د. وسيم بكراكي - خاص ترك برس

مع حلول مساء نهار الجمعة الواقع في 18 أيلول/ سبتمبر 2015، تقدمت الأحزاب السياسية في تركيا إلى مجلس الانتخابات بلوائح مرشحيها للدورة الإنتخابية المعجلة في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. وفي قراءة سريعة لهذه اللوائح نجد أن كلًا من حزب الشعب الجمهوري اليساري المنشأ وحزب الشعب الديموقراطي الكردي الطابع لم يقدما تغييرات حقيقية في لوائهم المقدمة بينما تميز حزب الحركة القومية ببعض المفاجآت وكان لحزب العدالة والتنمية الباع الأكبر في التغييرات والمفاجآت المتعددة. ولهذا توجهت معظم الأنظار طبعًا إلى لائحة حزب العدالة والتنمية الذي حافظ على 312 مرشحًا من لائحته للإنتخابات السابقة بينما قام بتغيير واسع في معظم المحافظات التي لم يحظ فيها بالزخم الذي اعتاد عليه في الانتخابات المتعددة سابقًا.

بالطبع كان رئيس مجلس الوزراء ورئيس حزب العدالة والتنمية الحالي أحمد داود أوغلو على رأس لائحة حزبه حيث أعلن ترشيحه عن مدينة كونيا كما جرت العادة. ولكن التغيير الملفت والأبرز كان بترشيح العديد من الأسماء ذات الزخم القوي والتي كان من المفترض استبعادها عن الانتخابات الحالية بسبب قانون الحزب الداخلي الذي يمنع الترشح لأكثر من ثلاث دورات متتالية وهو الأمر الذي تم إيقاف العمل به مؤقتًا لهذه الدورة الانتخابية تحديدًا في المؤتمر التأسيسي الخامس للحزب. وهكذا تم إعادة ترشيح 24 شخصية ممن ينطبق عليهم هذا القانون كان من أهمهم نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عن الشؤون الإقتصادية علي باباجان الذي لاقى ترشحه اليوم صخبًا كبيراً في مختلف وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة بل وكان لهذا الترشح أثر على البورصة التركية وسعر صرف الدولار الذي تحرك إيجابيًا ترحيبًا بهذا الترشيح. من الأسماء اللافتة أيضًا كان جميل تشيشك أحد أهم أركان الحزب، وإيرتان أيدن وجاهد أرسلان. كما أعيد ترشيح بشير أتالاي ووزير الصحة السابق رجب أكداغ وعمر تشيليك وبن علي يلديريم وغيرها من الأسماء ذات الصخب القوي في الشارع ولها باع كبير في السياسة والحكم.

إضافة لهذه الأسماء المهمة برز بشكل كبير ترشيح توغرول توركيش نائب رئيس الوزراء التركي الحالي في حكومة الإنتخابات المؤقتة وهو الإسم الذي تم فصله أخيرًا من حزب الحركة القومية بسبب قبوله المشاركة في هذه الحكومة تحديدًا مخالفًا رأي رئيس الحزب في هذا الصدد. شخصية توغرول توركيش هي من أهم الشخصيات في حزب الحركة القومية وبل هو من الأسماء التي كانت تنافس دائمًا رئيس حزبها على قيادة الحزب لما يتمتع به هذا الشخص من محبة لدى أفراد ومؤيدي الحزب بكونه ابن مؤسسه الراحل ألب أرسلان توركيش. وهو ما يجعل منه الوريث المعنوي لهذا الحزب.

من الملفت أيضًا اعتماد حزب العدالة والتنمية ترشيح الشخصيات الكردية البارزة بقوتها قبليًا في المناطق الكردية التي خسر فيها هذا الحزب زخمه السابق في محاولة لتحسين نسبة منتخبيه في الإنتخابات القادمة.

ومن الملفت أيضًا ترشيح الحزب لوزير الداخلية السابق إيفكان آلا الذي اشتهر بقربه من الرئيس رجب طيب أردوغان حيث كان مستشارًا له لفترة طويلة خلال رئاسته للوزارة التركية.

إضافة لهذه الأسماء يستطيع المتابع أن بلحظ ترشيح العديد من الأسماء القوية في مدن حساسة كترشيح بشير أتالاي على رأس لائحة مدينة فان، وهو أحد أهم القادة الذين أشرفوا شخصيًا على عملية السلام مع الشارع الكردي طيلة الأعوام الماضية. علمًا أن مدينة فان شكلت خيبة أمل لحزب العدالة والتنمية في الإنتخابات السابقة حيث لم يحصل فيها حزب العدالة والتنمية إلا على مقعد واحد بينما ذهبت المقاعد السبع الباقية لصالح حزب الشعب الديموقراطي الكردي.

كما برز ترشيح وزير الصحة السابق رجب أكداغ عن مدينة أرض روم في تحد أخر في هذه المنطقة الانتخابية الحرجة أيضًا.

من الأسماء الملفتة أيضًا في قائمة مرشحي حزب العدالة والتنمية نجد أيضًا اسم اسماعيل كاهرامان الذي تميز بكونه الوزير السابق في حكومة المرحوم البروفسور نجم الدين أربكان، وهو الاسم نفسه الذي تم انتخابه في مجلس أمناء الحزب في مؤتمره التأسيسي الخامس قبل بضعة أيام. ترشيح هذا الاسم في هذه المرحلة الإنتخابية هو طبعًا دغدغة لمؤيدي حزب السعادة الذي هو آخر أحزاب المللي غوروش، أي الحركة الإسلامية، بشكله التقليدي. ومن الجدير ذكره أن هذه المرحلة شهدت حديثًا مكثفًا عن نوع من الاتفاق مع حزب السعادة ولكنه أمر ما زال مجرد أحاديث لم يؤكد أي شيء منها بشكل رسمي حتى الساعة.

وكنقطة أخيرة، كان لقائمة حزب العدالة والتنمية جانب آخر هو غياب العديد من الأسماء التي طبعت بذاكرة الحزب نذكر منها بشكل خاص بولنت أرنتش، أحد مؤسسي الحزب الثلاثة مع رجب طيب أردوغان وعبد الله غُل. وهو أيضًا أول رئيس للبرلمان عن حزب العدالة والتنمية ومن بعدها حتى آخر وزارة فعلية للحزب شغل منصب نائب رئيس الوزراء والمتحدث الأكثر جرأة وجدلًا في هذا الحزب.

غياب أرنتش عن الساحة السياسية اليوم هو أمر عبر عنه بنفسه بقوله أنه يؤمن بروح التجديد وأنه كان أول المدافعين عن قانون الدورات الثلاثة ولهذا فإنه يجد من المعيب بحقه أن يخرق هذا القانون بنفسه إيمانًا منه أيضًا بأن الأحزاب السياسية بحاجة لدماء جديدة تضخ بها الحياة والحماسة من جديد.

وإن أردنا أن نعرج على لائحة حزب الحركة القومية فأن الأمر الأكثر جدلًا هو استبعاد اسم ميرال أكتشينير السيدة التي طرح اسمها بشدة كمرشحة للحزب لرئاسة المجلس النيابي وهو الأمر الذي رفضه دولت بهتشلي رئيس الحزب بشدة لما هو حاصل بينهما من توتر لفت معظم المتابعين.

الخسارة الثانية لحزب الحركة القومية هو بالطبع اسم توغرول توركيش الذي ذكرناه في معرض حديثنا عن حزب العدالة والتنمية.

ولعلي في حديثي عن لائحة مرشحي حزب الحركة القومية سأكتفي بما لفت نظري بكون مرشحي هذا الحزب في المدن الكبرى كإسطنبول وأنقرة وإزمير بكونهم أطباء ومهندسين ورجال أعمال وأكاديميين بينما نجد مرشحيه في  مدينة بتليس وديار بكر وشنلي أورفه وبتمان وشيرناك بينهم السائق والمتقاعد وعامل التصليح وربات المنازل وهو الأمر الذي يشير بقوة إلى ضعف كادر هذا الحزب في هذه المدن.

عن الكاتب

د. وسيم بكراكي

كاتب لبناني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس