وداد بيلغين – صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس

في الماضي القريب، ظهرت موضة وصيحة جديدة سمعناها في الدعوات والأصوات المنادية بالأخوة بين الأمم، اليوم قسم من هؤلاء الدعاة للأخوة نجدهم حملوا البوق من جديد يدعون للحرب بين الشعوب، حتى أنه لم يبق إسفاف أو رذالة لم يفعلوها لإطلاق شرارة حرب داخلية في تركيا، لندع هذا جانبا ولنُجب على السؤال التالي: "هل يمكن الحديث عن أخوة بين الشعوب ذات الجذور المختلفة وصاحبة الهويات العرقية المتنوعة؟".

إن وجود الأتراك خارج حدود الأناضول في الشرق الأوسط بشكل عام ضارب القدم في التاريخ، فأول وجود في التاريخ لكينونة الدولة التركية السياسة كان بهذه المنطقة من الشرق الأوسط بما فيها مصر. وبنفس المنطق فإن أول المناطق التي استقرت فيها العشائر التركمانية في عهد الإمبراطورية السلجوقية كانت الأرض التي تعرف اليوم بسوريا.

"القبائل التركمانية الوافدة والتي اتخذت من هذه الأرض وطنا لها استطاعت أن تعيش بتفاهم ووئام مع الأعراق الإثنية الآخر وعلى رأسها العرب الأكراد وشعب الزازا وذلك بفضل جو السلام العام الذي حققته الإمبرطورية العثمانية، وكل هذه حقائق تاريخية مثبتة"، فالأسباب الدينية والسياسية كانت عامل مشترك أسهم في امتزاج هذه الأعراق وإنتاجها لثقافة مشتركة وتحقيقها لوحدة تتسامى فوق كل الاختلافات الموجودة بينها.

سياسة السلطان يافوز سليم

إن قدوم الأتراك وبشكل مكثف إلى أرض الأناضول ليشكلوا أغلبية السكان هناك وبنفس الوقت زيادة التقارب الثقافي مع السكان الأصليين في هذه الجغرافيا لينتج عن هذا التقارب الثقافي زيادة في العلاقات بين الأتراك والسكان المحليين، كان المفتاح لإنشاء إمبرطورية عظيمة في هذه الجغرافية الجديدة وفي المناطق النائية والبعيدة من حوض البحر المتوسط.

كما هو معرف أن الإمبرطورية قد بدأت توسعها إلى الغرب أما انفتاحها على الشرق فقد بدأ مع وصول السلطان يافوز سليم إلى سدة العرش. ولعل من تتبع هذه السلسلة من الانفتاح على الشرق والفتوحات في المنطقة سيلاحظ بداية ظهور السياسة الاستراتيجية للحملة التي بدأها السلطان سليم " فقد قدم الرد الإمبرطوري المناسب على سياسة الشاه إسماعيل الصفوي المطعمة بالتهديدات والقائمة على التفرقة القبلية  والمذهبية. فالاتفاق المعقود مع إدريس البتليسي (نسبة إلى مدينة بيتليس) ليس مجرد اتفاق سياسي ممتد الأثر إلى اليوم وإنما هو شراكة ثقافية وتاريخية أو بلغة أصح هو حكاية تطور الأخوة". فاليوم وبعد أكثر من خمس مئة عام على هذه الأخوة تأتي إيران ومحاولة بشتى الطرق من التفرقة العنصرية بداية إلى الإرهاب العرقي، لتجد في النهاية حزب الاتحاد الديموقراطي/ حزب العمال الكردستاني ضالتها وأساس لعملها لنقض هذه الأخوة.

فإيران وبكل الوسائل المتاحة والمختلفة بما فيها العناصر الواضحة الصريحة أو السرية وبعلاقاتها التي قد كونتها مع أجهزة المخابرات وباستخدام حزب الاتحاد الديموقراطي/ حزب العمال الكردستاني وباتباع "أستراتيجية السيطرة ثم الانتشار" تحاول أن تعيد رسم خريطة المنطقة بشكل فعلي.

السلام والأخوة

على الرغم من أن الوجود الروسي في سوريا والمنطقة يشكل أكثر المواضيع المطروحة للنقاش على الأجندة العالمية والتركية، إلا أنه يجب أن لا نغفل أن كلًا من العراق وسوريا مرتبط بشكل مادي وعضوي بإيران.

إيران وبعد أن فرضت نفوذها وبشكل كبير على الإدارة المركزية في العراق جعلت من الإدارة المحلية لإقليم كردستان العراق هدفا لها، لكن عدم استطاعتها أن تحصل على ما تربو إليه خصوصا بعد نتائج الانتخابات الأخيرة دفعتها لأن تحرض حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديموقراطي  وحزب الله وأن تستخدم العناصر المرتبطة معها بعلاقات عسكرية واستخباراتية  ضد إقليم شمال العراق (كردستان العراق).

من الواضح أن اتفاقات الشراكة بين تركيا وإدارة إقليم كردستان العراق بما فيها اتفاقية الدفاع المشترك ضد إرهاب داعش وتدريب قوات البشمركة  قد أثارت ضغينة إيران وحقدها. فإيران تحاول وبكل قواها مستغلة عدم الاستقرار في المنطقة وانطلاقا من سياستها "الاختلاف العرقي والمذهبي" تحاول أن تعمق عدم الاستقرار وتحافظ على سياستها التوسعية وتفتح لنفسها المجال للانتشار؛ متطلعة  بنفس الوقت إلى موضع تركيا ومكانتها.

"إخوة الشعوب" ليست موضة أو صيحة  لتخرج علينا، إنها نتاج السياسة الإمبرطورية التي ابتدعها  السلطان سليم وهي ما أخرج لنا هذه الأخوة التاريخية والثقافية، أما المنظمات الإرهابية وفي سبيل تحقيق إيران مآربها في سوريا فإنها تعمل على مهاجمة هذه الأخوة من خلال مهاجمة مشروع السلام التركي.

عن الكاتب

وداد بيلغين

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس