ترك برس

يستدل العديد من المفكرين والباحثين الشرقيين في طرحهم وأفكارهم بأفكار وفلسفة الفلاسفة الغربيين، ومن النادر جدًا أن نجد أحد المفكرين الشرقيين يستدل بأفكار الفلاسفة الشرقيين، الذين وإن هم لحقوا بدرب الفلاسفة الغربيين متأخرين إلا أنهم تفوقوا عليهم وأبدعوا في وضع العديد من الأفكار الفلسفية التي يمكن أن تشكل مراجع هامة لنظريات علوم الاجتماع والنفس والسياسة، ولكن صفحات التاريخ لم تعرهم الأهمية التي يستحقونها، فطوتهم وجعلتهم جنود علم مجهولين.

ومن الفلاسفة الذين طوتهم صفحات التاريخ دون إعطائهم المساحة أو القيمة التي يستحقون، الفيلسوف العثماني التركي "بشير فؤاد".

ميلاده

وُلد الفيلسوف والضابط والمترجم والصحفي التركي "بشير فؤاد" في إسطنبول، عام 1852. أبوه هو خورشيد باشا الذي عمل كحاكم إداري لولايات أضنة ومرعش وحلب، أما أمه فهي السيدة حبيبة بنت ميميش باشا والي مدينة غيراسون. ترعرع فؤاد في حي الفاتح في إسطنبول، ودرس مرحلة الابتدائية في مدرسة الفاتح، ومن ثم انتقل إلى حلب، حيث نُقل أبوه ليكون حاكمًا إداريًا لها، وأنهى فؤاد مرحلة تعليمه الأخيرة في أحد مدارس حلب.

حياته العلمية

اتقن فؤاد خلال مسيرته التعليمة اللغة الفرنسية بدرجة جيدة جدًا، وعقب إنهائه تعليمه التحق عام 1871 في الأكاديمية الإعدادية الحربية في إسطنبول، ومن ثم تخرج منها عام 1873. عقب تخرج من الكلية الحربية عمل كحرس خاص للسلطان عبد العزيز لمدة 3 أعوام، وعندما قامت الحرب الصربية العثمانية عام 1876، على الفور انضم إلي الجيش العثماني المتجه نحو الصرب كضابط تطوعي.

مشواره العملي

عاد فؤاد من الحرب ومن ثم تزوج على الفور من السيدة "هالايغي" وأنجب منها محمد نجيب، ولكن لم يستمر زواجه من السيدة هالايغي طويلًا، فخطب السيدة "شازية" ابنة صالح باشا ابن طبيب القصر قدري باشا، وأنجب منها نامق كمال، ومحمد سليم.

اتقان فؤاد للغة الفرنسية، منحه قدرة واسعة للاطلاع على الصحف والجرائد الغربية، ومن خلال قرأته لهذه الصحف بدأ يشعر بالانجذاب نحو الفلسفة والفكر الفلسفي الفني.

بدأ فؤاد مشواره في الكتابات الفلسفية من خلال عمله في مجلة "أنوار الذكاء" التي أصدرها مصطفى رشيد عام 1883. تمكن فؤاد بحلول عام 1886 من تأليف 16 كتاب فلسفي علمي، ونشر 200 مقال علمي في عددٍ من المجلات والصحف التي كانت نشطة آنذاك.

وكانت أعمال فؤاد تتركز على الفلسفة الواقعية المادية المتعلقة بالحياة الفردية والكيان السياسي للدولة، وكان ينتقد بحدة المثالية والتفكير المثالي. ولكون أعماله فريدة قيمة، حظيت باقتباس كبير من قبل العديد من علماء علم الاجتماع والفلسفة الغربيين وعلى رأسهم الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي "جبرائيل تارد".

وجد فؤاد المُتعة في عمل الكتابة والتأليف، فقرر مع ثلة من أصدقائه افتتاح مجلة مستقلة لنشر أعمالهم، وكان اسم المجلة الأولى التي قاموا على استخراجها مجلة "خبر" ومن ثم مجلة "غونيش" "الشمس".

نالت كتابات فؤاد العديد من الجرائد والمجلات، وتلقى فؤاد العديد من عروض العمل في مجال الكتابات التحليلية السياسية والفلسفية، ومن الجرائد التي عمل بها بهذا الشكل جريدة الحوادث، ترجمان الحقائق، السعادة.

وفاته

حاز فؤاد خلال فترة حياته، على شعاع براق في مجال الكتابات الفلسفية السياسية، ولكن لم يكفي بريق هذه الشعاع فؤاد لإعالة نفسه وحياته بشكل كريم، ولم يستطع فؤاد الصبر ريثما يحصل على المزيد من الفرص التي تُعينه في تأمين قوت حياته، فقرر في 5 فبراير 1887 الانتحار بعد أن ضاقت به الحياة ذرعًا.

أهم آثاره

نال فؤاد لقب أول فيلسوف تركي "واقعي مادي"، كما كان أول فيلسوف تركي يُقدم عددا ً من الأعمال التي تنتقد الآثار والكتابات الأدبية والسياسية والثقافية. قدم فؤاد العديد من الآثار في مجاله، ومن أهم هذه الآثار:

ـ الواقعيون والمثاليون: دعا فؤاد الدولة والسياسيين، من خلال هذا الكتاب، إلى التفكير بشكل استراتيجي واقعي أمني للحفاظ على الدولة وكيانه من الزوال، ويقارب فكره فكر الفيلسوف السياسي الواقعي "توماس هوبرز" 1588 ـ 1679.

ـ الشعر والحقيقة: انتقد فؤاد، من خلال هذا الأثر، الشعر المثالي المجرد من الحقيقة والواقع، ودعا إلى إضافة الحس الواقعي إلى الأدب الشعري.

ـ انتقاد: يحمل نفس فكرة كتاب الشعر والحقيقة.

ـ فولتيرا: لخص، من خلاله، حياة الكاتب الأدبي الفرنسي "فيكتور هوجو" بشكل أدبي رائع، ودعا جميع الأدباء إلى أن يسيروا على نهج هوجو الأدبي الواقعي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!