جلال سلمي - خاص ترك برس

أثبتت الثورة الفرنسية التي امتدت لأكثر من خمسين عام، أن نيل الحرية في الرأي والتعبير ونيل الحقوق السياسية والمدنية ليس بالأمر الهين، بل هو أمر جلل يحتاج إلى توظيف كافة الطاقات الاجتماعية والسياسية لنيلها، إذ يعد نيلها أمرًا شبه مضمون إذا توفرت العزيمة والإرادة، وهذه هي القاعدة التي يختصرها الشاعر العربي في شعره "إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر".

بعد انطلاق ثورات الربيع العربي المطالبة بالحرية والكرامة والحقوق، انتفضت ضدها العديد من الثورات المضادة المُحبطة والمقوضة لها، وهذا ما جعل الثورات المطالبة بالحرية تتحول من ثورات شعبية إلى حروب داخلية مذهبية قبلية شرسة في بعض المناطق والبلدان، إلا أن أصحاب هذه الثورات ما زالوا يؤكدون أنهم بعيديو كل البعد عن النزعات المذهبية والقبلية المُفتعلة من قبل بعض القوى العالمية والإقليمية، وأنهم ما زالوا يطالبون بحقوقهم الإنسانية بكل عزيمة وإرادة وهم ماضون قدمًا في هذا الدرب حتى يتمكنوا من تحقيق ذلك الهدف المنشود.

وفي سياق متصل وعقب انطلاق ثورات الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط، بات البعض يتسأل عن حريات الرأي في الدول الموجودة في منطقة الشرق الأوسط والتي لم يحدث بها ثورات ضخمة مثل بعض البلدان العربية، وأول دولة تخطر على البال كمثال عند ذكر ذلك المقال هي تركيا.

في هذا الصدد، يرى البروفسور الدكتور الحقوقي "واحد بيجاك"، الكاتب السياسي في صحيفة "وحدة"، في مقاله "حرية التعبير في تركيا، نُشرت بتاريخ 12 كانون الثاني/ يناير 2016، أن الدستور التركي شمل حقوق الإنسان وحقوق الرأي والتعبير في المادة الثانية عشر "التي عرفت طبيعة الحقوق وأسسها" والمادة الثالثة عشر "التي نصت على أن الحقوق يجب ألا تتعارض مع الأمن القومي ولوائح المؤسسات الحكومية والأخلاق العامة" والمادة الخامسة عشر"التي نصت على أن بعض حقوق الإنسان وحقوق الرأي والتعبير تُلغى في حالة الحرب والطورائ" والمادة السادسة عشر "التي ضمنت الحقوق للأجانب المتواجدين على الأراضي التركية" وغيرها من المواد التي تم إلحاقها  بالقسم الثاني للدستور التركي الذي كفل تلك الحقوق وأوجب على الحكومات التركية المتعاقبة المثول لها وعدم اجتيازها".

وإلى جانب ذلك، يشير بيجاك إلى أن المادة 301 من قانون العقوبات التركي تنص على أن حق التعبير عن الرأي والفكر مضمون ومكفول لكافة المواطنين ولكن دون أن يمس الأمن القومي وشخصيات الدولة المرموقة "رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، رئيس المحكمة الدستورية، الوزارات، الجيش، مجلس الشعب".

وفي دراسته الأكاديمية "حرية التعبير في تركيا والعوائق التي تواجهها؟"، نشرت على الصفحة الرسمية لنقابة الحرية الخضراء التركية، يؤكد الباحث الحقوقي "شنار يورتدابان" أن الحقوق الإنسانية الأساسية وحقوق التعبير عن الرأي والفكر في تركيا، كُفلت وبشكل جيد في الدستور والقوانين التركية، وفي حين تم مقارنة تركيا مع دول أخرى، إيران مثلًا، نجد أن المستوى الحقوقي والقانوني للتعبير عن الرأي والفكر جيد وموفق.

ويضيف يورتدابات محاولات تركيا الدخول للاتحاد الأوروبي خلال الأعوام الماضية أثرت بشكل إيجابي على مستوى الحقوق والقوانين الخاصة في تركيا، وجعل مستوى الحقوق العام والخاصة في تركيا مستوى جيد وإيجابي مقارنة ببلدان الشرق الأوسط الأخرى.

وعلى صعيد آخر، وعلى الرغم من احتواء القوانين التركية على عدد من المواد التي تضمن حرية التعبير والرأي وعلى الرغم من الدعم السياسي والاجتماعي والمدني لحرية التعبير والرأي في تركيا، إلا أنه وحسب تقارير منظمة صحافيين بلا حدود الدولية "أر سي في" الخاصة بحقوق الصحفيين لعام 2015، فقد احتلت تركيا المرتبة 138 من بين الدول التي توفر حرية التعبير والرأي للصحفيين، كما أن هناك 190 دعوة مقدمة ضد الحكومة التركية من قبل بعض المؤسسات الصحفية إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية.

وتعليقًا على هذه النتائج، يقول الباحث الإعلامي "أرام دوران"، في مقاله "تركيا وحرية التعبير عن الرأي"، نُشر على موقع "غوندام" التركي، إن حصول تركيا على مرتبة 138 في تقرير منظمة صحافيين بلا حدود الدولية لأمر مؤسف، ولكن يبدو أن هذه الاحصاءات بحاجة إلى عملية رصد أكثر دقة، إذ أنه لم يتم اعتراض أي وكالة إخبارية أو مراسل صحفي أو كاتب سياسي أثناء تغطية الأحداث الأكثر حساسية في تركيا، مثل أحداث "غيزي بارك" وأحداث العمليات الجارية في مدينة "دياربكر" وإنتقاد الحكومة في بعض أساليبها، ولكن تبقى هذه المرتبة رسالة تنبيهية لتركيا لمراجعة حسابتها بما يخص حرية الصحافة والتعبير عن الرأي والفكر".

ويتابع دوران مبينًا أن لتركيا في أول الأمر وآخره مصالح قومية حساسة تستدعي الحماية والحصانة في بعض الأحيان، وهذا يعني أنه من الغير معقول القبول ببعض الدعاوي التي قُدمت من قبل الصحفيين والكُتاب الماسين بالأمن القومي أو الشخصيات المرموقة في تركيا على أنها معيار أساسي لقياس حرية التعبير والرأي في تركيا، ولا بد من الإقامة في تركيا ولو لفترة وجيزة للتعرف أكثر على حجم الحرية التي تقدمها الحكومة التركية لمواطنيها والأجانب للتعبير عن أرائهم وانتقاد سياسات الحكومة".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!