نهاد علي أوزجان - صحيفة ملييت - ترجمة وتحرير ترك برس

حادثة إسقاط قوات سلاح الجو التركي للمقاتلة الروسية أحدثت تغيرات في الأجندات الداخلية والخارجية على حد سواء، فانخراط بوتين في الحرب الداخلية السورية بشكل كثيف وعلني أخرج إلى السطح تساؤلات عن نواياه وعن ما يحاول صنعه وما سيجنيه. فقبول بوتين بتحمل أعباء مالية جديدة متعلقة بالحرب الداخلية السورية وهو الذي لم يخرج بعد من الأزمة الأوكرانية تثبت أن القصة ليست مجرد دعم حليف صغير وإنما لبراهين وشواهد قد رآها في أهمية بقاء دولة الأسد على قيد الحياة.

من الواضح جدا أن بدء روسيا عملياتها الجوية في سوريا لن يغير مجرى الحرب الداخلية فقط وإنما سيغير سياسة المنطقة برمتها. فالتصرفات الهائجة التي لا تعرف القواعد ولا تسير على قوانين أظهرت ومنذ البداية أن التطورات على الساحة لن تمر مرور الكرام. فهكذا الطائرات الروسية ومنذ يومها الأول لم تتوقف عن استباحة الحدود الجوية التركية. وعلى الرغم من كل التصريحات الروسية التي تفيد بأن استباحة الحدود هذه ما هي إلا "قلة خبرة مهنية" و"نقص في الإمكانيات التقنية" إلا أن السبب الحقيقي لم يفصح عنه بعد.

السبب الذي يقف وراء استعداد الروس لتحمل النفقات الاقتصادية والعسكرية وحتى السياسية  في هذه العمليات هو رؤيتهم لسوريا كموطىء قدم على البحر المتوسط للتدخل باستراتيجيات البحر الأسود. تركيا وعلى كلا الاتجاهين تملك موقع مهم في هذه الاستراتيجية. لهذا السبب تسعى روسيا بداية إلى الحد من التدخلات التركية في الشأن السوري إلى جانب إيصال رسالة مهمة بخصوص الاستراتيجية التي تتبعها أنقرة، وفي هذا الإطار نظرت روسيا إلى الحدود الجوية التركية وكأنها "مناورات متعددة الجوانب" وقامت عن قصد (بعلم وإرادة) باستباحة الحدود. دواعي هذا الفحص وهذه العملية هو معرفة الإمكانيات لتصميم خطط سياسية قادمة على المدى الطويل. أما الأمور الأخرى في قائمة الأهداف الروسية فتشمل، رفع أُهبة الجيش التركي إلى مستوى الاستعداد، فترة من الإثارة، الصداقة مع الحلفاء، فترة لاتخاذ قرارات سياسية، ومحاولة لفهم جاهزية واستعداد تركيا للمخاطرة وتفحص الوعي العام.

وراء اختيارها هذا تقبع خبرة بوتين الاستخباراتية السابقة  والتجربة التي حصلتها إثر الأزمة الأوكرانية. خصوصا أنه وطول الأزمة الأوكرانية تبنى حلف شمال الأطلسي وكذلك الدول الأوروبية مواقف سلبية بدون أي فعل فكانت أوروبا  متقبلة للتنازل وميالة للمصالحة، الأمر الذي أظهر لبوتين مدى فاعلية هذا الأسلوب وتأثيره، والذي أعطاه الشجاعة والقوة. لكن ما فاجأ روسيا هو ردة الفعلية القاسية من تركيا والتي لم تكن بالحسبان. فتركيا وبعدم تصرفها مثل باقي الدول الأوروبية خدشت الكاريزما التي تمثلها وكوّنها بوتين بصبر وتأني ومنذ بداية ولايته.

فيما تلا هذه التطورات وفي سبيل إيصال رسائل للمجتمع المحلي والعالمي أُجبر الروس على التخطيط لاستراتيجيات جديدة للخروج من الأزمة. وهكذا الاستمرار الروسي بالعمليات العسكرية والضربات الجوية في الأراضي السورية هي رسالة موجهة لأنقرة أكثر من كونها ضرورة عسكرية وحربية. الأكيد أن هذه الأزمة ستكلف كلا الدولتين مبالغ طائلة وستؤثر على الاقتصاد لكن الأجواء التركية ليست خانًا بلا أبواب.

عن الكاتب

نهاد علي أوزجان

كاتب في صحيفة ملييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس