علي حسين باكير - عربي 21

يفرض التدخّل العسكري الروسي في سوريا المزيد من الأعباء على تركيا التي أصبحت اليوم في موقع صعب للغاية، مع تفاقم تداعيات الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات نصف، كما يفرض هذا الدور الروسي المتسجد كمّا ونوعا على تركيا المزيد من التحديات بما يعقّد حساباتها الصعبة أصلا في المعادلة السورية. 

في هذا السياق، يمكننا القول إنّ التدخّل العسكري الروسي في سوريا سيفرض على تركيا ثلاثة تحدّيات رئيسيّة على الأقل، هي:
 
* التحدي الأول يتعلق بجغرافية الانتشار العسكري الروسي في سوريا:

التعزيزات العسكرية الروسية التي جرت مؤخرا في سوريا تشير إلى أنّ البقاء الروسي هناك غير مؤقّت، وإنما طويل الأمد، كما أنّ تركّزه الجغرافي على الساحل السوري وبغض النظر عن مصير سوريا كدولة، يفتح المجال واسعا أمام اجتهادات كثيرة أبرزها دعم سيناريو ديفاكتو كانتون علوي على الساحل.

في هذا المعطى بالتحديد، من المعلوم بأنّ وحدة الأراضي السورية تعد أولوية في السياسة التركية ليس من أجل الموقف المبدئي التركي بشأن تقسيم دول المنطقة فحسب، بل لأنّ أمنها القومي أيضا مرتبط بهذا الأمر. 

وكما بات واضحا، فإنّ أحد أسباب التدخل العسكري التركي الأخير، هو قطع الطريق أمام وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه صالح مسلّم، لإقامة ديفاكتو منطقة أو دولة كردية في الشمال السوري، وإرسال رسالة حازمة بأنّ تركيا لن تقبل أبدا إنشاء دولة كردية في الشمال السوري.

الوجود العسكري الروسي في سوريا مؤخرا معطوفا على العمليات العسكرية التي تنفذها موسكو في سوريا، تقوّض من هذا التوجه التركي خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عاملين اثنين:

1) إنّ هناك من يرى بالفعل أن وجود موسكو  في سوريا هو في جزء منه لضمان تحصين الكنتون العلوي على أسوأ تقدير، وهذا الأمر يتناقض مع الجهود التركية الأخيرة التي تهدف إلى قطع الطريق على إقامة دولة كردية في شمال سوريا، لأنّ من شأنه أن يشجع الأكراد على يحذو حذو العلويين سواء بدعم من روسيا، أو  بدعم من قوى غربية مثل الولايات المتحدة أو قوى إقليمية مثل إيران.

2) إن مليشيات حماية الشعب الكرديّة قامت بالفعل خلال الأيام القليلة الماضية بتقديم طلب رسمي إلى موسكو، من أجل إشراكها في العمليات العسكرية التي تجري من ناحية التنسيق والتنفيذ ومن أجل مدّها أيضا بتعزيزات عسكرية وأسلحة وعتاد، وهو أمر سيثير غضب أنقرة بالتأكيد، لاسيما أنّ الأخيرة كانت قد انتقدت واشنطن بشدة عندما كانت ولازالت تقوم بالدور ذاته في دعم هذه المليشيات الكردية.

* التحدي الثاني يتعلق بنوعية الانتشار العسكري الروسي ومطلب تركيا إقامة منطقة آمنة:
التدخل العسكري الروسي في سوريا من شأنه أن يزيد من تعقيد المطلب التركي في إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري. 

أنقرة لا تزال تواجه صعوبات بالغة في فرض هذا المطلب، نتيجة المراوغة الدائمة التي تبديها إدارة أوباما إزاء الموضوع وكم الذرائع الطويلة التي تعرضها لتبرير رفضها. 

ومن المعروف أيضا أن إيران وروسيا من أشد المعارضين لطرح المنطقة الآمنة والحظر الجوي، وهذا يعني أنّ على من يريد المشاركة في إنشاء مثل هذه المنطقة في هذا التوقيت أن يضمن موافقة موسكو عليها، لتفادي إمكانية التصادم العسكري معها حال تمّ المضي قدما في الموضوع، دون أخذ اعتراضها عليه بعين الاعتبار، خاصّة أنّ نوعية بعض الأسلحة التي نشرتها روسيا في سوريا ترتبط بمثل هذا الموضوع، أكثر من ارتباطها بالذريعة الروسية العلنية، وهي محاربة تنظيم "داعش".

* التحدي الثالث يتعلق بهدف روسيا النهائي في سوريا وتأثيرها على موقف تركيا من نظام الأسد:
على الرغم من كم التصريحات الرسمية الروسية، لا تزال أهداف موسكو النهائية من هذا التدخل العسكري في سوريا غير معروفة بالنسبة لكثيرين، إذ لا تزال هناك علامات استفهام كبيرة حول الدور الروسي المستجد، هل هو لإنقاذ الأسد مرحليا؟ هل هو لتحسين وضعه في مفاوضات قادمة؟ هل هو لاستخدام الملف السوري في مساومات اخرى لا علاقة لسوريا بها أصلا؟ هل هو لتثبيت الأسد في موقعه؟.. إلخ

بغض النظر عن كل هذه التساؤلات، هناك حقيقتان لا يمكن إنكارهما اليوم، الأولى أنّ الدعم الروسي للأسد انتقل من دعم بالواسطة إلى دعم مباشر، ومن دعم سياسي إلى دعم عسكري مفتوح، وهذا يعني أنّ مهمّة أنقرة في التشديد على إخراج الأسد من المعادلة أصبحت أصعب، لاسيما مع الرضى الأمريكي الضمني على إمكانية أن يكون هناك دور ما للأسد في مرحلة انتقالية ابتدائية.

أما الحقيقة الثانية، فهي أنّ العمليات العسكرية لموسكو لا تستهدف بالتأكيد داعش، وإنما الفصائل الأخرى التي كانت في الأصل السبب الرئيسي في إضعاف نظام الأسد إلى حد الانهيار، استهداف هؤلاء يشكل ضربة كبيرة لتركيا سواء في جهودها للاستفادة منهم في تأمين المنطقة الآمنة المفترضة، التي تسعى لتحقيقها أو في سعيهم للإطاحة بنظام الأسد.

وحتى لو افترضنا أن هدف روسيا النهائي هو التحضير للتفاوض حول الانتقال السياسي في البلاد، فهذا يعني تخريب ميزان القوة الذي يميل الآن إلى جانب الثوار، ودفعه باتجاه الأسد من جديد، وهو الأمر الذي سيعيد أنقرة إلى المربع الأول.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس