كورتولوش تاييز - صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس

قبول الولايات المتحدة وروسيا بحزب الاتحاد الديموقراطي كشريك وحليف فتح باب النقاش الداخلي التركي حول مدى صلاحية ونجاعته السياسة التركية المتبعة مع الحزب. ففي عالم السياسة والإعلام في تركيا نرى ومع توالي الأيام ازدياد عدد الذين يؤمنون بخطأ وعدم إصابة السياسة التركية اتجاه حزب الاتحاد الديمقراطي وتنادي هذه الأوساط بالتعامل مع الحزب كما تتعامل معه روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وأن ترفعه أنقرة إلى درجة "حليف" ويحاولوا أن يربطوا جميع الصعوبات التي عايشتها تركيا على صعيد القضية السورية بنظرة أنقرة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي كحزب "إرهابي".

فمعظم الانتقادات المتعلقة بحزب الاتحاد الديموقراطي تظن بضحالة وعدم عمق السياسة التركية الخارجية وترى أن النظرة التقليدية في الدولة القديمة المتعلقة بالمسألة الكردية ما زالت تفرض نفسها على الساحة  وعلى القرارات المتخذة فيما يتعلق بالشان السوري وأن الدولة لم تستطع أن تتخلص من تأثيرات الدولة القديمة وأن الدولة لم تتغير وأن الدولة الجديدة لم تولد بعد. فيما يرى قسم آخر أن "الدولة لا تفكر على نطاق واسع" ويؤمن بمحدودية وضيق نطاق الفكر المتبع من قبل رجال السياسة في الدولة.

لكن مشكلات السياسة الخارجية ليست من البساطة ليمكن تفسيرها "بالتفكير" أو "عدم التفكير"، أو وسع نطاق الرؤية أو ضيق الفكر. فالتغيرات في الحوار لا تعني تغيرات في السياسة، فالسياسة المتبعة وفي أي مجال كان ليست وليدة ليلة وضحاها ولا يمكن تغيرها بأيام أو حتى سنوات معدودة. فالمواضيع التي تستهلك الكم الأكبر من الجهود ومن الزمن هي التي يمكن أن نشهد تغيرات في سياستها ويمكن أن نحصد بعض ثمار نجاح هذه السياسة الوليدة.

يبدو واضحا أن الدولة تعيش تحت ضغوط جدية فيما يتعلق بمسالة حزب الاتحاد الديمقراطي، في الحقيقة تسعى الدولة ومنذ عام 2011م إلى تخطي هذه العقبة، حتى أن مفاوضات الحل التي بدأت في عام 2009م والتي لم يكتب لها الاستمرارية لأسباب متعدة عادت إلى الوجود في عام 2011م  بعد التطورات على الساحة السورية ودخول حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الشاشة، وكان واضحًا أن الدولة اتبعت سياسة غاية في المرونة لم نشهدها من قبل فيما يتعلق بالمسألة الكردية.

فأنقرة بذلت جهودًا مبالغًا فيها في محاولات كسب أكراد سوريا وحزب الاتحاد الديمقراطي إلى صفها ، ولم يكن في مخيلة الأتراك أي حكم مسبق أو انحياز ضد حزب الاتحاد الديمقراطي، على العكس فإن الروابط التي تجمع حزب الاتحاد الديموقراطي مع حزب الاتحاد الكردستاني لم تكن لتتسبب بردت فعل تنعكس على الأجندة التركية، أما أواصر القرابة والعلاقات بين الحزبين فقد كان ينظر لها كنقطة إيجابية في مفاوضات الحل التي تجمع الدولة مع حزب العمال الكردستاني. فأنقرة التي لاحظت أن الأكراد في سوريا يسيرون على خطى أكراد العراق تخيلت أن بإمكانها أن تحظى بعلاقات طيبة مع أكراد سوريا كالتي طورتها وحظيت بها مع أكراد العراق تحت قيادة البرزاني.

فكل من الاستخبارات التركية ووزارة الخارجية قد استقبلت مرارا زعماء حزب الاتحاد الديمقراطي في أنقرة وأوصلت رسائلها إلى صالح مسلم "أن تركيا جاهزة للحوار مع حزب الاتحاد الديمقراطي  كطرف عقلاني". أما توقعات أنقرة من الحزب فكانت غاية في البساطة، ويكفيها من حزب الاتحاد الديمقراطي أن يمتنع عن عداء تركيا ويقف في صف المعارضة السورية المعتدلة التي أقرها وقبلها المجتمع الدولي.

لكن ما الذي فعله حزب الاتحاد الديمقراطي؟  فصالح مسلم قد انتهج  خطا سياسيا لعداء تركيا. لو تركنا وقوفه أو عدم وقوفه في وجه الأسد جانبا وتتبعنا خط سياسة الحزب تجاه تركيا سنلحظ أن الحزب لم يتوانى عن  لعب دور الأداة التي يهاجم بها الأسد تركيا وأنه قبِل أن يكون المخرز الذي يحز خاصرة تركيا فبناءً على تعليمات الأسد وتوجيهاته بدء حزب العمال الكردستاني عملياته في الجنوب الشرقي وعاشت مدن تلك المنطقة "حرب شوارع" من جديد.

هذا الحال وتلك السياسة مكنت تركيا من ملاحظة وتمييز أرضية العمل التي تلعب عليها القوى العالمية في الحرب السورية وتفهمت أنقرة قبل فوات الآوان أن إمكانية إنشاء "علاقة جيدة" مع حزب الاتحاد الديمقراطي أمر غير ممكن. فالقوى التي أسهمت في إنشاء حزب الاتحاد الديمقراطي بداية لم يكن في نيتها استخدام الحزب ضد تركيا، لكن لعب الحزب لدور فاعل ووجوده بحد ذاته ينطوي على الخصومة ضد تركيا ويملك هذا العداء والخصومة في شيفرة جيناته وإن لم يكن الهدف من إنشائه كذلك، هذا العداء وهذه الخصومة استغلها الغرب شر استغلال، فلو لم يكن الحزب يمثل إحدى قوى العداء والخصومة لتركيا لما عمل الغرب على تغذيته وتحويله إلى  تلك القوة الخطيرة والمهمة.

تقييم أنقرة لحزب الاتحاد الديمقراطي على أنه  "حزب إرهابي" أثر بلا شك على الخطط الخلفية في الأجندة التركية. فهذا الحزب الذي أُسس وغُذي ووجه على عداء تركيا لن يحظى من أنقرة بمعاملة "الحليف"، فعدم ملاحظة أنقرة لتغيرات حقيقية على جبهة حزب الاتحاد الديمقراطي يعني عدم حدوث أي تغير في موقف تركيا من الحزب، وبالنظر إلى سير الأحوال وطبيعة مجريات الأمور يمكننا القول إنه لا يوجد احتمال لأي تغيرات على هذه السياسة في المدى القريب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس