جلال سلمي - خاص ترك برس

تُعتبر الثقافة هي العنصر المحدد لمميزات وخصائص مجتمع ما، وتختلف الثقاقة بحسب المجتمعات وذلك لأنها عبارة عن إرث تاريخي تشكل من خلال دين ولغة وعادات وتقاليد وقيم المجتمعات التي تعتبر جميعها عناصر مُشكلة للثقافة، ومثال على ذلك الثقافة الشرقية المُشكلة بناء على الدين الإسلامي واللغة العربية وأدابها والعادات والتقاليد والقيم النابعة من فحو البيئة والطبيعة والتاريخ الذين لعبوا دورًا كبيرًا في جعلها ثقافة تقارب وتسامح وكرم.

وعلى النقيض من الثقافة الشرقية يوجد الثقافة الغربية المُشكلة بناءًا على الخلاف الديني واختلاف اللغات والعادات والتقاليد التناحرية والتوسعية الأمر الذي جلعها ثقافة تعتمد على الرأسمالية والمصالح الشخصية قبل كل شيء، ويرى الكثير من علماء الاجتماع بأن الثقافة التركية هي عبارة عن خليط ممزوج من الثقافتين حيث يوجد في المجتمع التركي القريب على الشرق شكليًا وروحيًا صفات عديدة من صفات الثقافة الشرقية، وتُشكل هذه الفئة مانسبته 70% من المجتمع التركي، وأما على الصعيد الآخر يوجد ثلة قليلة قريبة على المجتمع الغربي وثقافته؛ حسب مايبينه موقع "بو ندير" الثقافي التركي.

وتشكل الشخصيات الفكاهية أحد العناصر المهمة في الثقافة وتختلف هذه الشخصيات وتتشكل بشكل مختلف من مجتمع لأخر، ويتم استخدام هذه الشخصيات بالعادة إما بهدف الفكاهة البحت أو بهدف الفكاهة واستخراج العبر الدلائل معًا، وبما يخص المجتمع التركي فإنه صاحب لشخصيتين فكاهيتين شديدتا الشهرة في تركيا، ويمكن التعريف بهاتين الشخصيتين بالشكل التالي:

ـ نصر الدين هوجا أو خوجا، كما يعرف بالعربية: وُلد نصر الدين هوجا في زمن الدولة السلوجقية عام 1208 في بلدة "أق شاهير" التابعة لمدينة قونيا التركية وعاش حياته في ظل الدولة السلجوقية ومن ثم أوائل الدولة العثمانية إلا أنه توفي عام 1284.

عُرفت عن نصر الدين هوجا رواياته وقصصه المُضحكة والحكيمة في نفس الوقت، ويعرفه الرحالة التركي "أولياء شلبي" بأنه رجل دين حكيم وتقي، اشتُهِر في أوائل عهد الدولة العثمانية وعُرف بذكائه وكرامته وفلسفته وتقواه وجوابه الجاهز دومًا، ويبين أولياء شلبي أن "نصر الدين خوجا كان يستعمل الفكاهة البحتة غير المحتوية على العبر وقت سقوطه في أمر محرج أو غير مناسب ومن الأمثلة على ذلك أنه عندما سقط عن ظهر حماره قال كنت أتعلم القفز ولم أسقط كما تظنون".

ما زالت شخصية نصرالدين هوجا الفكاهية والفلسفية الحكية إلى يومنا الحالي حية بكافة جوانبها وقصصها التي تناقلاتها الأجيال في بلاد الأناضول لتصل بها إلى يومنا الحالي، وكما هو الحال في السابق ما زال الشعب التركي إلى اليوم يستخدم قصص وحكايا وطرائف نصر الدين هوجا من أجل الفكاهة وتوضيح بعض العبر.

ويُقال بأن نصر الدين هوجا شخصية عالمية يذكرها الفرس باسم "مولا نصر الدين" ويذكرها العرب باسم "جحا" ويذكرها الإيطاليون وخاصة سكان جزيرة صقلية، التي زارها نصر الدين هوجا وأقام بها فترة وجيزة، باسم "جيوفا" أي "مُعلم"، ولتسطير شخصية نصرالدين هوجا العالمية بشكل رسمي أعلنت اليونسكو عام 1996 ـ 1997 عام نصرالدين هوجا الدولي.

ومن الطرائف الفكاهية وذات الحكمة عن نصرالدين هوجا أنه "في أحد الأيام رأى وليمة كبيرة في أحد البيوت فلم يستطِع تحمل روائح اللحوم والأرز القادمة من مكان الوليمة واستسلم لشهوته الطعامية وذهب إلى المكان، وعند بوابة المكان رآه الحارس غير لائق للدخول فأرجعه وعندما سأل نصرالدين هوجا عن السبب أعلمه الرجل بأن منظره غير لائق، ففكر نصر الدين هوجا بحل مناسب وذهب إلى البيت وارتدى معطف غالي الثمن باهر المنظر وأتى إلى مكان الوليمة وعندما رآه الحارس والخدم رحبوا به بحفاوة واحترام كبيرين، وعندما دخل نصر الدين هوجا مكان الوليمة وجلس على مائدة الطعام بدأ يدلو بالطعام على معطفه ويقول كل هيا كل! استغرب الجالسون وسألوا نصرالدين هوجا عن السبب فقال لهم أنتم لم تستقبلوني واستقبلتم هذا المعطف فليأكل المعطف". بعد هذه القصة عرفه صاحب الوليمة واعتذر منه وبرر الأمر بعدم معرفة الحارس له، وهنا استخراج لعبرة احترام الناس للشكل وليس الشخص.

ـ تامال: على العكس من نصر الدين هوجا، تامال هو مجرد شخصية وهمية تُستخدم من أجل الفكاهة فقط، وتُعتبر شخصية تامال من إقليم البحر الأسود الذي يتميز بلهجة تميل إلى الفكاهة ويتميز أهله أيضا ًبالفكاهة والمزاح.

ويعتمد المواطنون الأتراك على استعمال طرائف تامال بشكل أكبر من طرائف نصر الدين هوجا في حال كان الهدف من الطرفة المزاح فقط، ومن الطرائف التي تُذكر عن تامال؛ "أنه في أحد الأيام كان تامال وصديقه يسيرون في الطريق وفجأة رأوا حريقًا في مدرسة ابتدائية، أسرع تامال وصديقه لإنقاذ الأطفال في المدرسة وقال لصديقه اصعد وألقي لي الأطفال وأنا سأمسك بهم. ألقى صديق تامال الطفل الإنجليزي فأمسكه تامال وأنقذه وألقى الطفل الفرنسي فأمسكه تامال وأنقذه ومن ثم ألقى طفلًا زنجيًا أسمر فلم يمسكه تامال ومرة أخرى ألقى طفل زنجي أسمر فلم يمسكه تامال فغضب تامال وقال لصديقه "أيها الغبي لا تلقي الأطفال المحروقين حتى لا نضيع الوقت".

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!