إبراهيم كالن - ديلي صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

نظام الأسد واعتداءات تنظيم الدولة "داعش" كلاهما يضعف الآمال في مستقبل ديمقراطي في سوريا، بينما يدعيان القتال فيما بينهما كلا الطرفين في الواقع يستفيد من همجية الآخر.

التعزيزات العسكرية الروسية الأخيرة في سوريا ودعمها لنظام الأسد تحت مسمى "تدمير داعش" أثارت موجة جديدة من المواقف السياسية والحراك الدبلوماسي. مما أتاح الاتصال بين الأسد سيد الحرب الدموية وبين الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الإرهابية، غير أن المساعي الجديدة لإنقاذ نظام الأسد تتجه نحو تعميق الأزمة السورية بدلًا من حلها.

كل برميل متفجر يرمي به الأسد المواطنين السوريين يخلق متطوعين جدد لداعش، كل سلاح كيميائي يُستخدم يعطي ذخيرة جديدة للجماعات المتطرفة في سوريا وخارجها، كل انتهاك للقانون الدولي والجرائم الحربية التي يرتكبها نظام الأسد لأكثر من ثلاث سنوات قد جعلت من داعش والجماعات المشابهة أقوى وليس أضعف.

الواحد منا لا يستطيع المساعدة ولكن يتساءل لماذا نظام الأسد الذي يملك الذكاء وقوة النار بفضل الدعم من روسيا وإيران وحزب الله ويقتل أعدادًا لا تحصى من السوريين ويفجر المدن ويجبر الملايين من المدنيين على الفرار من بيوتهم، لا يخوض معركة حقيقية جدية مع داعش؟ لماذا على سبيل المثال لا يستهدف مدينة الرقة "مقر داعش في سوريا" في حين يرمي متفجراته على سكان دمشق وحلب؟

والسؤال نفسه موجه لداعش: كيف قامت داعش بقتل الكثير من البشر لكنها لم تنفذ أي هجوم كبير على نظام الأسد؟

في الحقيقة، نظام الأسد وداعش يغذي كل منهما الآخر وكل منهما يستفيد من همجية الآخر، في واقع الأمر هم يعملان معًا لإضعاف وتدمير المعارضة السورية المعتدلة والآمال في سوريا ديمقراطية تعددية.

وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أشار في حديث له بشباط/ فبراير الماضي إلى وجود دليل على قيام داعش ببيع النفط لنظام الأسد حينما كان لديها منه، وأضاف: "هم يقاتلان بعضهما بشكل رسمي لكنّهما في الحقيقة يساعدان بعضهما في كثير من الأحيان".

أصدرت لجنة الاتحاد الأوروبي لائحة عقوبات في 6 مارس/آذار 2015 وصفت فيها عددًا من رجال الأعمال بـ"الوسطاء" لشراء النفط من داعش وبيعه لنظام الأسد.

داعش أصبحت أداة مناسبة في الحرب السورية يستخدمها الجميع ليبرر سياسته في سوريا والعراق، روسيا تشير إليها لتبرر دعمها لنظام الأسد، إيران وحزب الله يرسلان مقاتلين أجانب باستخدام نفس الحجة، نظام الأسد يقتل دون تمييز باسم مكافحة الإرهاب باستخدامه الأداة الأسهل والأنسب لتبرير ذلك، من الصعب التصديق بأن نظام الأسد يريد داعش أن تدمر.

لقد كان هذا في حسبان الأسد منذ البداية، إيجاد طريقة لجذب المتطرفين الذي يمارسون الهمجية والعنف للحرب السورية ليقول للعالم إنه يحارب من أجل سوريا علمانية ضد المجانين المتطرفين، ولسوء الحظ على ما يبدو أنه حصل على بعض العملاء له في الغرب.

أولئك الذين يدعون أن نظام الأسد يجب أن يبقى للحد من خطر داعش يضعون العربة قبل الحصان، لقد كان نظام الأسد هو مَن خلق الظروف لازدهار وانتشار داعش، على خلاف ما يقول السيد بوتين، سيكون خطأ فادحًا أن يخذل الشعب السوري مرة أخرى من أجل إنقاذ ما سماه الرئيس أوباما "الطاغية".

كما أفادت البارحة التقارير على نطاق واسع بأن الطائرات الروسية هاجمت أهداف المعارضة السورية وقتلت المدنيين في سوريا على خلاف مزاعم النظامين الروسي والسوري، لم تكن هناك أهداف لداعش في المناطق الستة التي قصفت من قبل روسيا.

هذه التطورات الخطيرة من المرجح ستخلق توترات جديدة في هذه الحرب الدرامية بشكل مسبق.

وهذا مرة أخرى يدل على استخدام داعش في هذه الحرب الدموية: استخدام داعش كدرع لإيذاء المعارضة السورية المعتدلة ومساعدة الطاغية السوري للبقاء في السلطة.

الدوافع الروسية والإيرانية لدعم نظام الأسد واضحة، إيران ترى الأسد حليف رئيسي في المنطقة لذلك تريد حمايته بأي ثمن، هذا جزء من سياسة إيران الإقليمية في دعم الحكومات والمجموعات الميليشية الداعمة لطهران من خلال الحروب بالوكالة.

التركيز على داعش سمح لإيران بصرف الانتباه عن دعمها لواحد من أكثر الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط.

بالنسبة لموسكو، القاعدة البحرية في اللاذقية مهمة ولكن هذا فقط جزء من القصة، فبفضل تقاعس التحالف الغربي تقوم روسيا الآن بإنشاء قوى عسكرية ضخمة في سوريا.

الهدف الأول للتحالف الروسي الإيراني هو ليس القضاء على داعش على وجه الخصوص، وإنّما ضمان موقف سياسي سيكون  واعدًا لهم.

ليس ثمّة سبب مقنع لماذا من غير الممكن القضاء على داعش في حين يمكن القضاء على نظام الأسد في الوقت عينه.

بالإضافة إلى ذلك، الدعم الروسي المفتوح لنظام الأسد يخدم كمصدر إلهاء مناسب عن مناوراتها في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. حيث أنه ليست من المصادفة أن يحضر السيد بوتين الاجتماع العام للأمم المتحدة بعد تغيب دام عشر سنين، فالآن أصبح العالم يتحدث عن تحركاته في سوريا بدلا من التحدث عن ضمه غير القانوني لشبه جزيرة القرم وحروبه الدائرة في شرق أوكرانيا.

ليس هناك شك بأن روسيا وإيران يجب أن يكونا جزءًا من أي جهود إقليمية رامية لحل الأزمة السورية ولكن هذا لا يعني القبول بدعمهما لنظام الأسد المجرم كأمر مسلم به.

تدفق اللاجئين والصورة الدرامية للطفل أيلان الكردي لفت نظر الغرب للأزمة السورية لو للحظات قليلة، إنهاء الحرب في سوريا هو أمر مصيري من أجل حل أزمة اللجوء.

لن يكون هناك حل دون التطرق للسبب الجذري للمشكلة، كما أشار الرئيس الفرنسي هولاند خلال خطابه في الأمم المتحدة: "الأسد هو أصل المشكلة وليس من الممكن أن يكون جزءا من الحل".

الحل يكمن في تمكين المعارضة السورية المعتدلة بحيث تتمكن من أداء  العملية السياسية وحماية الشعب السوري وإقامة سوريا جديدة تقوم على سيادة القانون والديمقراطية والتعددية والشفافية.

والحقيقة أن إنشاء مناطق عزل آمنة هي خطوة أولى على الطريق  الصحيح لإعطاء الشعب السوري منفسًا ضد هجمات نظام الأسد من جهة وداعش من جهة أخرى.

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس