ترك برس

بعد انتهاء السيطرة العثمانية عن منطقة الشرق الأوسط بشكل كامل ما بين عامي 1916 ـ 1917، أصبح الشرق الأوسط مسرحًا حيويًا للعديد من الحروب الجيوسياسية التي أضحت  المعلم الرئيسي لمنطقة الشرق الأوسط.

وعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى التي ساهمت في إسقاط الدولة العثمانية بشكل كبير، بدأ التنافس الجيوسياسي على منطقة الشرق الأوسط جليًا بين بريطانيا العظمى وفرنسا، وعقب انقضاء الحرب العالمية الثانية ظهرت بعض معالم الهون والهرم على بريطانيا وفرنسا، فتسلم راية التنافس الجيوسياسي على منطقة الشرق الأوسط كل من قيادة القطب الغربي "الولايات المُتحدة الأمريكية" وقيادة القطب الشرقي "الاتحاد السوفييتي".

وعشية غياب القوة السوفييتية عن الساحة، تفردت الولايات المُتحدة بتطبيق الخطط الجيوسياسية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، ولكن إبان الحرب على العراق، اتسم التنافس الجيوسياسي على منطقة الشرق الأوسط بالتنوع والعديد من التعقيدات.

ويرصد الباحث السياسي التركي "أيدين بولات"، في دراسة أكاديمية بعنوان "الحرب الجيوسياسية وتركيا"، نُشرت على الصفحة الرسمية لمعهد التفكير الاستراتيجي بتاريخ 26 كانون الأول/ ديسمبر 2015، هذه التعقيدات الجديدة، مبينًا أن التنافس الجيوسياسي ظل جيوسياسيًا استراتيجيًا خالصًا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية "خلف الاتحاد السوفييتي التي عادت إلى الساحة الدولية بعد عام 2000، ولكنها تغيرت إلى جيوثقافية "مذهبية" بين إيران "القطب شيعي المذهب" والسعودية "القطب سني المذهب" وتركيا "السنية" ولكن الممثلة للديمقراطية بخلاف المملكة العربية السعودية، وجيواقتصادية بين الاتحاد الأوروبي "علماني وديمقراطي المنحى، يُعطي الإنسان الدرجة الأولى من الأهمية" والولايات المتحدة وروسيا وإيران "الذين يعملون على دعم الأنظمة المقربة لهم بغض النظر عن ديمقراطيتها أو ديكتاتوريتها".

ويتابع بولات حديثه موضحًا أن "تركيا في هذه الحرب الجيوسياسية المُعقدة، تسعى إلى دعم الثورات المطالبة بالحرية والكرامة والحقوق الطبيعية، لأن القيادة التركية ترى أنه لا سبيل للاستقرار والأمن الدائمين في منطقة الشرق الأوسط إلا من خلال ركائز العملية الديمقراطية التي تكفل لجميع الفئات والأطياف المشاركة في العملية السياسية دون أي قيد أو شرط، مما تجعل التنافس سياسيًا ناعمًا بعيدًا عن التنافس العسكري".

ويرد بولات على المُدعين بأن منطقة الشرق الأوسط مُعقدة و"رجعية" ولا يمكنها تطبيق المعايير الديمقراطية، بالقول إن "من يدعي ذلك لا يعي التاريخ، لينظر من يدعي ذلك إلى التاريخ القديم للدول الأوروبية التي مزقت بعضها البعض بسبب الخلافات الدينية المذهبية والاقتصادية، ولكنها اليوم دول يُضرب بها المثل من ناحية تطبيق الأسس الديمقراطية وإرساء دعائم التوافق السياسي والاقتصادي في شؤونها الداخلية وفيما بينها".

ومن جانبه، يوضح الباحث السياسي في مركز الحكماء للأبحاث الاستراتيجية "بيلغ سام" البروفسور "أتيلا صانديكلي"، في دارسته الأكاديمية "الجيوسياسية وتركيا؛ الفرص والمخاطر"، أن "تركيا تسعى إلى تحقيق هدف جيوسياسي "موضوعي" في منطقة الشرق الأوسط، يعتمد هذا الهدف على أساس "الكسب المتبادل" وليس "الكسب الفردي"، وترى تركيا أنه لتحقيق ذلك لا بد من إرساء دعائم الديمقراطية الحقة في منطقة الشرق الأوسط، ولهذا السبب دعمت الثورات العربية المُطالبة بالحرية والكرامة".

ويردف صانديكلي تعليقه على هذا الخصوص بالقول إن "تركيا اليوم تواجه تحديًا جسيمًا من قبل عدد كبير من الأطراف الدولية التي تهدف إلى تحقيق مآرب متنوعة في منطقة الشرق الأوسط مقوضةً بذلك الجهود التي تبذلها تركيا من أجل تحقيق ما ترنو إليه، بعض هذه العناصر يعتمد على أساليب مذهبية والبعض الآخر أساليب سياسية أمنية، وجميع هذه العناصر مضادة من ناحية الفكرة والهدف لتركيا، ولا يتشابه مع تركيا من ناحية الفكرة والهدف سوى الاتحاد الأوروبي كمؤسسة وليس كدول، لأن بعض دوله تقدم في بعض الأحيان على دعم الأنظمة الدكتاتورية بلا أي مبدأ ديمقراطي حقيقي والمثال الألماني والإنجليزي على ذلك واضح وجلي".

تسعى تركيا اليوم إلى إكمال مشوارها في دعم القوات الثورية المُعتدلة المتواجدة في سوريا واليمن غيرهما معنويًا ولوجستيا ً، لكي تتمكن تلك القوات من تحقيق أهدافها في نيل الحرية وإرساء الكرامة والحقوق لبلدانهم، ولكن في ظل تواجد العديد من الدول التي تسير على منهج جيو سياسي مضاد لتركيا في منطقة الشرق الأوسط، فإن ذلك يصعب المهمة على تركيا بشكل كبير.

ويرى البعض أنه لا بد لتركيا من التقارب بشكل أكبر إلى الاتحاد الأوروبي الذي يوافقها بعض المبادئ، لكي يتمكنا من التحرك المشترك في دعم هذه الثورات معنويًا وماديًا لتتمكن من الوصول إلى أهدافها المنشودة، وتحاول تركيا إقناع الاتحاد الأوروبي بضرورة دعم القوات الثورية في منطقة الشرق الأوسط، من خلال التلويح بأن نيران الحروب لا يمكن أن تبقى محصورة في منطقة معينة بل يمكن أن تطال نتائجها السلبية العديد من الدول، وهذا ما حدث للاتحاد الأوروبي الذي يواجه تدفقًا هائلًا للاجئين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!