إبراهيم كالن - الجزيرة - ترجمة وتحرير ترك برس

في نقده ورفضه القطعي للأساليب المستخدمة في العلوم الطبيعية، يقول بول فاير أباند: إن المبدأ الوحيد الذي يسمح بالتقدم في العلم هو: "كل شيء مباح".

كل ما يساهم في إكمال المهمة مرحب به، ولعله أضاف: هذا الشعار أصبح من العناصر المميزة لمرحلة ما بعد الحداثة: مايحدد الأشياء ليس السبب، الحقيقة، التقليد أو الترابط بل كل ما تتوصل إليه كنسختك عن الواقع.

في حين أن هذا الحكم الغير واقعي لما بعد الحداثة قد فقد الكثير من الحماس له الآن، صوته العابث يفرقع هنا وهناك. يبدو كما لو كان الجدال حول تركيا بين بعض الكتاب الليبراليين واليساريين الغربيين يندرج تحت رعونة أن  "كل شيء مباح" .

مشاركة سلافوج زيزك التي نشرت في صحيفة "نيو ستيتمن" في 9 كانون الأول/ديسمبر مثال على ذلك.

زيزك يدعّي أن ما يسمى "الحرب على الإرهاب" أصبح صراعاً داخل كل حضارة حيث أن كل جانب يدعي محاربة داعش ليضرب عدوه الحقيقي، وربما هذه الجملة الوحيدة ذاتُ معنى في مشاركته التي يحدها التفاهة والتعصب.

جيجك يتهم تركيا بدعم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" ، وبعلاج مقاتليها الجرحى، وتسهيل مرور النفط من خلال الأراضي التركية ، ويلمح إلى أن تركيا قد أسقطت الطائرة الحربية الروسية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني لأنها كانت ستقوم بقصف أهداف لداعش.

ثم تابع بصراخه على الاتحاد الأوروبي لموافقته على دفع 3.3 مليار دولار لتركيا من أجل اللاجئين السوريين.

زيزك لا يعمل فقط على منطق وهمي إنما على فشل مخيف أكبر للحصول على حقائقه .يستخدم قصص ملفقة تنشرها مواقع الدعاية الإيرانية والروسية لمهاجمة تركيا.

مصادره ، بما في ذلك أخبار AWD، ليست صحيحة ومختارة بشكل سيئ، حتى أن محرري " New Statesman" عليهم إزالة جزء من المشاركة التي نسب فيها زيزك بياناً كاذباً تماما  عن هاكان فيدان، رئيس المخابرات التركية.

ادعائه بأن القنابل الروسية تفجر أهداف داعش قد تم دحضه عدة مرات من قبل جميع المصارد الموثوق بها، في الواقع منذ أن بدأت حملتها الجوية 90 بالمئة من غاراتها الجوية استهدفت جماعات المعارضة السورية والمدنيين الذين لا علاقة لهم بداعش بأي شكل.

لا يوجد إرهابيين من داعش في منطقة داغي التركمان جسر الشغور في إدلب، وعدد المدنيين الذين قتلوا بسبب القصف الروسي قد تجاور ال700 حتى الآن.

إذا كان زيزك يهتم، سأكون سعيداً بإن أرسل له خارطة لسوريا تظهر القصف الروسي حتى يتمكن ولو لمرة واحدة أن يحصل على حقائقه بشكل صحيح.

ادعاءات زيزك الكاذبة حول مساعدة تركيا السرية لداعش هو ارتجاع من أفكار مبتذلة تطلقها موسكو هذه الأيام،

الأمر المضحك هو أنه بغض النظر عن كونه خصم قويه لآلة الدعاية الروسية إلا أنه يقف إلى جانبها حين يتعلق الأمر بمهاجمة تركيا.

باعتباره الفيلسوف الذي يتحدث كثيراً عن الصدق ويشكوعدم وجوده في الحوارات السياسية، على زيزك على الأقل أن يأخذ وقتها ليتحقق صحة هذه الادعاءات الكاذبة قبل أن يستشهد بها بحرية.

الأمر نفسه ينطبق على ادعائه بأن تركيا تشتري النفط من داعش. هذا الادعاء ليس له اي أساس واقعي.

ولكن ما نعرفه عن الواقع هو ما يلي:  الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد أقروا على الأشخاص الرئيسيين الذين يشترون النفط من داعش نيابة عن نظام الأسد ، هم يدرجون جورج حسواني رجل الأعمال السوري، "مدلل خوري" المصرفي السوري، و"كيرسان ايليومجينوف" رجل الأعمال الروسي الثري ورئيس الاتحاد الدولي للشطرنج.

إلى جانب الحقائق البسيطة، وهنا القضية التراجيدية الهزلية من التعصب الفكري المربك :  فيلسوف اليسار الليبرالي دعم المطالبات الإيرانية والروسية دون أن فحص واحد للحقائق لمهاجمة تركيا ، التي تستضيف 2.2 مليون لاجئ سوري بسبب الطيران وحشية  واللاأخلاقي لحرب الأسد.

إذا كان زيزك يهتم حقا للشعب السوري واللاجئين،فيجب عليه أن يشكر تركيا لإنقاذها الآلاف من الرجال والنساء والأطفال من الأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجرة ،و قذائف الهاون والهجمات الجوية.

بالمناسبة، إن ال3 مليار يورو التي على ما يبدوأنها أغضبت زيزك لم تدفع لتركيا، إنما ليتم إنفاقها على اللاجئين السوريين. والهدف من المال هو حماية الشوارع الأوروبية والحدود وليس تركيا أو السوريين. على زيزك أن يتفحص السجل المشين لبلاده والدول أوروبية الأخرى في تعاملها مع قضية اللاجئين.

لمعلوماته، تركيا هي جزء من تحالف محاربة داعش وقد فتحت مجالها الجوي وقواعدها الجوية للحلفاء، حتى الآن تركيا قد رفضت دخول 33,746 شخص من 123 بلد للاشتباه بهم بالانضمام إلى أعمال إرهابية في سوريا.

أما بالنسبة للادعاء بأن تركيا تقاتل الأكراد الذين يقاتلون داعش في سوريا، هو مثال آخر على الغرور والجهالة . تركيا تقاتل ضد حزب العمال الكردستاني "البي كي كي"  الإرهابيين في تركيا والعراق حيث لديهم العديد من المعسكرات التدريبية.

على مدى الأشهر الستة الماضية، وحزب العمال الكردستاني الذي هو على لائحة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قد قتل أكثر من 100 مسؤولا أمنيا ومدنيين بينهم العديد من الأكراد.

حزب العمال الكردستاني يحاول إخفاء جرائمه الإرهابية بحجة محاربة داعش. والحقيقة هي أن تركيا لا تقوم بقصف أي أهداف كردية في سوريا.  هي تسعى فقط وراء إرهابيي حزب العمال الكردستاني الذين يعرضون أرواح الأتراك والأكراد للخطر.

قد يكون من المفيد أن نذكر زيزك أنه تركيا من فتحت أبوابها للشعب الكوباني العام الماضي عندما كانت المدينة تتعرض للهجوم من قبل داعش. وكانت أيضا تركيا التي سهلت مرور قوات البيشمركة العراقية والجيش السوري الحر لكوباني لطرد داعش من المدينة.

وكان السبب في عدم حصول مذبحة للمدنيين في كوباني لأن تركيا سمحت لأكثر من 190،000 من سكان المدينة بالدخول في غضون ايام واستضافتهم في مخيمات اللاجئين في تركيا.

حتى يومنا هذا، لا تزال تركيا تقوم بإرسال مساعدات انسانية وغذائية ودوائية وحليب وحفاضات للأطفال الرضع واحتياجات حيوية أخرى إلى الأكراد والعرب والتركمان من سوريا.

في غضون ذلك، منظمة العفو الدولية اتهمت حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) - فرع حزب العمال الكردستاني السوري - بارتكاب "جرائم حرب" ل "هدم القرى" في تل الابيض حيث اضطر الآلاف من السكان العرب والتركمان في المدينة إلى الفرار من منازلهم.

زيزك الذين يبدو أنه ضاق ذرعاً بهذه المعركة غير الحاسمة ضد الإرهاب، لا يقول كلمة واحدة عن إرهاب حزب العمال الكردستاني. آمل أن يكون هذا ليس لأنه يتبنى الابتذال اليساري القديم أن العنف الذي يرتكبه اليسار هو "ثورة" لكن العنف التي يرتكبه اليمين هو "فاشي" .

إذا كنا ضد الإرهاب ، يجب أن نكون ضدهم جميعهم سواء كانواتنظيم القاعدة " داعش" ، بوكو حرام، حركة إيتا، أوإرهاب حزب العمال الكردستاني.

حقيقة أن حزب العمال الكردستاني هو منظمة إرهابية ماركسية لينينية لا يعفيه ذلك من جرائمه.

علينا أن نقاتل ضد داعش وأمثاله بكل الوسائل الممكنة. كما سبق وقلت، يجب على المسلمين أن يلعبوا دورا قياديا في هذه المعركة.

ولكن علينا أيضاً ان نطرح الأسئلة حول موجة التطرف في أوروبا التي تنتج مسحلي داعش من جهة، ومن جهة أخرى التطرف ، فوبيا الغرباء،  والعنصرية ، مثل بيغيدا والنازيين الجدد في ألمانيا، أندريس بريفيك في النرويج وغيرهم في جميع أنحاء أوروبا .

حقيقة أن الغالبية العظمى من الأعمال الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة التي يرتكبها الإرهابيون ناتجة من الداخل يجب أن تكوندعوة لليقظة من فشل التعددية الثقافية والتصورالاجتماعي في المجتمعات الغربية.

بدلا من اختلاق ادعاءات مثيرة للضحك بأن تركيا هي المسؤولة بشكل ما عن الهجوم باريس، ينبغي على زيزك الالتفات إلى الحقائق على أرض الواقع.

يحق لكل شخص، بما في ذلك الفلاسفة بعمل تصريحات سياسية حول القضايا الراهنة. ولكن! ليس لأحد الحق في طي الحقائق واتهام بلد بأكمله استناداً على ادعاءات متناقضة ودعاية رخيصة.

لا، ليس صحيحاً أن "كل شيء مباح" عندما يتعلق الأمر بالحديث عن تركيا. الحقائق والتفاصيل والأدلة والترابطات تهم . أسلاف زيزك بما في ذلك ميشيل فوكو وجاك لاكان لم يقوموا بتداول أي من هذه التفاهة الفكرية.

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس