عزيز أوستل – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

عندما نقرأ كتاب "البطاقة الكردية لأمريكا" الذي كتبه المرحوم "طوران يافوز"، وكذلك كتاب "أكبر شبكات الاستخبارات في العالم؛ جهاز الاستخبارات التركي، والموساد و سي آي إيه والغلاديو" للكاتب علي كوزو، بالإضافة لكتاب "الاستخبارات السرية الإسرائيلية" للكاتب ريتشارد دياكون، ندرك أكثر سبب القلق الإسرائيلي تجاه عملية السلام والمصالحة الوطنية بين تركيا والأكراد، وفهمتُ الآن بصورة أعمق الانزعاج الإسرائيلي مِن أنّ مَن يقود هذه العملية هو رجب طيب اردوغان.

وباختصار، فإنّ إسرائيل هي التي تستخدم الكرت الكردي في الأيام الأخيرة، وقد دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام هذا الملف سواء بصورة علنية أو خفية، لكن إسرائيل كانت الداعم السري الأكبر والأعمق والمستمر له.

وهنا سأقدم لكم بعض الأدلة على ذلك:

توصلت إسرائيل إلى قناعة، بأنّ الطريقة الأسهل للسيطرة على الدول العربية والتحكم فيها، يتم من خلال زرع حروب طائفية وعرقية فيها، بدلا من مواجهتها بصورة مباشرة كما كانت تفعل في السابق، وقد شرح الكاتب الإسرائيلي بنيامين هالاهم في كتابه "ارتباطات إسرائيل- من تسلّح ولماذا؟"، عن أنّ دولة إسرائيل قد دعمت توجه الأكراد في شمال العراق للخروج عن النظام الحاكم في سنوات ما بعد خمسينيات القرن الماضي، حيث يقول:

"بدأ دعم الموساد للأكراد عام 1958، والدعم الأكبر بالسلاح كان عام 1963، وقد وصل حجم هذا الدعم إلى إرسال إسرائيل لمتخصصين عسكريين إلى جبال شمال العراق عام 1965 من أجل تدريب الانفصاليين الأكراد، وقد اجتمع رئيس الوزراء ليفي أشكول مع قادة الحراك الكردي، وطلب منهم مهاجمة النظام الحاكم في بغداد أثناء حرب 1967، وبالفعل، نفذ الأكراد ذلك، وبهذا استطاعوا إعاقة دعم الجيش العراقي للجيوش العربية الأخرى. وقد كان الموساد يقدم للأكراد مقابل ذلك بخلاف السلاح، مبلغ 500 ألف دولار، يرسلهم كل شهر للانفصاليين الأكراد".

وقد ذكر أشهر الصحفيين في ذلك الزمن، السيد جاك أندرسون الكاتب في صحيفة واشنطن بوست، في مقالة نُشرت له بتاريخ 18-09-1972، أنّ الموساد يرسل كل شهر إلى مصطفى برزاني مبلغ 50 ألف دولار من أجل استمرار الفعاليات المناهضة لنظام بغداد، وقد كتب آخرون عن علاقة برزاني بالموساد في تلك الحقبة.

وفي كتاب "تاريخ الاستخبارات الاسرائيلية السرية" للكاتب لان بلاك، الذي عمل مراسلا لسنين طويلة لصحيفة الغارديان الانجليزية، نجد شرحا مفصلا عن علاقة مصطفى برزاني بالموساد. وأيضا ما كتبه المرحوم أويغور مامجو،  في كتابه "الموساد-مصطفى برزاني" عن هذه العلاقة، وقد قُتل الكاتب بعد 17 يوم من نشره لهذا الكتاب.

لكن هل كان هدف إسرائيل من ذلك إضعاف العراق فحسب؟ كلا، وإنما الهدف هو إعطاء مصطفى برزاني وعدا بإنشاء دولة كردية في شمال العراق، وهذا الهدف لم يتغير حتى الآن، وإنما كسب أهمية إضافية بعد أزمة اردوغان-بيريز في مؤتمر دافوس.

وفي تقرير نشره أوديد ينون النائب الأسبق لوزير الخارجية الإسرائيلي، بعنوان "هدف استراتيجي بالنسبة لإسرائيل"، وقد نُشر التقرير عام 1982، يوضح فيه السياسة التي ترتكز فيها إسرائيل من أجل تحقيق أهدافها التوسعية من النيل إلى الفرات، وتلك السياسة ترتكز بالأساس –كما يشير التقرير- على زرع فتيل الفتنة والنزاع الطائفي والعرقي والديني في المنطقة، وما ذكره ينون بالنسبة لمستقبل العراق كان واضحا وصريحا ولم يخجل من ذلك، وهنا سأقتبس ما كتب بالنص:

"ستنقسم العراق بناء على أسس طائفية وعرقية، وسيكون في شمال العراق دولة للأكراد، وفي وسطه دولة للسنة، وفي جنوبه دولة شيعية".

لم تستخدم إسرائيل في الماضي الملف الكردي من أجل الوقوف في وجه بغداد فحسب، وإنما الهدف الأساسي، هو أنها تريد تأسيس دولة كردية تكون على الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا، وربما ما زال البعض يرى ذلك خيالا، لكن في الحقيقة ما صرّح به وزير الخارجية الإسرائيلي شامير عام 1983 في بروكسل كان واضحا، حينما قال بأنّ "كردستان دولة محتلة من قبل تركيا"، مضيفا:

"تقوّض الدول الاحتلالية جهود الشعب الكردي من أجل الاستقلال، ولهذا لم يحقق الشعب الكردي هدفه حتى الآن"، وقد كان يلوح في الأفق آنذاك حرب الخليج، واحتلال العراق للكويت كان سببا في توجيه حرب ضد العراق، وحينها استطاعت إسرائيل اللعب بالبطاقة الكردية بصورة أفضل!

(القسم الثاني سيكون بعنوان: فرح إسرائيل بالنوروز!)

عن الكاتب

عزيز أوستال

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس