عزام سعد - خاص ترك برس

تابع المواطن العربي الانتخابات التركية باهتمام  شديد وكأنها شأن داخلي، ولعل ما يفسر ذك الاهتمام هو الارتباط التاريخي والجغرافي بين العرب وتركيا، إضافة إلى مواقف تركيا المشرفة في نصرة قضايا الأمة في سوريا وفلسطين ومصر، علاوة على ذلك بروز تركيا كلاعب إقليمي مهم في منطقة الشرق الأوسط والطفرة الاقتصادية التي حققتها في الأعوام الماضية من حكم حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 وحتى الان ونظرتهم إلى تركيا كتجربة فريدة ينبغي الاستفادة منها لإحداث التنمية الشاملة في العالم العربي.

تكتسب تركيا أهميتها من كونها دولة مستقرة وقوية، في منطقة تشهد تجاذبات ومشاريع خارجية  متعددة، هذه المشاريع تسعى للاستئثار بالمنطقة وتحويلها إلى مناطق نفوذ تابعة لها في ظل حالة عدم الاستقرار وعدم وجود لاعبين أقوياء يسعون لترجيح مصالح الشعوب في المنطقة.

انعكست  ظروف حالة عدم الاستقرار على المواطن العربي الذي وجد نفسه يعيش حالة من المرارة والذل فإما أن هدفا مباشرا للقتل في وطنه أو مشردا في المخيمات أو في غياهب السجون، في حين أن الأوطان العربية تعيش المرارة ذاتها بين من يراها امتدادا طبيعيا له أو منطقة نفوذ يصعب عليه التخلي عنها كونها سوقا لمنتجاته ومصدرا لخاماته ومسرحا لتجاربه واستعراض قوته.

هذه المشاريع تنوعت بين مشروع طائفي، ذو أهداف توسعية وأطماع تتجاوز المنطقة يجري تنفيذها عبر أدوات من أهمها الطائفية واستغلال أتباع مذهبه ليكون وقودا للوصول إلى حلمه، وسلما يصعد به ليكون سيد ا للمنطقة بلا منازع وهذا ما يجري في العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان، وآخر يسعى لتجديد ماضيه الاستعماري عبر فرض الوصاية على المنطقة لتبقي ممزقة منهكة اقتصاديا، مختلفة تنمويا تستجدي المعونات والهبات، لحماية أمن الكيان الصهيوني أولا، ولضمان التبعية وحماية مصالحه ثانيا، ثم إن هناك مشروعا ثالثا وإن كنا لا نستطيع إطلاق مسمى مشروع عليه كونها يخوض معاركه لمصلحة المشروعين السابقين عبر دعم الثورات المضادة وتبني سياسات إشعال الحرائق وممارسات الاستئصال والإقصاء، ونشر الفوضى في بلدان الربيع العربي بما يمتلكه من وفرة مالية من موارد النفط كان يجب عليه الإبقاء عليها واستثمارها لتعود بالنفع على المنطقة لا بتبديدها في حروب جانبية كخدمة مجانية لمصلحة المشاريع الأخرى وستكون مردودتها السلبية باهظة الثمن وذلك نتاج لعدم الرؤية والحول السياسي وفن صناعة الأعداء.

شكلت الانتخابات التركية في الأسبوع الماضي علامة فارقة لكثير من المتابعين للشأن التركي  مدركين أهمية قيادة حزب العدالة والتنمية لتركيا في هذه الظروف الحساسة نظرا لمواقفه السابقة من قضايا المنطقة والتي لم تلق ارتياحا من أصحاب مشاريع الطائفية والتبعية والاحتلال ونشر الفوضى - ظهر ذلك جليا في تغطيات وسائل الإعلام من صحف وقنوات وفي مواقع التواصل الاجتماعي –  وأعطى الجماهير العربية أملا كبيرا في مواصلة تبني قضايا المنطقة والدفاع عن المستضعفين في سوريا ومصر والعراق وغيرها.

يتطلع المواطن العربي في كثير من الدول العربية من تركيا أن تلعب دورا رياديا في المنطقة في سبيل تبني مشروع حضاري للأمة يحافظ على التوازن  ويعيد الاستقرار إلى المنطقة، لما تتملكه تركيا من نفوذ وبما تمثله من قوة اقتصادية وعسكرية عبر تشكيل تحالفات في المنطقة مع السعودية وقطر وبقية دول الخليج  لحماية مصالح شعوب المنطقة والتصدي للمشاريع الطائفية ومشاريع  التبعية والاحتلال في منطقة تمثل أهمية استراتيجية كبيرة  نظرا لموقعها الجغرافي المميز وكمصدر للطاقة، إضافة إلى البعد الديني والتي جعلت منها محل تنافس بين القوى الكبرى وميدان لصراع المشاريع المتعددة، وذلك لأن تركيا تمثل جزءا مهما في المنطقة إن لم تكن محورها لامتدادها الجغرافي، وماضيها التاريخي وقوتها العسكرية وتعدد وتنوع مواردها الاقتصادية وحنكة وحكمة قيادتها ممثلة بالرئيس رجب طيب أردوغان وزملائه في حزب العدالة والتنمية.

ثمة أمر آخر ذو أهمية كبرى للمواطن العربي فتركيا تنتهج سياسية متوازنة تميل إلى الاحترام المتبادل والتعاون مع الدول العربية من منطلق تحقيق المصالح المشتركة وضمان الاستقرار في المنطقة، فحين اختارت بعض الدول أن ترسل شحنات الأسلحة وتدرب وتجهز المليشيات لمحاربة شعوب المنطقة، كانت تركيا ولا زالت ترسل المساعدات وتستقبل الآلاف من الطلاب العرب للدراسة والبحث في مختلف الفنون والعلوم وتؤوي ملايين اللاجئين وتوفر لهم وسائل العيش الكريم. وكفى بهذا دليلا كافيا لإدراك الفرق بين من يريد الخير للشعوب العربية وبين من يريد أن يجعلها ساحة لمشروعه التوسعي التخريبي التدميري ونهب ثرواتها وتشريد أهلها.

عن الكاتب

عزام سعد

باحث في التاريخ الإسلامي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس