ترك برس

لا يخفى على أحد الحضور السوري الكبير واللافت للانتباه بفنه وثقافته ومطاعمه في معظم المدن التركية بشكل عام، وفي مدينة إسطنبول بشكل خاص، الأمر الذي أدى بصحيفة حرييت، إلى تناول هذه الظاهرة بتقرير نشرته في عددها الصادر اليوم، متناولة مظاهر عيش السوريين في إسطنبول بعد مرور 5 سنوات على الأزمة السورية.

ذكرت الصحيفة أن عدد السوريين الذين فرّوا من المعركة الداخلية في بلادهم إلى تركيا بلغ 2 مليون و200 ألف سوري، منهم 250 ألفًا في المخيمات، فيما توزع الباقي في سائر المدن التركية، ويبلغ عدد السوريين في إسطنبول وحدها 330 ألف، ولأن الحرب الناشبة في سوريا طالت، بدأ السوريون في العيش والتأقلم مع الحياة في تركيا، وكأنهم لن يعودوا إلى بلادهم. ولهذا كان من الطبيعي أن نلاحظ ولادة حارة سورية وسط إسطنبول أشبه بالحارة الصينية وسط بريطانيا، حارة سورية حاضرة بفنها وثقافتها وشعرها وإذاعتها ومدارسها ومأكولاتها، حارة تجدون فيها كل شيء انطلاقا من الحلويات الحلبية، مرورا بالشاورما الشامية، انتهاء بالقهوة اللاذقانية، بالإضافة إلى حلقات الشعر التي تعقد في المقاهي، كلها أمور زادت من التنوع والغنى الثقافي التركي.

بمجرد وصولكم إلى جادة "الحسكة" وخصوصا إلى المنطقة الممتدة بين "يوسف باشا" و"فندق زادة" ستجدون أن اللغة المسيطرة هي اللغة العربية، فيما تشهد المنطقة حركة كبيرة وملحوظة بعيد الساعة الرابعة بعد الظهر.

في المنطقة التي تزدحم بالنساء والرجال، الكبار والصغار، رجال الأعمال والطلبة السوريين، والتي يوجد فيها ما يزيد عن 18 مطعما سوريا، نقف عند أول محطة وهي مطعم طربوش الذي يعد من أوائل القادمين إلى تركيا، لنجد صعوبة في إيجاد مكان للجلوس فيه، من الازدحام الكبير الذي يشهده المطعم بسبب روّاده، واللافت للانتباه أنه ليس روّاد المطعم فقط إنما البائع الجوال أيضا الذي دخل إلى المكان لعرض بضاعته كان سوريا.

يقول محمد نزار بيطار صاحب المطعم والذي بدأ عمله في تركيا من خلال فتحه لمحل صغير لصناعة الحمص، والذي تحول فيما بعد إلى سلسلة من المطاعم السورية الكبيرة في إسطنبول وغيرها من المدن: إن الثقافتين التركية والسورية قريبتان من بعضهما البعض إلى حد كبير، في الفترات الأولى كان 90 بالمئة من روّاد المطعم من السوريين، و10 بالمئة من باقي العرب، وبعد مرور زمن زادت نسبة الأتراك الذين بدأوا بارتياد المطعم إلى 35 بالمئة.

ويصف بيطار الأحاديث التي كان السوريون يتناقلونها في البدايات قائلا: "كان السوريون أكثر ما يتحدثون عنه فيما بينهم هو نوم الأتراك في الساعات الباكرة، وتوصية بعضهم لبعض بعدم تشغيل الآلات الكهربائية وإصدار الضجيج في الساعات المتأخرة من الليل".

ويشير إلى أن عددا كبيرا من المطاعم التركية لجؤوا إليهم للحصول على بعض وصفات الطعام الخاصة بالسوريين، لاستقطاب العرب، بعد النجاح الذي لاقته المطاعم السورية في تركيا، وأن عددا كبيرا من المطاعم التركية بدؤوا بتشغيل طباخين سوريين لديهم لتوفير المأكولات السورية، قائلا: إن تركيا حلم جميل بالنسبة إلينا.

 

والمحطة الثانية هي "شاورما أنس" الذي يعد من أكثر المطاعم ازدحاما أيضا، والذي يشبه إلى حد كبير المطاعم الخاصة بالوجبات السريعة والمتواجدة في تقسيم، والتي تشهد ازدحاما كبيرا، كل عبارة في المطعم مكتوبة باللغة العربية، حتى إن البطاقات التي تقطع للزبائن باللغة العربية، ولفت انتباهنا وجود لائحة مكتوب عليها "يلزمنا عامل يجيد اللغة التركية" مما يدل على أن عددا كبيرا من الأتراك يرتادون المطعم، وبدوره أشار السيد محمد صاحب المطعم أن الأمور على ما يرام، وأنهم لا يتمكنون من تلبية الطلبات بسبب الازدحام الذي يشهده المطعم.

وفي محطتنا أمام بائع للحلويات السورية أشار صاحب المحل إلى أنه ما من سبيل لشرح محتويات الحلويات السورية للأتراك الذين يقصدون المكان سوى تقديم قطع من الحلوى لمعرفة طعمها، ومحتوياتها، مشيرا إلى أن المحل يشهد توافدا كبيرا من الأتراك.

 

والمحطة الرابعة هي بن العلبي، لصاحبه أحمد كيخيا من مدينة اللاذقية، وهو مكان لبيع البن السوري، إن صح التعبير نستطيع أن نقول: إنه "ستار باكس سوريا"، يقوم ببيع البن السوري إلى جانب التمر، بالإضافة إلى القهوة المرة، والقهوة التركية، ويرتاد السوريون المحل بشكل كبير، بالإضافة إلى عدد كبير من الاتراك.

ولعل أبرز محطة استوقفتنا وأكثرها جاذبية إلينا هو المقهى الثقافي الذي أقامه السوريون في منطقة فاتح، عند وصولنا إلى المكان كان الشباب السوريون قد بدأوا شيئا فشيئا بالتوافد إلى داخل المقهى، مع نغمات موسيقا الجاز المسموعة إلى الخارج، والتي تسر السامعين، لنقف فيما بعد أمام لوحة ثقافية مذهلة، والتي من شأنها أن تزيد وتعطي غنى للثقافة التركية، لمجرد تواجدها، وقيامها بفعاليات ثقافية مهمة.

إن هذا المقهى الثقافي هو في حقيقة الأمر مركز ثقافي عمل السوريون على إنشائه، تقوم فيه كاتبة معروفة بقراءة كتب، فيما يستمع الشباب إليها، في مشهد ثقافي آثر.

يعد المقهى الثقافي الذي افتتح من قبل الرسام والناشر "سمير قادري" قبل 6 أشهر، والذي أطلق عليه اسم "بيجز" أي الصفحات باللغة العربية، مكانا للقاء الكتاب، والرسامين، والفنانين، وطلاب الجامعة السوريين، يرتاد المكان كتّاب يقرؤون ويوقعون الكتب، ويقوم رسامون بين الوقت والآخر بعرض رسوماتهم، فيما يقوم موسيقيون سوريون بالعزف على آلات موسيقية من شأنها أن تضفي جمالا من نوع خاص على المكان.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!