ياسين أقطاي – صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

الارتياح الذي ساد الشارع التركي بعد نتائج انتخابات الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني واضح وجلي للعيان، ففي فترة ما قبل الانتخابات وأثناء زيارتي لبعض أرباب المهن كان الفكر السائد حتى بين أولئك الذين لم يعطوا أصواتهم لحزب العدالة والتنمية اثناء انتخابات حزيران/ يونيو "إذا لم نعطِ أصواتنا لحزب العدالة والتنمية ولم يصل وحده إلى السلطة سيضطر الكثير من أرباب المهن لإغلاق أبواب ورشاتهم"، هذه الأصوات وأمثالها توضح لنا كيف استطاع أن يحقق حزب العدالة والتنمية فوزه بهذا الفارق الكبير، إذا رجعنا ونظرنا لآراء الاستفتاءات سنجدها مختلفة كليا.

لا بد أن نتائج الانتخابات حملت كذلك الراحة للسياسة الخارجية وتسببت بتأثيرات جوهرية على تلك الشعوب التي كانت تراقب نتائج الانتخابات عن كثب وربما أكثر مما راقبها الشارع التركي ذاته. فرئيس الوزراء أحمد داود أوغلو الذي ترأس هرم السياسة الخارجية وكان أحد أهم أركانها يعد نقلة نوعية في مفهوم السياسة الخارجية لتركيا، في الماضي حاولت أن أعبر عن هذه الثورة والنقلة النوعية بالقول إنها عودة تركيا إلى ساحة السياسة الخارجية ولكن في الوقت الراهن تجاوزت حد العودة، فنحن الآن نتحدث ونناقش فيما بعد عودة تركيا، وبدأها بتبني دور سياسي فعال ونشط على مستوى السياسة الخارجية العالمية؛ ولهذا السبب بالتحديد لم يكن الأتراك وحدهم من تابع نتائج الانتخابات الأخيرة وإنما اهتم بها وراقبها العالم ككل.

النماذج المقولبة التي وضعت فيها تركيا لأعوام طويلة تم تحطيمها بعد مجيء حزب العدالة والتنمية الذي أخرج إلى الوجود نماذج مختلفة أكثر انفتاحا على العالم وأكثر قوة وتأثيرا. أما نتائج الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني تأتي بعد أن تعمقت الأزمات في العراق وسوريا، تأتي هذه النتائج لتقول للعالم إن الشعب التركي يؤمن بسياسة حزب العدالة والتنمية الخارجية ويؤيدها خصوصا أن الأحزاب المعارضة وفي هذا الإطار لم تعد سوى بالعمل على تلميع النماذج القديمة وتكرار تلك النماذج، وكان واضح من هذه النماذج التي تتبناها المعارضة أن تركيا ستعطي ظهرها للدبلوماسية في الشرق الأوسط وبسلسلة من الإجراءات ستخرج اللاجىء السوري من الحسابات. في حين أن إعادة انتخاب حزب العدالة والتنمية وتجديد الثقة ستكون بمثابة تحذير وكابح لتلك الأنظمة الانقلابية ولتصرفاتها غير القانونية وغير المنصفة؛ فتصريح رئيس الجمهورية المصري الذي وصل خلال انقلاب عسكري الجنرال عبد الفتاح السيسي بأن "الإخوان المسلمين جزء لا يتجزأ من نسيج الشعب المصري"، والعلاقات التي نشأت بين قطر والسعودية يمكن تقييمها على أنها نتاج فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية.

خلال الثورات العربية التي حاولت أن ترجع الديمقراطية إلى نصابها القويم، وفيما تلا هذه الثورات حيث شهقت أفواه العالم أجمع وأثارت الحماس والهيجان في كل العالم سمعنا من تلك الأنظمة الجديدة صدى أصوات ونقاشات باتخاذ النموذج  التركي كمثال يحتذى، هذه الدعوات لم تكن لأن تركيا قالت لدول المنطقة "أنا سألعب دور نموذج من أجلكم" وإنما لأنهم شاهدوا بعيون سياسييهم وخبراء الاجتماع لديهم النتيجة التي حصلت عليها تركيا وما ترتب عليها من تقدمات.

في انتخابات الأول من نوفمبر ظهر أن النموذج التركي بديمقراطيته ما زال حيًا في أذهنة الدول المسلمة والأنظمة الوليدة فالفرح بفوز حزب العدالة والتنمية عم المنطقة العربية بأكملها  كما عم شوارع تركيا ليؤكد لنا أن التجربة التركية ما زالت ذات قيمة كبيرة وتستحق الدراسة لأهميتها عند البعض.

أجندة السياسة الخارجية الخاصة بحزب العدالة والتنمية الذي وصل من جديد لسدة الحكم ستكون مليئة حد الطفاف ولا شك أن الأزمة السورية تحتل المرتبة الأولى في هذه الأجندة. فنحن نمر بفترة تكثفت فيها الاقتراحات الدبلوماسية لحل الأزمة السورية ويظهر لنا أن عام 2016م سيكون إحدى الفترات الحرجة للسوريين، فتركيا ومعها الولايات المتحدة ضد أي اقتراح أو معادلة يحافظ فيها الأسد على قوته أو تمكنه من إضفاء طابع مؤسساتي على جماعته ومعارضتها للاقتراحات الروسية والإيرانية الهادفة لفترة حل تضمن للأسد أن يزداد قوة ومتانة؛ الأمر الذي يُظهر لنا أن إحلال السلام وتأسيس الاستقرار سيتطلب وقتا.

التطورات على الساحة العراقية تمثل أزمة قريبة أُخرى، فالأحداث تنذر بحرب داخلية شبيه لما يحدث في سوريا. أما على الساحة الفلسطينية فيبدو أن التطورات الأخيرة تتسبب بتأخير بدء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وما قول رئيس حركة فتح محمود عباس "نحن نفكر بالانسحاب من اتفاقية أوسلو" إلا إشارة للانتقال لصفحة مختلفة في طبيعة العلاقات.

التطورات في كوسوفو وإن كانت تتسم في الوقت الراهن بالسكينة والهدوء بعد المصالحات، إلا أن الاتحاد الأوروبي ومعه الولايات المتحدة سوف يستشعر بضرورة طلب المساندة والمدد التركي، وبالتالي يبدو أن تركيا في الفترة المقبلة سوف تحظى باحترام اكبر لحقوقها الحلفية ضمن حلف شمال الأطلسي.

وفي هذا الإطار ستلتفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتحذيرات التركية  بدقة واهتمام أكبر فيما يخص تسليح  الميليشيات الإرهابية وعلى رأسها وحدات حماية الشعب التي تدعي أنها تُقاتل داعش في الشمال السوري، وسيؤدي لتصرفات أكثر احتراما للخطوط الحمراء واهتمام أكبر بالرأي التركي. أضف لذلك ان العلاقات التركية مع حلف شمال الأطلسي ذات الأبعاد المتعددة والتطور التاريخي لمكانة تركيا داخل الحلف تفرض مثل هذا الاحترام للحقوق الحلفية أصلا.

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس