علي حسين باكير - العرب القطرية

خلال الأسبوع الماضي، أعلن الجانب التركي عن اختراق الطائرات الروسية لأجواء البلاد مرتين على الأقل، وقد استدعت الخارجية التركية السفير الروسي وأبلغته احتجاجها وسلمته رسالة إلى السلطات الروسية تتضمن تنبيهاً بعدم تكرار مثل هذا الأمر، كما تم إيصال الرسالة نفسها إلى وزير الخارجية الروسي، وإطلاع الجانب الأميركي والأوروبي على تطورات الوضع وكذلك حلف شمال الأطلسي.

ووفقا للمعلومات المتطابقة من جانب تركيا وحلف شمال الأطلسي، فإن طائرات روسية من طراز سوخوي (أس يو-30) و(أس يو-24) خرقت الأجواء التركية فوق منطقة هاتاي يومي 3 و4 أكتوبر على الرغم من التحذيرات التركية المتكررة الواضحة والمباشرة من خطورة تكرار مثل هذا الأمر وبأنه يعتبر تهديدا للأمن التركي لا يمكن التهاون فيه.

وفقا لرواية موسكو فإن «عطلا في أجهزة الملاحة» الخاصة بالمقاتلات الروسية أدى إلى دخول الطائرات الروسية منطقة لم تكن تعلم أنها خارج حدود عملها. لكن الجانب التركي لم يأخذ هذا التفسير على محمل الجد على اعتبار أنه من المفترض أن هذه المقاتلات مزودة بنظام ملاحي متطور، كما أن تركيا كانت قد حذرت مسبقا من خرق أجوائها لاسيما في ظل سريان قواعد الاشتباك المطبقة من قبل القوات المسلحة التركية منذ حوالي أكثر من عامين، وهو ما يفترض به أن يكون بمثابة تنبيه للجانب الروسي إلى حساسية الوضع وبالتالي توخيه.

وعلى الرغم من أن الحكومة التركية والقوات المسلحة التركية كانت واضحة جدا ومباشرة جدا في القول بأن قواعد الاشتباك التي تطبقها منذ عامين على الأقل لا تزال سارية المفعول، وأنها لن تتهاون في تطبيقها من الآن وصاعدا سواء كان المعني بذلك روسيا أو غيرها من الدول، تسجل التقارير خرقا ثالثا فيما بعد لطائرات مجهولة الهوية من المرجح أن تكون من طراز ميج-29.

وفقا لإجراءات قواعد الاشتباك المعتمدة من قبل القوات المسلحة التركية والمعمول بها، تم إسقاط مقاتلة سورية من نوع (ميج-23) في العام 2013 تبعها إسقاط طائرة (أم آي-17) في العام 2014، لكن نظرا لحساسية الوضع اليوم وإمكانية تطوره بشكل سريع إلى اشتباك ومن ثم حرب ينخرط فيها حلف شمال الأطلسي، أبدى سلاح الجو التركي حالة من التريث وضبط النفس، إذ لم يتم إسقاط الطائرات الروسية على الفور، فعندما خرق هذه الطائرات المجال الجوي التركي، تم إرسال طائرتين من طراز (أف-16) لاعتراض الطائرات المخترقة والتعرف على هويتها ومرافقتها إلى خارج حدود المجال الجوي التركي.

المثير للاهتمام والاستغراب في الوقت نفسه ليس موضوع الخرق بحد ذاته، فهناك من يرى بأن احتمال الخطأ يظل قائما خاصة في ظل كثافة العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات مختلفة على طول الحدود، وإنما موضوع آخر يرجح فرضية أن الخروقات متعمدة وأن الهدف الحقيقي منها اختبار دفاعات الجانب التركي ورد فعل حلف شمال الأطلسي، والأهم إنشاء ما يشبه (دي فاكتو) حظر جوي روسي فوق المناطق التي تعمل فيها المقاتلات الروسية ولاسيما تلك ذات الأهمية الكبرى بالنسبة للنظام السوري.

ما يعزز هذه الفرضية المعلومات التي جاءت في البيان الصادر عن هيئة الأركان التركية في 5 أكتوبر والذي يقول إن المقاتلات الروسية التي اخترقت الأجواء التركية قامت بإحكام رادارها في وضعية استهداف المقاتلات التركية لمدة 5 دقائق و40 ثانية! هذا يعني أن المقاتلات الروسية وبدلا من الخروج مباشرة من الأجواء التركية أظهرت استعدادها لخوض قتال وإسقاط الطائرات التركية! 

وكما هو معلوم فإن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، ولذلك فهي لم تهتم سابقا بتطوير نظام دفاع صاروخي أرض-جو خاص بها خلال العقود الماضية، وبدلا من أن يتم الاستجابة الفورية لهذا التحدي المتزايد الذي تفرضه موسكو على أنقرة بإجراءات لحلف الناتو أو للولايات المتحدة تردع روسيا عن تكراره أو على الأقل تحتوي تماديها، اتخذت واشنطن إجراءات تفيد الجانب الروسي تماما.

في الأول من أكتوبر نقلت «الدايلي بيست» تصريحات لمسؤول أميركي يقول فيها: «لن نسقط الطائرات الروسية، لن نضرب مطاراتها، لن نزود المعارضة السورية بمضادات طائرات ولن نستطيع حمايتهم من القصف الروسي»! ليس هذا فقط، فقد كشفت التقارير الإعلامية الأميركية أن وزارة الدفاع الأميركية أعطت تعليمات للمقاتلات الأميركية العاملة في الأجواء السورية بأن تغير مسارها حال كان هناك أي مقاتلات روسية على بعد 20 ميلا منها وذلك لتفادي الالتقاء أو الاحتكاك أو التصادم!

في 7 أكتوبر، قال البنتاجون إنه أعطى أوامر لمقاتلتين أميركيتين أقلعتا من قاعدة أنجرليك التركية باتجاه الرقة لضرب «داعش» بإيقاف المهمة وتغيير وجهتهما نظرا لوجود مقاتلات روسية نظرا لوجود مقاتلات روسية. وفي الوقت الذي تصعد فيه روسيا من موقفها أعلن مسؤول عسكري أميركي في 8 أكتوبر أن «واشنطن سحبت من الخليج العربي حاملة الطائرات ثيودور روزفلت (5 آلاف فرد و65 مقاتلة) التي لعبت دورا في العمليات العسكرية في سوريا والعراق، تاركة وراءها فجوة عسكرية بحرية لأول مرة منذ أكثر من 7 سنوات. 
في 9 أكتوبر، أعلنت واشنطن عن سحبها بطاريات صواريخ باتريوت التي كانت قد نشرتها على في غازي عنتاب على الحدود مع سوريا، أما ألمانيا فقد أعلنت هي الأخرى أيضا أنها ستسحب بطاريات صواريخ باتريوت الأسبوع القادم على الرغم من المطالبة التركية بدعم حلف شمال الأطلسي.

في 11 أكتوبر أعلنت القوات المسلحة التركية أن أنظمة صاروخية داخل سوريا تعرضت لطائرات مقاتلة تركية خلال قيامها بدورياتها المعتادة على الحدود التركية مع سوريا. 
هل يشبه هذا الوضع الناجم عن كل ما ذكرناه أعلاه في المقال من تفاصيل شيئا مألوفا يسمى حظرا جويا؟ نعم بالتأكيد.

إذا ما بقيت المعادلات على ما هي عليه، فإن ذلك يعني أن روسيا تقيم عمليا (دي فاكتو) حظر جوي فوق المناطق التي تطير فيها مقاتلاتها وفوق المناطق التي تغطيها أنظمة الدفاع الصاروخي أرض-جو التي تنشرها في قواعدها العسكرية في سوريا أو في مناطق سيطرة النظام مع ما ينجم عنه من منطقة آمنة لحماية وتحصين بؤر عصابات الأسد في الساحل ومناطق أخرى، وهو أمر لا تُسأل عنه روسيا حقيقة بقدر ما تُسأل عنه إدارة أوباما.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس