فاطمة أوزكان - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

ماذا يريد حزب العمال الكردستاني الذي يغتصب حقوق الشعب الكردي وطلباته وإرادته؟ ماذا يعني أنْ يسفك الدماء ليعلن حكما ذاتيا؟ وباسم أي دول يمارس حزب العمال الكردستاني الأعمال الإرهابية؟ وكيف ستخرج تركيا من هذا الفخ الدموي؟ تحدثنا حول هذه الأسئلة مع نائب حزب العدالة والتنمية عن محافظة ماردين السيد أورهان مير أوغلو الذي يعتبر من الأسماء المتابعة للحراك الكردي عن قرب.

وقد تنقل السيد "أورهان" بين العديد من الأحزاب السياسية منذ عام 1990 وحتى 2007، وتعرض للسجن في سجن ديار بكر لمدة 6 سنوات ونصف، وتعرض لمحاولة اغتيال في السابق وخرج منها مصابا بجروح بليغة، وقد هدده حزب العمال الكردستاني في العديد من المناسبات، ولديه الكثير من المؤلفات من ضمنها كتاب "دفن الأسلحة".

- من المعروف أنّ هناك العديد من التعقيدات في عملية السلام، ونعلم أيضا أنّ حزب العمال الكردستاني لم يلتزم بعهوده، ونفذ صبر الدولة والشعب على تصرفاتهم، لكن لماذا أعلن حزب العمال الكردستاني بتاريخ 11 تموز/ يوليو إنهاء وقف إطلاق النار وبدء "الحرب الثورية الشعبية" في 14 تموز/ يوليو؟

- هناك عدة أسباب لذلك، لكن السبب الأهم، هو النتيجة التي حصل عليها حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات حزيران/ يونيو، 80 مقعد، وأصوات أكثر من 6 مليون ناخب. وكانت هذه النتيجة بمثابة الانطلاق نحو طريق الحل الديمقراطي، وقد دخل هذا الطريق أسماء تذكرنا بتسعينيات القرن الماضي، مثل "ليلى زانا"، وكذلك حفيدة أوجلان "دليك أوجلان"، وبرغم دخول هؤلاء تحت قبة البرلمان، إلا أنّ الشباب الأكراد ما يزالون في الجبال.

لا يوجد تناقض أكبر من ذلك، فإذا كان الطريق الذي سلكته كلا من "ليلى زانا" و"دليك أوجلان" صحيحا، لماذا بقي الشباب الكردي في الجبال؟ ولماذا ما زالوا يُقتلون ويَقتلون؟ أما إذا كان طريق هذا الشباب الكردي في الجبال هو الصحيح، فما هو شغل النواب آنفي الذكر في مجلس الأمة؟

طريق حزب الشعوب الديمقراطي نحو البرلمان، لم يكن طريقا عنصريا، ولو استخدمه واستمر في الدخول وسط معمعة الوسط السياسي التركي لازداد قوة، لكن هذا ما لا يريدونه، ولا يريدون التخلي عن البرلمان أيضا، وبرغم أنّ حزب الشعوب الديمقراطي دخل الانتخابات وهو يلوّح بأنه حزب سياسي لكل تركيا بمختلف فئات شعبها، وفي نفس الوقت كان يقول لن نجعل أردوغان رئيسا، وابتعدوا عن أرضية عملية السلام، وضحوا بذلك بأوجلان، وكسبوا دعم معارضي أردوغان والعدالة والتنمية.

كانت مجرد مناورة من حزب الشعوب الديمقراطي لمصلحة حزب العمال الكردستاني

- تقصدون أنّ إعلان حزب الشعوب الديمقراطي بأنه حزب لكل تركيا لم يكن صادقا؟

- نعم لم يكن صادقا، وإنما هو مجرد شعار من الشعارات، فما حصل هو مناورة سياسية من قبل حزب العمال الكردستاني، حيث كان يريد الدخول أكثر وسط المجتمع التركي وتوسيع إطاره ليشمل جزءا من الوسط التركي، واستخدم قاعدة العرض والطلب بالضبط.

ونسقوا الأمر مع صلاح الدين دميرطاش، ونقلوا الشباب نحو الجبل وبقوا ينتظرون هناك، وحاولوا نقل أجواء جبل قنديل إلى وسط إسطنبول، وللأسف تجاوب معهم العديد من الأوساط التركية. أنا أعيش في تركيا منذ 60 عاما، وأتابع عن كثب الملف الكردي والحراك الكردي، لكن طوال السنين التي مضت لم أرَ تعاطفا وتعاونا من المثقفين والإعلام التركي مع حزب العمال الكردستاني بالحجم الذي نراه اليوم، والأمثلة على ذلك كثيرة، من الكتاب في الصحف كـ"دروان كالكان" و"إمره كونغار"، والمثقفين الكماليين، والأكاديميين من جامعة "بوغازتشي" وغيرهم الكثير من الذين تلوثت أفكارهم ومبادئهم.

الكماليون يعقدون آمالهم على حزب العمال الكردستاني

- هل ما تريدون قوله هو أنّ المعارضة بحاجة حزب العمال الكردستاني وليست بحاجة حزب الشعوب الديمقراطي؟

- بالضبط الأمر كذلك، هؤلاء بحاجة إلى حزب العمال الكردستاني وليس لحزب الشعوب الديمقراطي من أجل "إزالة العدالة والتنمية وتنحية اردوغان من الساحة"، لأنّ حزب الشعوب الديمقراطي هو مجرد أداة تكتيكية بالنسبة إليهم، ودخول الأخير لقبة البرلمان بهذا العدد الهائل والكبير جعل أهداف اولئك في خطر حقيقي، ولهذا لجؤوا لحزب العمال الكردستاني، لأنّ أهم ميزة تميزه، والتي جعلته الأداة المفضلة للعديد من القوى الخارجية، هو أنه يستطيع استخدام السلاح متى أراد، ويستطيع التأثير على الوسط السياسي والدخول في السياسة التركية متى أراد ذلك، ولهذا لم يسمحوا بحدوث انقسامات داخل حزب العمال الكردستاني منذ تأسيسه وحتى الآن، وقام الغرب والإيرانيون بعمليات دموية مخيفة من أجل المحافظة على وحدة الحزب، وهذا سبب الإعدامات الداخلية التي كانت تحصل في تركيا وفي أربيل.

وكما أنهم لا يريدون لحزب العمال الكردستاني أن ينقسم، وقاموا بعمليات كبيرة من أجل ذلك، لا يريدون اليوم لحزب الشعوب الديمقراطي أن يدخل البرلمان بقوة، ويكون صاحب كلمة سياسية.

حزب العمال الكردستاني يخاف من السلام

- ألا يوجد أسباب أخرى لعودة حزب العمال الكردستاني لاستخدام السلاح؟

-  بكل تأكيد هناك أسباب أخرى، ومن أهمها هو تذكير أعضاء الحزب بماهية حزب العمال الكردستاني الحقيقية، لأن هذه المنظمة تخاف من المستقبل، وتحارب وتقاتل بسبب خوفها هذا، ومثل هذه المنظمات التي تولد وتكبر في دولة ما، ثم تجد نفسها عرضة الاضمحلال في المستقبل، لا يتبقى حينها امامهم خيارا آخر سوى الحرب.

ولهذا فإنّ حزب العمال الكردستاني لا يبحث عن مستقبل له في تركيا بعد الآن، وإنما يبحث عن مستقبل له في سوريا والعراق، لكنهم في نفس الوقت يبتعدون كثيرا في خيالاتهم ويعتقدون أنهم سيديرون المحافظات التركية الحدودية مثلما يديرون "كردستان السورية"، ولو أنّ الحزب يحلم بمستقبل له في تركيا، أو أخذ وعودا بالحصول على جزء من الحُكم في المحافظات الجنوبية، لجرب طرقا أخرى، منها العودة لحزب الشعوب الديمقراطي، ولما حارب على الإطلاق، لكن الحزب لا يؤمن بالطرق الديمقراطية، ولا يستطيع التكيّف معها، ولذلك شعر نفسه في خطر حقيقي، ومستقبله قد انتهى.

يقاتل حزب العمال الكردستاني من أجل الأسد وإيران

- عندما نريد معرفة حقيقة سبب قتال حزب العمال الكردستاني، ننظر إلى العوامل الداخلية والخارجية، وتابعنا ذلك عن كثب، ولاحظنا أنّ الحزب يقاتل لأكثر من جهة ويغير ذلك باستمرار، هل تستطيعون شرح العلاقات الحالية لحزب العمال الكردستاني ويحارب لمصلحة مَن؟

- اليوم يأتي على رأس هؤلاء إيران وسوريا، وتذكروا من أنهى مفاوضات أوسلو، ومن أعلن مؤخرا بدء "الحرب الشعبية الثورية"، لكن ما هي استراتيجية هذه الحرب الحقيقية؟ هدف هذه الحرب هي تكوين تحالف "شيعي-كردي" وتدعيمه، وتستطيعون تسميته اتفاق بين حزب العمال الكردستاني والشيعة.

وحسب وجهة نظرهم، يعتقدون أنّ الشيعة هم القوة الصاعدة في الشرق الأوسط، ولهذا كان على الأحزاب الكردية التحالف معهم، وحزب العمال الكردستاني كان ينظر لجلال طالباني بأنه جزء من هذا التحالف، ولهذا تصالح حزب العمال الكردستاني مع الأسد بوساطة طالباني، وبموجب ذلك سيسلم الأسد "كردستان السورية" لحزب الاتحاد الديمقراطي، وفي مقابل ذلك يستمر حزب العمال الكردستاني بشن الهجمات ضد تركيا وإجبار العرب في المناطق الحدودية على الهجرة، وبذلك أصبح الحزب مدانا للكثير من الجهات والقوى الخارجية، وهو بحاجة لأربعين عاما لتنفيذ المهام الموكلة إليه، سواء من الأوروبيين أو الإيرانيين أو الأسد أو أمريكا أو إسرائيل وغيرها من القوى التي تحالف واتفق معها العمال الكردستاني.

وبكل أسف يسعى حزب العمال الكردستاني لدفع فواتيره المستحقة لهذه القوة من خلال سفك المزيد من دماء الشباب الأكراد، ولهذا أصبحت الحرب الحالية ليست حرب حزب العمال الكردستاني، وإنما حرب الأسد وإيران، ويقولون "نحن من يقرر متى وكيف نترك السلاح وليس حزب الشعوب الديمقراطي وأوجلان"، وهذا الكلام عار عن الصحة، لأنّ مثل هذه القرار لن يستطيع حزب العمال الكردستاني أخذه لوحده بعد الآن، لأنّه لو قرر تحقيق عملية السلام وترك السلاح سيتم سحقه وإنهاء تواجده في سوريا وفي قنديل من قبل القوى المتفق معها.

إعلان الحُكم الذاتي هو إعلان لفشل ذريع

- ما هو المقابل الذي جعل حزب العمال الكردستاني يعود للسلاح مجددا، ماذا سيقدم له القوى الخارجية المتحكمة فيه؟

- لن يكسب حزب العمال الكردستاني أي شيء، وخصوصا على صعيد التصويت في الانتخابات، ومجرد إعلان الحزب عن "حرب شعبية ثورية" لا يعني أنه يحصل على دعم الشعب الكردي في تلك المحافظة، بالعكس تماما، هو يفتقد لدعم الناس له، والدليل أنّ الأكراد هناك عندما يجدون الفرصة سانحة يهاجرون من تلك المناطق، ولذلك فإنّ إعلانهم عن حُكم ذاتي ديمقراطي هو دليل على فشلهم الذريع.

اليوم هناك العديد من الأطراف تشعر بسعادة بالغة لأنّهم يرون ابتعاد تركيا والأكراد عن تحقيق "تحالف تركي كردي" على أرضية السلام والإخوة، ولذلك فإنّ هذه الأطراف سعيدة بمشهد عشرات الجنائز التي تخرج خصوصا ونحو نقترب من انتخابات قادمة، وأصحاب هذه التوابيت هم شباب تركي وكردي ونساء أتراك وأكراد. هذه المشاهد تسعد مَن برأيكم؟ أعداء تركيا التاريخيين، تسعد اولئك الذين يسعون لتمزيق تركيا، ويرون بأنّ أرض الأناضول كبيرة على دولة مثل تركيا، ويمكننا الابتعاد أكثر وقراءة التاريخ عام 1514.

أفسدوا شبابهم بسبب الحراك السياسي الكردي

- ربما يسعى قادة جبل قنديل لكسب المزيد من المال من خلال تجارة السلاح والمخدرات، غير مبالين بمقتل الشباب الكردي، لكن في الوقت الذي فيه حزب الشعوب الديمقراطي يستطيع دخول البرلمان، ويستطيع قادته ان يصبحوا رئيسا للوزراء او حتى رئيسا للجمهورية التركية، في الوقت الذي فيه كل الطرق السياسية مفتوحة امامهم، لماذا ترسل العائلات الكردية أبنائهم للموت بدلا من ارسالهم ليصبحوا أطباء ومهندسين ونوابا؟

- في الحقيقة ليس هذا ما تريده القواعد الشعبية والعائلات الكردية، لكن هناك عمى فكري وآيدولوجي، وإفساد لأفكار الشباب، حيث يزرعون في نفوسهم الحقد والكراهية المطلقة من كل شيء، ولذلك هؤلاء الشباب لا يستطيعون الانتقاد ولا يعرفون المحاسبة والسؤال، وينظرون إلى العنف الذي يقومون به على أنه أمر مقدّس، لأنهم بعيدون كل البعد عن الحياة المجتمعية، وذلك لا يتواجد أحد من أبناء نواب حزب الشعوب الديمقراطي أو أبناء رؤساء البلدية الأكراد في جبل قنديل، لأنّ من يتواجد هناك هم فعلا فقط غير المتعلمين والمحرومون.

أما حزب العمال الكردستاني فيضعهم في علبة مغلقة، ويجددون الولاء لمآسيهم من خلال اصطناع أحداث جديدة، كالذي حصل في كوباني وغيرها، من أجل زيادة تمسك هؤلاء الشباب بحكايات ومآسي جديدة، ويضعون أمام هؤلاء الشباب مُعيقات كثيرة تحول دون تعرفهم على امور جديدة غير العنف والكره والحقد.

مفتاح الحل هو التمثيل السياسي

- كيف استطاع حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي كسب المزيد من التأييد؟

- أعتقد أن التمثيل السياسي الكردي هو مفتاح الحل، وسيعطي نتيجة إيجابية، أن يدرك الأكراد بإمكانية أن يصبحوا رؤساء للبلدية، ونوابا في البرلمان، ومختارا للأحياء، ليدافعوا عن هويتهم، وهذا يجب أن يكون حافز للسياسيين ولحزب الشعوب الديمقراطي، وهذا هو السبب الذي زاد من نسبة تأييد حزب الشعوب الديمقراطي، لأن الأكراد لا يسعون إلى طلب الاستقلال، بينما يزداد لديهم الشعور عندما ينتخبون هذا الحزب الذي يمثلهم ويمثل هويتهم وصوتهم ويدافع عن حقوقهم في البرلمان وفي البلديات، ولذلك الحزب الذي يستطيع تلبية هذه الطلبات ستزداد نسبة التأييد له أكثر فأكثر.

وكل من يستطيع تحقيق هذه المطالب سيكون هو الرابح الأكبر على الصعيد السياسي، وهذا الأمر ينطبق على الجميع، والآن تجاوز الأكراد الصدمة التي عاشوها في القرن الماضي، اليوم لا احد ينكر هويتهم، لكن حقهم في التمثيل السياسي ربما ليس كما يجب حتى الآن.

عن الكاتب

فاطمة أوزكان

كاتبة في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس