عبد القادر سلفي - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

عندما كان سليمان دميريل رئيسا للوزراء، كان من أشد المعارضين للنظام الرئاسي، وعندما تحدث عن الموضوع الرئيس تورغوت أوزال، ثار دميريل وأعلن عن رفضه المطلق لموضوع النظام الرئاسي، ودافع عن النظام البرلماني، لكن بعد ذلك توفي أوزال، وأصبح دميريل رئيسا للجمهورية، والكل كان ينتظر منه أنْ يستمر في الدفاع عن النظام البرلماني، لكنه غيّر رأيه وأصبح من أشد المدافعين عن تطبيق النظام الرئاسي في البلاد، وهذا يعني أنّ دميريل دافع عن النظام الرئاسي بعدما أصبح رئيسا للجمهورية.

في المقابل، فإنّ رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان، كان يطالب بتطبيق النظام الرئاسي منذ أنْ كان رئيسا لبلدية إسطنبول الكبرى، وحينها دخلت تركيا أجواء هذا الجدل من جديد، لأنّ لباس النظام البرلماني أصبح ضيقا لهذه الدولة، وأصبح لا يكفي لإدارة شؤونها، فهناك أسباب تكمن خلف تكرار الحديث عن النظام الرئاسي، وهي تحقيق الاستقرار، والانعتاق من الوصاية، وجلب نظام أكثر فعالية.

أصل المشكلة لا يكمن فقط في مناقشة موضوع النظام الرئاسي، وإنما عدم وجود نظام برلماني قوي، فنحن إلى الآن نعيش على نظام برلماني جاء به دستور انقلاب عسكري حصل في الثمانينات، لكن تسمية نظام فيه رئيس جمهورية ورئيس وزراء يتناصفون الصلاحيات، بنظام برلماني، لا يجعله في الواقع كذلك.

والسبب الذي لا يجعل هناك أزمة بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية في الوقت الراهن، يكمن في الانسجام بينهما، لكننا دفعنا ثمنا باهظا في الماضي، من خلال الانقلابات، والفراغ السياسي، وعدم الاستقرار، ولذلك علينا أنْ نسأل أنفسنا لماذا انعتقت دول اليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا من هذا النظام خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والنتيجة كانت تطور تلك الدول الشرق آسيوية، وبقاء تركيا خلفهم.

تشكلت في تركيا بين عامي 1970-1980 ثلاثة عشر حكومة، فلم يكن هناك استقرار سياسي، وبعض الحكومات مارست عملها لمدة خمسة أشهر فقط، بل إنّ الدولة التركية، وُجد فيها حكومة عملت لمدة 23 يوما فقط، فمثل هذه الحكومة لا تستطيع حتى دفع رواتب الموظفين، وفي تلك الأعوام المذكورة كان معدل عُمر الحكومة التركية 9 أشهر و23 يوما.

وبين عامي 1991 و2002، تشكلت 10 حكومات لإدارة تركيا على مدار 11 عاما، وحينها أصبح رؤساء الوزراء لا يستطيعون تذكر أسماء الوزراء من كثرة الحكومات المتعاقبة، ولهذا أصبحوا يقولون أهلا بك سيدي الوزير، دون أنْ يذكروا اسمه، في تلك المرحلة كانت الوصاية العسكرية تهيمن على الدولة، والمشكلة الكردية في أوجها، والعلوية كذلك، وسبب عدم النهوض بالدولة في تلك الفترة هو الأنظمة السياسية الضعيفة وغير المستقرة.

عندما نبدأ في عملية إنشاء دستور جديد للبلاد، سنتعرف على الشكل الذي يريد حزب العدالة والتنمية تشكيل النظام الرئاسي عليه، وقد ذكر رئيس لجنة الدستور السيد مصطفى شنتوب عن أنّ "ما يريده الحزب هو تشكيل نظام رئاسي على طريقة النظام الأمريكي"، استنادا على هيكل وحدوي، ومجلس واحد، وصلاحيات متبادلة بالإقالة بين الرئيس والبرلمان.

هذه هي النقاط الرئيسية التي يريدها حزب العدالة والتنمية، لكن ما يزال عليه توضيح نقاط تتعلق بالرقابة والتوازن، وفصل السلطات، وصلاحيات اتخاذ القرارات، وغيرها، ونحن هنا نتناقش النظام الرئاسي، لكن المعارضة التركية تتحدث عن نظام برلماني قوي، وبالتالي سنفهم خلال هذه العملية أيضا ماذا يقصدون بالنظام البرلماني القوي.

لا شك بأنّ الأرضية التي وضعها اردوغان هامة جدا، حيث صرّح بأنّ "أهم ما في هذا الموضوع هو الحصول على توافق مجتمعي حوله"، ولذلك فإنّ الشعب هو من سيقرر هل سننتقل إلى النظام الرئاسي أم لا، ولن يخرج أردوغان على ظهر الدبابة ويقول تحوّل النظام في تركيا إلى نظام رئاسي، هذا أولا.

أما الأمر الثاني، فتستمر النقاشات حول النظام الرئاسي وتتمركز حول شخص أردوغان، لكن هل اردوغان وصل إلى منصب رئيس الجمهورية من خلال انقلاب؟ أم ورثه من أبيه؟ ولو اختار الشعب التركي بنسبة 52% أكمل الدين إحسان أوغلو، ألم يكن سيصبح رئيسا للجمهورية بدلا من أردوغان؟ أم أنّ صلاح الدين دميرطاش حصل على هذه النسبة وتم منعه من أنْ يصبح رئيسا للجمهورية؟

أردوغان صعد من رئاسة البلدية إلى رئاسة الجمهورية من خلال أصوات الشعب التركي، ولم يحصل على أي منصب بطريقة استبدادية، وإنما أصبح رئيسا للجمهورية من خلال أصوات الشعب، بل إنه كان رئيسا للبلدية، واختطفوه منها، وألقوه في السجن، ودفع الثمن، فماذا عمل؟ هل خرج وصعد إلى الجبل لمحاربة الدولة؟ بل أسس حزب العدالة والتنمية، ومنعوه من دخول الانتخابات، لكنه في المحصلة أصبح الحزب الحاكم، ثم اصبح اردوغان رئيسا للوزراء، وحارب وكافح بطرق ديمقراطية مشروعة، فعندما كان يريد أنْ يصبح رئيسا للوزراء، كان يطلب أصوات الشعب، ولو لم يعطه الشعب ثقته، لما أصبح رئيسا للوزراء.

فكما اختيرت ماركيل في ألمانيا، وكاميرون في إنجلترا، وهولاند في فرنسا، وأوباما في أمريكا، كما اختير هؤلاء رؤساء للوزراء او رؤساء لدولهم، فإنّ اردوغان اختير رئيسا للوزراء ورئيسا للجمهورية بنفس الطريقة، فهل هذه الأمور حلال على أوباما وميركل وكاميرون، وحرام على أردوغان؟

عن الكاتب

عبد القادر سلفي

كاتب في صحيفة حرييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس