق، والعوة بالبلاد إلى الطريق السليم الذي سمح لها بالتطور خلال العقد الماضي.

نظريا لا يمكن استبعاد أي من السيناريوهين عمليا، فإن النتائج ستعتمد على عدد من الظروف والمعطيات التي ستكون قائمة في حينه. السؤال المحوري سيكون هو: "هل يستطيع حزب العدالة والتنمية تشكيل الحكومة منفردا أم لا؟". بالنسبة إلى الحزب، فإن انتخابات الإعادة المقبلة ستكون انتخابات مصيريّة بكل ما للكلمة من معنى. فشله في تحقيق أغلبيّة تخوّله تشكيل الحكومة منفردا سيجعله تحت رحمة الأحزاب الأخرى ما يعني اضطراره إلى تقديم تنازلات أكبر، ومن موقف الضعيف، كما سيؤدي ذلك على الأرجح إلى تعديلات جوهرية وقسرية على برنامج الحزب الطموح لتركيا، وعلى الكثير من أوجه سياساته الداخلية والخارجية، وقد يدخل البلاد في حالة عدم استقرار طويلة الأمد قد تمتد إلى بضعة سنوات بانتظار الانتخابات التي تليها.

انطلاقا من هذه التصورات السلبيّة، فإن حزب العدالة والتنمية سيلعب كل أوراقه المتاحة في جولة الإعادة تفاديا لمثل هذا السيناريو السيء. وبالرغم من ذلك فإن الحكم على طبيعة النتيجة التي ستخرج بها انتخابات الإعادة في ظل الظروف الحالية يعدّ أمرا صعبا للغاية لسببين:

1) العدد الكبير من المتغيرات الداخلية والخارجية التي تجري في آن واحد، والتي يترك كل منها تأثيرها بطبيعة الحال على النتيجة المتوقعة.
  
2) سرعة التطورات الداخلية والخارجية التي لا يمكن التحكم في مجرياتها بشكل دقيق، والتي قد تنقلّب بطبيعة الحال خلال المهلة المتاحة حتى بداية الانتخابات في نوفمبر القادم. 

فإذا كانت المعطيات الحالية تشير مثلا إلى فوز حزب العدالة والتنمية بنسبة تخوله تشكيل الحكومة منفردا فيما لو جرت انتخابات الإعادة اليوم، لا شيء يضمن أنّ تكون النتيجة هي نفسها فيما لو جرت الانتخابات بعد أسبوعين أو شهر أو شهرين. لكن الأكيد في جميع الأحوال أنّ المناخ السياسي سيكون مشحونا للغاية والاستقطاب سيكون على أشدّه، الطرف الذي سيستطيع توظيف المعطيات الحالية التي سنتحدث عنها لصالحه سيكون الأكثر استفادة في الانتخابات القادمة. أمّا هذه المعطيات، فهي:

أولا: الاستقرار الاقتصادي. هناك تراجع حاليا في أداء بعض القطاعات الاقتصاديّة في البلاد جراء حالة عدم الاستقرار السياسي الناجمة عن الوضع الذي برز بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 7 يونيو الماضي، كما يمكن ملاحظة وجود هبوط سريع لسعر الليرة التركية مقابلة اليورو والدولار  إلى مستويات قياسيّة تحت ضغط الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد. هذا المُعطى أثّر ويؤثّر بشكل سلبي على وضع المواطن الاقتصادي والمعيشي. 

إذ فهمت الشريحة الأكبر من الناخبين أنّ هذا الوضع هو نتيجة للوضع الذي أفرزته الانتخابات السابقة وأنّه من الأفضل العودة إلى المعادلة التي كانت قائمة خلال السنوات الـ12 الماضية، والتي حقّقت الإنجازات والاستقرار للبلاد فقد يفيد هذا بالتأكيد حزب العدالة والتنمية، ويعزز من قدرته على الوصول إلى هدفه بشكل أكبر. 

لكن إذا فهم الناخب بشكل عكسي أنّ ما يجري اليوم هو نتيجة سياسات حزب العدالة والتنمية، وقام بتحميل المسؤولية لأفراد نافذين في السلطة بذاتهم فسيكون ذلك سيئا بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية. ولهذا السبب بالتحديد، فإن المفترة المقبلة ستشهد صراعا على تركيز  وجهات النظر، وعلى الكيفية التي يريد فيها كل طرف أن يشرح للناخبين سبب الأزمة الحالية.

ثانيا: الاستقرار الأمني. بعد سنوات من الهدوء والاستقرار الأمني ولاسيما في مناطق شرق تركيا عادت العمليات لاعسكرية من جديد، وعادت الاشتباكات بين القوات الأمنية وعناصر حزب العمال الكردستاني، وهناك قتلى من الطرفين بشكل شبه يومي.

لن يجد حزب العدالة والتنمية أي صعوبة في تبرير موقفه سيما، وأنّ حزب العمال الكردستاني هو الذي كان أعلن انتهاء عملية السلام، وتبنى بشكل علني عمليات إرهابية أدت إلى مقتل عناصر من الأمن لا يستطيع أي تركي أن يدافع عنها أو يبررها أي مواطن. لكن في المقابل، سيكون من الصعب على حزب العدالة استرجاع موقعه السابق في المناطق ذات التواجد الكردي شرق البلاد بسبب الضغوط الأمنية التي يمارسها مسلحو حزب العمال الكردستاني على الناس هناك، وبسبب حجم التعبئة القومية التي يضخها حزب الشعوب الديمقراطية أيضا.

نتيجة هذا الوضع ستؤدي على الأرجح إلى:

1) عودة بعض القوميين المحافظين لدعم حزب العدالة والتنمية نظرا لموقف الحزب الصارم في مواجهة حزب العمال الكردستاني. 

2) خسارة حزب الشعوب الديمقراطية لشريحة واسعة من فئة غير الأكراد الذين دعموه في الانتخابات الأخيرة، ويبلغ حجمها حوالي 1.5 إلى 2% من الأصوات التي حصل عليها، خاصة إذا لم يغيّر الحزب من موقفه بشكل حاد، وعلني من العمليات التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني.

تبقى شريحة الذين تقاعسوا عن التصويت من المصوتين التقليدين لحزب العدالة والتنمية؛ وهم نسبة لا يستهان بها، الهدف الأساسي للحزب في المرحلة القادمة لتغيير المعادلة، في المقابل سيسعى حزب الشعوب الديمقراطية إلى التركيز على الدعاية القوميّة والضغط الأمني والنفسي والمعنوي على الأكراد المخالفين له، وستكون هناك حوافز نفسية لمثل هذا الأمر تحت شعار إنّهم استطاعوا اختراق حاجز الـ10% وأنّهم لن يفقدوه بعد اليوم، وهذا يتطلب التصويت الكثيف لفرض سياسة الأمر الواقع على حزب العدالة والتنمية.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس