أحمد تاشكاتيران - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

"لا أملك ذهبا، لكن أملك محبتي، فهل تقبلون ذلك؟" كانت هذه كلمات فتاة شابة جاءت إلى منصة أردوغان قبيل إلقاء خطابه الذي استمر ساعة وأربعين دقيقة.

المتحدث الأول للمؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية كان اردوغان، الذي بدأ حديثه واصفا حزبه بـ"عشقي، حبي، كفاحي، ابني الخامس" ومودعا إياه، لكنه مجددا قال: "لا نترك" الحزب، جاء ذلك خلال أجواء عاطفية.

من الواضح أن الأمور ستتداخل عند البعض الذي يعتقد أن حزب العدالة والتنمية مرتبط بشخص أردوغان، لكن الأخير لم يربط القضية التي يحملها بما كان قبل 13 عاما، ولا قبل 100 عام، لذا كان من الواضح أن أردوغان لن يستطيع أن ينفصل عن "حماسته للقضية" التي انطلقت مع أول إنسان على وجه الأرض حسب تعبيره.

إذا كان قلبكم مرتبط بالقضية وفي وداع كهذا، عليكم الإشارة إلى أنكم ما زلتم على نفس الطريق الذي انطلقتم منه، وأنكم مستمرون بالكفاح لرسم طريق الغد.

مما لا شك فيه أن القضية لا تقوم بالأشخاص، لكنها تسير على أكتاف الناس. لهذا فإن هذه الأمانة-القضية- يجب أن لا توصف بوديعة، وإنما يجب تسليمها لشخص يستطيع حملها ويعطيها حقها. وهذا ما عبّر عنه اردوغان لذلك اختار داود أوغلو لأنه يرى فيه الشخص المناسب لحمل هذه الرؤية والمهمة.

وسيتم توضيح العلاقة مع الحكومة من خلال الجمل التالية:

"وظيفتي ليست قطع الطريق أمام الحكومة، بل فتح الطريق أمامها".

قال ذلك بلسان شخص :"عاش آلام قطع الطريق أمامه". ومجددا قال بعض الجمل التي يجب ان نضع تحتها خط بخصوص "الأسماء والقضية" حينما ذكر أن :

"لا يوجد أي أهمية للأسماء، الأسماء فانية، والقضية باقية".

"هذه القضية لا تتشرّف بمنسوبيها، بل منسوبيها يتشرفون بالدفاع عنها".

"الذين يقولون أنه بغيابي ستغيب القضية خسروا منذ البداية. من يقول أن الأمر لا يتم إلا بوجودي وقعوا في فخ الكبر".

"هذه القضية لم تكن يوما ما قضية كرسي أو منصب".

"لا نقول أنه لا يوجد مرشحي كلام فقط، يوجد. أولائك لن يتذكرهم أحد".

ما معنى الشيء الذي لم نفتأ نكرره كل حين وهو "القضية،القضية"؟

أردوغان يُعرّف القضية بقوله :" قضيتنا لا تختلف عن قضية تركيا" مضيفا "يوم جديد" ليشكل "يوم ميلاد تركيا الجديدة". وحديثه الذي تكلم به في المؤتمر يحتوي جملا ستتكرر كثيرا في المستقبل:"انتهت في تركيا مرحلة "رغما عن الشعب". تركيا تدار فقط بالأغلبية. لا يوجد في تركيا مواطن مقبول وآخر مرفوض. تركيا الجديدة تدار فقط بالديمقراطية. يعيش في هذه الدولة شعب رشيد". ويختم حديثه هذا بقوله :" أمد يدي لمصافحة 77 مليون إنسان".

في داخله عتاب مخفي أظهره قوله: "نقول لقسم من مجتمعنا نحن نفهمكم، لكن افهمونا أنتم أيضا، نحن فتحنا لكم صدورنا، افتحوا صدوركم لنا. دعونا نفتح صفحة جديدة". خلف هذه الكلمات جراح وآلام عميقة خلّفها الاستبعاد والإقصاء الذي عاشته تركيا في الماضي.

ربما تعتبر أهم رؤية ومَهمة سلمها أردوغان لخليفته هي "مكافحة التنظيم الموازي". استطيع قراءة انعكاسات شعور اردوغان بأن التنظيم الموازي قد طعنه بظهره.

وكانت نغمة خطابه واضحة: "المكافحة هي إحدى مهماتي في القصر الجمهوري لأنها ديْن في رقبتي". وأرسل اردوغان رسالة ثانية لداود أوغلو حينما قال :" قيادة حزب العدالة والتنمية للفوز في انتخابات 2015 ثم 2019 ثم في 2023".

لا شك أن خلف داود أوغلو سيكون دعم أردوغان القوي. أردوغان أوضح أمس ثبوت وجوده في القضايا السياسية الساخنة. لكن هل سيستمر هذا الحديث بهذه الطريقة؟ أم سيودّع حزب العدالة والتنمية ويترك المهام كلها للعناصر الجديدة التي ستملئ الفراغ؟ سنتعرف على ذلك مع الزمن. لكن أنا أتوقع أن اردوغان سيُطوّر حديثه باستخدام "لغة جمهورية" في المرحلة المقبلة.

داود أوغلو:

نرى فيه شخصية جاهزة لحمل العلم والسير به إلى الأمام. شخصية تُعرّف بدقة "مسيرة تركيا الجديدة". الشخصية التي رسمت لنفسها الخطوط التي أكّد عليها اردوغان ليقود حزب العدالة والتنمية ضمن خارطة طريق توصل إلى الغايات والأهداف. حدّد نجاحه بتسعة نقاط يثق أنه سيحققها، منها المحافظة على الوحدة الاجتماعية والثقافية، وإصلاح القضاء والعدالة، وإصلاح الحضارة والمدنية، إنشاء الاقتصاد وإحيائه وجعل أنقرة مركز السياسة التركية الخارجية. وتحت هذه العناوين يوجد العديد من التفصيلات سأتحدث عنها في الأيام القادمة.

آخر ما سنقتبسه من داود أوغلو هو قوله: "الأمانة التي سأتسلمها، هي ميراثنا التاريخي".

وأخيرا سأسجل هنا أن داود أوغلو أهدى أردوغان في بداية المؤتمر لوحة خطية كُتب فيها: "لا غالب إلا الله".

عن الكاتب

أحمد تاشكاتيران

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!