عبد القادر سلفي - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

لم يحرك أحدٌ ساكنا عندما قامت روسيا بقصف المدارس والمستشفيات في منطقة أعزاز، لكن عندما قامت تركيا بقصف "وحدات حماية الشعب"، اهتزت أمريكا وتحركت، ولا شك أنّ أنقرة مستاءة من معاملة الولايات المتحدة الأمريكية لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، ولم تمر العلاقات الأمريكية التركية بمثل هذه المرحلة، وأمريكا تتعامل مع الموضوع وكأنّ تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي قوتان منفصلتان.

تصرف أمريكا بهذا الشكل، نستطيع أنْ نشبهه بحرب أمريكا ضد القاعدة، وحينها يمكننا القول بأنّ أمريكا كقوة تواجه القاعدة كقوة أخرى، لكن هل تقبل أمريكا بذلك؟ اذا لم تعدل أمريكا موقفها سريعا، فستواجه ردود فعل من أنقرة أقوى من ذي قبل، وعليها أنْ لا تختبر عزم وإصرار تركيا في هذا الموضوع.

ولهذا جاءت تصريحات أحمد داود أوغلو واضحة وصريحة وقوية، عندما قال بأننا "لن نسمح بسقوط منقطة أعزاز"، كما أعلنت تركيا في السابق أنْ تجاوز حزب الاتحاد الديمقراطي إلى غرب الفرات، هو "خط أحمر" بالنسبة لها، وهذا السبب وجد حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه في مواجهة تركيا حينما وصل إلى شرق عفرين، وأشار داود أوغلو إلى أنّ "وحدات حماية الشعب لن تعبر إلى غرب الفرات، كما لن تستطيع الوصول إلى شرق عفرين، أي إلى منطقة أعزاز".

روسيا بعد ذلك بدأت بحملة إعلانية ضد تركيا، مستعينة بنظام الأسد الذي أعلن أنّ تركيا استباحت أراضيه، لكن داود أوغلو نفى تلك الاتهامات، أما روسيا فلم تكتف بهذا القدر، وإنما بدأت الحديث عن حرب عالمية، ولذلك وجه داود أوغلو تحذيره لوسائل الإعلام، لكي لا تسقط في فخ الإشاعات وتصوير المشهد وكأنّ تركيا تدخل في حرب.

وأنا هنا أريد الحديث أكثر عن تصريح داود أوغلو بأنّه لن يسمح بسقوط أعزاز، والأسباب تعود إلى أنّ سقوط المنطقة الواصلة بين أعزاز وتل رفعت، يعني انقطاع التواصل تماما بين تركيا وقوات المعارضة السورية، وهذا يعني قطع شريان الحياة عن تركيا، لكن هل هذا الخطر موجود فعليا؟ نعم موجود، بل إنّ الخطر وصل إلى درجة قصوى.

إذا سقطت المنقطة الواصلة بين أعزاز وتل رفعت، هذا يعني زحف 400-500 ألف لاجئ سوري نحو الحدود التركية، وتحدث نعمان كورتولموش عن 600 ألف لاجئ، لكن ماذا سنفعل إذا ما تعرضنا إلى هذا الزحف الهائل من اللاجئين؟ هل سنفتح الحدود وندخلهم دفعة واحدة إلى داخل تركيا؟

الغربيون يطلبون من تركيا أنْ تفتح أبوابها أمام اللاجئين، وتريد أنْ تبقى أبوابها هي مغلقة أمامهم، لكن هل هذا ممكن؟ ما استوعبته تركيا من عبء اللاجئين وصل السقف العلوي للسد، وهو الآن على مشارف الانفجار.

تركيا لديها خطة في مواجهة هذا الوضع، وأساس هذه الخطة يتركز على المحافظة على السوريين داخل الحدود السورية، ونحن في الأصل نقوم بتطبيق ذلك منذ فترة، لكن إذا وصل 400-500 ألف لاجئ سوري إلى الحدود التركية، سيكون من المستحيل السيطرة عليهم من خلال الإدارة عن بعد، ولهذا ترتكز الخطة التركية على إرسال 10 آلاف جندي إلى مسافة 10 كيلومترات داخل الحدود السورية، وتشكيل المنطقة الآمنة.

وحينها سيقوم الجيش التركي بإيواء السوريين القادمين ضمن هذه المساحة، ضمن المنطقة الآمنة، لكن هذا يتطلب دعما أمريكيا، لأنّ دخول الجيش التركي إلى مسافة عشرة كليومترات داخل الحدود السورية، يجب أنْ يكون تحت المظلة الأمريكية، وهذا الموضوع إنساني بحت، لكنه يتطلب حماية عسكرية، وأعتقد أنّ هناك مراسلات ومفاوضات مع أمريكا حول هذا الموضوع.

أعربت ميركل عن دعمها لإيجاد منطقة حظر جوي في سوريا، لكن أصل المسألة يتعلق بالموقف الأمريكي، فماذا لو لم تدعم أمريكا هذه الخطة؟ هناك خطة "ب"، لكن المشكلة عويصة.

هناك نقطة أخرى يجب أنْ نذكرها هنا، وهي أنّ هناك دلائل واضحة ومثبتة حول تلقي حزب الاتحاد الديمقراطي لدعم أمريكي واضح ساهم في توسيع نطاق سيطرته، وذلك فضلًا عن دعم روسيا أيضا، التي فتحت ممثلية لحزب الاتحاد الديمقراطي في موسكو.

ما يجري على الأرض، هو محاولات حثيثة بين روسيا ونظام الأسد وحزب الاتحاد الديمقراطي، من أجل زيادة قوة يد روسيا وذلك قبل دخول محادثات "جنيف 3" في 25 شباط/ فبراير، ولهذا يستمر القصف المكثف ضد قوات المعارضة السورية، والطرف الوحيد الذي لم تضربه روسيا هو داعش، مع أنها دخلت إلى سوريا بذريعة مواجهة داعش.

التطورات التي تحصل في سوريا مؤخرا، أصبحت سلبية أكثر تجاه تركيا مع مرور الأيام، وأمريكا هي من أرادت أن تصل الأوضاع في سوريا إلى هذا الحد، وهذا الأمر تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون، التي تساءلت عمّن سيخلف الأسد، وعندما سمعت إجابة "أنّ من يختاره الشعب السوري سيحكم"، تحدثت عن أنّ "الشعب السوري سيختار الإخوان المسلمين، مع أنّ سوريا تضم أطيافا متنوعة ومختلفة من المسيحيين والعرب والدروز".

مرة أخرى بنفس التاريخ

في نفس الفترة التي تتم فيها مناقشة الحديث عن مصير الأسد، اجتمع الموساد والاستخبارات التركية في مصر، وحينها طلب مسؤول الموساد طلبنا، وقال "أعطوني اسم شخص من الممكن أنْ يأتي بعد بشار الأسد"، وتحدث مسؤول الاستخبارات التركية عن أنّ من يختاره الشعب السوري هو من سيحكم البلاد.

لكن مسؤول الموساد قال "إذا ذهب الأسد سيأتي الإخوان المسلمون، وهذا لا نريده".

زيادة تعقيد المشاهد وزيادة الأزمة السورية، هو مشروع أمريكي وإسرائيلي، حيث لم تكن أمريكا جدية في موضوع رحيل الأسد، ولم تكتف بذلك، وإنما أقحمت روسيا داخل سوريا حتى تستمر فترة الحرب الداخلية لمدة إضافية، وحولوا سوريا إلى كرة من اللهب، تتدحرج نحو تركيا.

عن الكاتب

عبد القادر سلفي

كاتب في صحيفة حرييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس