ترك برس

قال رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط التركي، الدكتور "شعبان كاردش"، إنه "لا يبدو في الأفق احتمال تقارب بين سياسة تركيا والولايات المتحدة الأمريكية"، مضيفًا أن "المرحلة القادمة التي ستتكثف فيها الجهود الدبلوماسية، ستكون الأولوية للخلافات بين تركيا وبين الولايات المتحدة الامريكية".

وأشار كارداش، في تقرير له بعنوان "سياسة تركيا حول سوريا على ضوء مفاوضات جنيف: بين الولايات المتحدة الامريكية وبين الحقائق"، أن "تحقيق أهداف تركيا في سوريا، يستند منذ بداية الأزمة على احتمال توجيهها لسياسة الولايات المتحدة الامريكية نحو اولوياتها، وبنتيجة عدم امكان تحقيق هذا الشرط الحيوي وجدت انقرة نفسها في هذا المأزق القائم الآن".

وأوضح الخبير التركي، أن "تركيا تواجه الآن المأزق الذي خلقته الظروف الميدانية المتغيرة بسرعة فائقة اضافة الى سياسة الولايات المتحدة الامريكية التي تتخوّف من التدخل في هذه المعضلة، وقد تحركت واشنطن في المراحل الاولى للأزمة بشكل يتضمن حل الأزمة السورية والصراع ضد داعش عن طريق تأييد مجاميع المعارضة المعتدلة بما يتماشى مع مبادئ جنيف 1 وعن طريق البدء بمرحلة انتقالية سياسية تكاد تكون متقاربة مع التقارب الشامل في الموضوع، غير ان واشنطن بدأت بالابتعاد عن هذا الموقف بمرور الزمن، وذلك ما يزيد من الهوة الموجودة بينها وبين تركيا، ان الازمة السورية اضحت من وجهة النظر الامريكية واجبة الاستمرار مهما كلّف الأمر مع تقليص الأمر بهدف انقاذ الظواهر الى مستوى وتيرة دبلوماسية مع نضال فارغ من المحتوى ضد الإرهاب".

ولفت إلى أن "المبادئ الرئيسية التي كانت في البداية تعمل على وضع السياسة الامريكية الخاصة بسوريا ضمن اطار معين، وكذلك الهوّة التي تزداد اتساعا في الموقف الحالي لإدارة اوباما، اضحت تؤثر بشكل سلبي على التحالف التركي – الامريكي. وقد اضحت انقرة التي بدأت تحسّ بنيران الحرب الاهلية التي ازدادت عمقا نتيجة تدخل روسيا وايران، تشعر بنوع من عدم الراحة بسبب موقف واشنطن الذي ينبئ بعدم المبالاة ازاء القلق الأمني التركي الناشئ عن الوضع في سوريا".

ورأى كاردش أن "خيبة الأمل تجاه واشنطن تزداد في الساحة العسكرية مع كل يوم يمر. ان سير برنامج (التدريب والتجهيز)  المنكود يؤكد على عدم كفاية سياسة الولايات المتحدة الامريكية الحالية في معرض تعضيدها لأقوالها باجراءاتها وفي تأثيرها على التطورات الميدانية. وبالاضافة الى عدم تمكّن انقرة من تحقيق اولوياتها المتمثلة في انشاء منطقة آمنة في شمال سوريا والحيلولة دون حصول منظمة PYD على التأييد المباشر، فانها أحست باضرار سياسة الولايات المتحدة الامريكية غير المتحمّسة في ميادين مختلفة"، مبينًا أن "خيبة الأمل الموجّهة نحو الولايات المتحدة الامريكية تظهر في الميدان الدبلوماسي ايضا. وتفكر انقرة في ان الولايات المتحدة الامريكية تسوّق اي تطور دبلوماسي على انه نجاح. وحتى مبادرات روسيا حول فصل وتيرة فينا عن اطار جنيف 1 وتسويق رؤاها الذاتية المحرّفة، يمكن النظر اليه على انه تطور مثير للقلق يدل على استسلام واشنطن لهذا المنطق. وفي حين اضحى التدخل الروسي عاملا من وجهة نظر انقرة في تغيير قواعد اللعبة تغييرا سلبيا، فان واشنطن تقوم بتأييد هذا التدخل بنظرة تفاؤلية بأمل ان يفتح ذلك بابا نحو حل سياسي".

وتابع كاردش قائلًا: "واذا ما قسنا الوضع والظروف الحالية بالمقارنة مع بداية التدخل الروسي في نهايات ايلول/ سبتمبر 2015، نجد ان ذلك لم يكن ليساعد على بدء وتيرة سياسية دائمة. ان التطورات التي فتحت السبيل امام تأسيس مجموعة تاييد سوريا الدولية التي جمعت اللاعبين الدوليين والمناطقيين في بودقة واحدة، وتفاهم فينا الذي ظهر بنتيجة ذلك، قد فسح المجال لتفهّم دولي صعب المنال مفاده امكانية تأسيس ذلك على اساس من وتيرة سياسية. غير ان التدخل العسكري الروسي الذي لا يمكن التحكّم فيه او قطع السبيل امامه، قد ادى الى تخلخل تلك الارضية المشتركة وبسرعة كبيرة، لقد حققت روسيا انتقالا عسكريا ميدانيا بمستوى يفوق متطلبات الكفاح ضد داعش وهي تستخدم ذلك الآن من اجل تغيير التوازنات العسكرية. وبالرغم من قرار مجلس الامن التابع لهيئة الامم المتحدة رقم 2254 الذي صادق على تفاهم فينا وعلى نتائج فينا والرياض، فان هجمات نظام الاسد المدعوم من قبل روسيا وايران، قد قللت من الرغبة الى الانتقال نحو حل سياسي يتسق مع مفاهيم جنيف 1. وبالاضافة الى ذلك، فقد تحقق تقدم ضئيل جدا في مجال التدابير التي تزيد من الثقة مثل رفع الحصار المفروض على المجمعات السكنية الاهلية وتسهيل ايصال المساعدات الانسانية وايقاف قصف المجمعات السكنية دونما تمييز، مما ادى الى ضعف تمسك المعارضة بالوتيرة السياسية".

وخلص إلى أن "هذا المشهد الذي نشاهد فيه تهرّب واشنطن من عرض قوته الدبلوماسية، يرينا ان من الصعوبة بمكان ان يكون المرء متفائلا ازاء امكانية تفعيل وتيرة سياسية قابلة للديمومة. وتتابع انقرة بدون رغبة او تحمّس المواجهة من قبل واشنطن ازاء تصرفات موسكو غير الملتزمة. ان ادارة اوباما غير راغبة في موضوع تطبيق اولوياتها هي، وانها لا تقوم بعرض ارادتها نحو تغيير الشروط المفروضة على الساحة عن طريق فرض منظورها الذاتي. وفي خضم هذا الوسط فانه لم يبق لدى تلك الادارة من شئ غير الأمل في نجاح الخيار الذي تضعه روسيا امامها".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!