ترك برس

جرى التوقيع على اتفاقية "مونترو" لتنظيم الملاحة وحركة العبور من المضائق التركية وحمايتها (البوسفور والدردنيل) في أوقات الحروب والسلام، وذلك في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1936، في سويسرا بمشاركة عدد من الدول أهمها الاتحاد السوفيتي وتركيا وفرنسا وبريطانيا وفرنسا واليابان، ولا تزال الاتفاقية سارية المفعول حتى الوقت الحاضر.

وتمنح اتفاقية مونترو، الحقوق الكاملة لتركيا في ممارسة سيادتها على المضائق، وإدارتها وإعادة تحصينها، وتعطي حرية المرور عبر مضائق البحر الأسود للسفن التجارية في أوقات السلم والحرب، وتسمح بمرور السفن الحربية لدول حوض البحر الأسود بدون أي تحديد، أما السفن الحربية التابعة لدول من خارج حوض البحر الأسود، فقد سمحت بأن تكون سفنا خفيفة ومساعدة بحيث لا يزيد عدد المجموعة المارة عبر مضيق في آن واحد عن تسع سفن، وبحمولة إجمالية لا تتجاوز 15 ألف طن.

وتمنع الاتفاقية، مرور حاملات الطائرات عبر المضائق المعنية، ويسمح للغواصات بالمرور في المضائق شريطة أن تكون ظاهرة على السطح، وتمنح لتركيا الحق في منع مرور السفن الحربية بالكامل في المضائق، إذا كان مرورها يهدد أمن الدولة التركية.

وتتبوأ تركيا أهمية استراتيجية بالنسبة للكتلة الغربية ضد الكتلة الشرقية بمفهوم الحرب الباردة، حيث يمكن لها أن تسمح لأساطيل الكتلة الغربية بالمرور إلى البحر الأسود لتدمير المنطقة الصناعية الرئيسية في قلب دول الاتحاد السوفيتي (السابق)، فضلًا عن أنها تمثل صمام أمان للقوى الغربية ضد الزحف الروسي جنوبًا إلى الشرق الأوسط وطرق الملاحة الدولية هناك.

وتنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى تركيا على أنها قاعدة عسكرية هامة في سلسلة الحلقة النارية، التي تعتمد عليها لمواجهة الكتلة الروسية، والسفن العابرة من البحر الأسود إلى بحر إيجة مجبرة على المرور في ممررات مائية تركية لمسافة 320 كم، وهذه الميزة الكبيرة دفعت حلف الأطلسي إلى أن يضم إلى صفوفه دولة بهذا الموقع الاستراتيجي الخطير الحاكم لحركة الكتلة الروسية.

وتمثل المضائق التركية، المخرج الوحيد للسفن الروسية من البحر الأسود المغلق، وتمر عبرها نحو 20 سفينة تجارية روسية يوميًا، وتمثل السفن التجارية الروسية 40% من الحمولة المارة في المضيقين (البوسفور في إسطنبول، والدردنيل في جناق قلعة)، وقد طالب الاتحاد السوفيتي (السابق) أكثر من مرة بتعديل معاهدة مونترو بأن تشترك دول البحر الأسود جميعًا في الإشراف على الملاحة في المضايق.

ويتضمن مطلب الاتحاد السوفيتي، تدويل الممرات المائية الإقليمية للدول الصغيرة، لضمان بقائها مفتوحة أمام السفن الروسية التجارية والحربية في وقت السلم والحرب على حد سواء، وكانوا يؤيدون مطالب بلغاريا، التي كانت ضمن دول حلف وارسو السابق، في الحصول على جزء من تركيا ليصبح لها حق الإشراف على مضيقي البسفور والدردنيل، إلا أن الكتلة الغربية وتركيا رفضت هذا المطلب.

ومع توتر العلاقات بين روسيا وتركيا، على خلفية إسقاط الأخيرة مقالتة حربية روسية من طراز "سوخوي 24"، كانت قد انتهكت المجال الجوي التركي نهاية الشهر الماضي تشرين الثاني/ نوفمبر، وفرض روسيا اثرها، إجراءات اقتصادية على تركيا، توجهت أنظار العالم نحو الإجراءات التي يمكن أن تستخدمها تركيا ضد روسيا.

قال رئيس المجلس الإداري المؤسس في المجلس الدولي للجامعات، البروفيسور التركي "أورهان حكمت عزيز أوغلو"، إنه من حق تركيا إغلاق مضائقها على السفن الروسية، في حال دخل الطرفان في صراع، وذلك في معرض تقييمه لتوتر العلاقات بين روسيا وتركيا على خلفية إسقاط المقاتلة الروسية.

وأضاف عزيز أوغلو في حديثه لوكالة الأنباء التركية، الأناضول، أن "تركيا دولة لا تريد الاشتباك، وهناك عامل مهم يتعلق بردة فعل روسيا، حيث قامت أولًا بخلق مشكل جدية في أوكرانيا، والمجتمعات الغربية ردّت بشكل عنيف إلا أنها لم تفرض أية عقوبات ضدها، وهذا أدى إلى زيادة الجرأة لدى روسيا وألحقت بعدها شبه جزيرة القرم إلى أراضي، ولم تشهد عقوبات أيضًا، وهنا عاشت نوعًا من التمرد".

وأشار عزيز أوغلو إلى أن التوتر بين تركيا وروسيا لن يعود بالفائدة لأي منهما ولكن من شأنه أن يمهد الطريق لأزمات كبيرة في المستقبل، مضيفًا أنه "لا يمكن لأي دولة أن تكون متنمرة هذا العالم، ولا تملك أي دولة حق انتهاك حدود دول أخرى، روسيا أخطأت في تصرفها الأخير (تجاه تركيا)".

من جانبه الكاتب الصحفي التركي، إسماعيل ياشا، قال في مقال له بهذا الشأن، إنه "ليس متوقعا في ظل الظروف الراهنة أن تقدم تركيا على إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل في وجه السفن الروسية بحجة أنها مهددة بحرب لأن مثل هذا القرار بحاجة إلى موافقة ثلثي أعضاء الأمم المتحدة، إلا أنها قد تلجأ إلى إعادة النظر في تسعير الخدمات المقدمة للسفن العابرة".

ولفت إلى أن "إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل نهائيا من قبل روسيا -إن افترضنا أنها قادرة على ذلك- يعني الانتحار من أجل معاقبة الخصم، ولا يفكر في خطوة كهذه إلا مجنون، لأنها قد تحرم تركيا من الاستفادة من المضيقين إلا أنها في الوقت نفسه تحرم روسيا نهائيا من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط عبر البوسفور والدردنيل، أي أن السفن الحربية والتجارية الروسية ستكون بحاجة إلى عبور المحيط وقطع مسافات طويلة جدا حتى تصل إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط".

وكان جندي روسي حمل على كتفه قاذفة صواريخ أرض جو بوضعية الإطلاق باتجاه مدينة إسطنبول، نهاية الأسوع الماضي، فوق سفينة حربية روسية، أثناء عبورها مضيق البوسفور، قبل أن تكمل طريقها نحو بحر إيجه غربي تركيا، ومنها إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث أثار الحادث مزيدًا من التوتر بين تركيا وروسيا، حيث اعتبرت أنقرة هذا التصرف، بأنه "عمل استفزازي ولا يمكن الترحيب به"، وأنه "ينتهك اتفاقية مونترو للمضائق".

وقال وزير النقل والمواصلات والملاحة البحرية التركي "بن علي يلدرم"، إن جميع السفن تمتلك حق المرور الآمن عبر المضيق، والجميع يمكنه استخدام ذلك الحق، لكن دون القيام بأي تصرف من شأنه إلحاق الضرر بتركيا"، مشيرًا أن بلاده "لن تفرض أي قيود على عبور السفن من المضائق طالما أنها تجري وفق قواعد المرور والاتفاقيات الدولية".

وأضاف يلدرم قائلًا: "ولكن بلا شك سيتم اتخاذ التدابير المطلوبة في حال وجود أي تهديد أو عنصر استفزاز واضح، كما أن لدى تركيا القدرة على إمكانية اتخاذ الإجراءات اللازمة، طالما وجدت استفزازات ومواقف تحرش واضحة".

من جهته، وصف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، حركة الجندي الروسي في مضيق البوسفور، بأنه "تصرف استفزازي"، مشيرًا أن "حدوث مثل هذا الأمر خلال هذه المرحلة، ليس محض صدفة".

وشدد وزير الخارجية التركي، على ضرورة أن تتخلى روسيا عن موقفها الحالي، قائلاً: "نحن قمنا بالمبادرات اللازمة، وكيفية عبور السفن الحربية من المضيق معروفة، وجرى تنظيم ذلك عبر اتفاقية مونترو، بالطبع هذه السفن لا تشكل لنا خطرًا، ولكن في المقابل لم تشكل تركيا أي خطر عليها حتى هذا اليوم، لذلك فإن عبور تلك السفينة بهذا الشكل، تصرف استفزازي ويجب التوقف عنه".

ولفت الوزير أن لبلاده حقوق يعترف بها القانون الدولي، ومنها اتفاقية "مونترو" المتعلقة بالمضائق، مستدركاً أن "بلاده تنتظر من روسيا أن تتصرف كدولة أكثر نضجًا"، وأنها تدعو السلطات الروسية للحوار لتجاوز الأزمة، معترًا أن "التوتر الحالي، ليس له فائدة لروسيا، وعلى ما يبدو أن هناك حالات انزعاج داخل روسيا نفسها وفي العالم كله".

وعقب تصريحات جاويش أوغلو، استدعت الخارجية التركية، سفير روسيا لدى أنقرة، أندريه كارلوف، لبحث التصرف الاستفزازي الذي قام به الجندي الروسي خلال عبور السفينة الروسية مضيق البوسفور.

كما عبرت سفينة روسية يوم أمس الأربعاء، من مضيق البسفور متجهة نحو البحر الأسود، وكانت تحمل على متنها مدفع رشاش، وعقب عبورها من المضيق لحقت بها سفينة عسكرية تابعة للقوات المسلحة الروسية، وحسب ما أورد موقع "إن سون خبر"، فأن السفينة نقلت معدات عسكرية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، وفي طريق عودتها ظهر على مؤخرتها رشاشات كانت مثيرة للريبة.

يأتي ذلك على خلفية توتر العلاقات بين موسكو وأنقرة، بعد إسقاط الأخيرة مقاتلة حربية روسية من طراز "سوخوي 24"، لانتهاكها مجالها الجوي عند الحدود مع سوريا، نهاية الشهر الماضي، وقد وجّهت المقاتلتان 10 تحذيرات للطائرة الروسية خلال 5 دقائق، بموجب قواعد الاشتباك المعتمدة دولياً، قبل أن تسقطانها، وهي الحادثة التي فرضت موسكو على إثرها، عقوبات اقتصادية على تركيا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!