مصطفى كارت أوغلو - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

لا يُمثل الأسد سوريا والنظام السوري فقط بل يمثل روسيا والاتحاد السوفيتي سابقا، كما ويعتبر جزء من دولة المذهب الشيعي والايدولوجيا الإيرانية، كما وتمثل الساحة السورية اليوم ميدان القتال القديم الجديد ضد الإمبراطورية العثمانية والصراع بين الغرب والاتحاد السوفيتي، أما الفرق البارز في معركة اليوم هو قتال إيران إلى جانب روسيا، والنتيجة الحتمية كانت وما تزال واحدة؛ وهي تتمثل بالمغدورين والمقتولين والمُهدمة بيوتهم من الشعب السوري، فالقوى العظمى اليوم تحارب في ميادين السياسية والعسكرة والدبلوماسية.

وفي خضم كل هذا نرى الغرب وهو يسترد أماناته من مديونيه ويعيد إدارة حساباته الصغيرة في المنطقة، وتفضل تركيا أن تبقى بعيدة ولا تحترق بنيران الشرق الأوسط الملتهب سواء كان ذلك من سوريا أو غيرها، لكنها لم تنجح في هذا؛ لأن الذين يُشعلون تلك النيران يقذفونها في كل الأنحاء؛ ليوسعوا دائرة الحرق، فهذا ما يفعله نظام البعث السوري، كما يفعل ذلك أيضا النظام الغربي والنظام السوفيتي؛ الذين يسعون لجعل تركيا ميدان معركة يجددون فيها صراعهم، فهم أرادوا إشعال تركيا بنيران حزب العمال الكردستاني صاحب الأصول السوفيتية والدعم البعثي، فتركيا كانت جاهزة للاشتعال بوجود الأزمة الكردية فيها.

لم تنتشر دعوى الثورة في غرب البلاد ووسطها وشمالها لكن شرق جنوبها كان كالعشب الجاف الجاهز للاحتراق، وإلى يومنا هذا ما تزال تلك النيران تتشبث بها، وفي مواجهة كل تلك الجهود كانت تركيا في موعد مع تغيير جذري لكل ما كانت تعرفه لتحاول ولأول مرة إطفاء النيران في أراضيها ومن حولها بدل مشاهدتها وهي تلتهم الأخضر واليابس، بينما نرى الغرب وروسيا وإيران وهم على عهدهم لم يبدّلوا ولم يغيروا يسعون إلى إشعال الحروب في بلاد الآخرين لينشروا القتل والتقتيل والهدم والتهديم؛ ولهذا لا تعتبر حرب سوريا حربا أهلية بل هي حرب عالمية.

كما ونرى تركيا تحاول إمساك خيوط المؤامرة ولا تحارب حزب العمال الكردستاني داخل سوريا بشكل منفصل عن إبعاد الصورة الكبيرة، فلقد سعت تركيا منذ البداية في إقناع الأسد بالحلول الديمقراطية، وفي المقابل سعت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وروسيا وإيران في دعم "تخليص الحقوق بالثورة المسلحة" لتسقط بهذا حبال القضية بأيديهم، وزيادة على ذلك جعل حزب العمال الكردستاني من نفسه أهم حبل بين حبل الصراع بعدائه لذاته. كما وتسعى القوى العظمى الى حماية أراضيها ورعاياها عبر تنفيذ حروبها في أراضي غيرها وبدماء أناس اخرين، وفي هذا نرى أن تركيا لا تدعو لشيء جديد، فكل ما تدعوا إليه هو وقف حرب الوكالة ونقلها إلى أراضي مفتعليها إذا كانوا مصرين عليها.

لا تريد الولايات المتحدة الأمريكية دول ديمقراطية محيطة بدولة إسرائيل الإرهابية؛ لأن ذلك سيضر بالأخير، فتسعى إلى الإبقاء على داعش في مستوى يمكن السيطرة عليه، فبدل قتاله بجيشها نراها تستعيض بجنود مرتزقة ومليشيات كوحدات حماية الشعب الكردي والمليشيات الشيعية المرتبطة بإيران، كما ونرى الفرحة التي تغمر أوروبا وروسيا من خروج الأصوليين إلى سوريا وموتهم هناك، ولهذا ما نزال نسمع بانضمام الكثيرين والتحاقهم بداعش دون أخبار تلك الدول تركيا بهم. ومن أجل أن تستطيع تركيا العيش بسلام يجب عليها قطع دابر كل خيوط الإرهاب التي تمتد من وعبر شعبها، ولا عزاء على تلك الخيوط الدقيقة التي لا تستطيع رؤيتها؛ فلا عزاء على عقول عُلّبت مسبقا.

عن الكاتب

مصطفى كارت أوغلو

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس