علي حسين باكير - عربي 21

ركّزت وسائل الإعلام الأسبوع الماضي على المقترح السعودي بإرسال قوات عسكرية بريّة إلى سوريا، وقد ترافق ذلك مع عاصفة من السلوك الشعبوي الذي يقوم بالأساس على تجاهل التفاصيل الصغيرة التي غالبا ما تكون هي الأهم في الخبر. التصريح كان واضحا لجهة الإشارة إلى أنّ الاقتراح يأتي ضمن سياق التحالف المقام ضد داعش، والتحالف كما هو معلوم يضم حوالي  66 دولة، ولذلك فإنّ إرسال المملكة لأي قوات -إن جرى- سيكون ضمن مساهمات الدول الأخرى أيضا، كما هو الأمر بالنسبة للضربات الجويّة التي يقوم بها التحالف منذ فترة في العراق وسوريا.

توقيت طرح هذا المقترح لا يقل أهميّة حقيقة من فحواه، فهو يأتي في ظل التطورات السلبيّة التي تشهدها الساحة السورية، ولا سيما مع تقدّم قوات النظام مدعومة من إيران وروسيا إلى الحصن الأخير للثورة السورية في حلب، وهو ما دفع البعض للخلط في تفسير هذا المقترح على أنّه شبيه بالحملة التي تقوم بها المملكة في اليمن، وبالرغم من ذلك فمن المهم تفسير سياق هذا المقترح وأبعاده أيضا.

أما في أبعاده، فهو يأتي لتأكيد التزام المملكة بالقيام بمبادرات لمواجهة التحديات التي تهدد بإطاحة المنطقة برمتها في ظل الموقف الأمريكي الشاذ، وبأنّ المملكة لن تتراجع عن تحمّل مسؤوليات يمليها عليها موقعها كقوة إقليمية خاصّة، في ظل التراجع الأمريكي في المنطقة، الذي أتاح لروسيا وإيران والميليشيات الشيعية بالتقدم إلى الأمام على حساب الجميع.

من أهداف المملكة في هذا الطرح، قطع الطريق على استغلال روسيا وإيران للحرب على داعش من أجل ضرب المعارضة السورية، وهو العمل الذي يجري منذ العام الماضي باعتراف الجميع بما في ذلك الولايات المتّحدة الأمريكية. ولأنّ إدارة أوباما لم تتحرك إلى الآن فعليا لوقف تقدّم نظام الأسد وحلفائه، ولا تزال ترفض تزويد الثوار بأسلحة مضادة للطائرات، ولأنَ الجانب التركي لم يعد يمتلك في سوريا (جوّيا وبرّيا) مساحة التحرّك التي كانت متاحة له قبل إسقاط الطائرة الروسية، لاسيما مع نشر منظومة دفاع صاروخي (إس-400)، ومع تقدّم المليشيات الكردية الانفصالية التابعة لصالح مسلّم والمدعومة (أمريكيا وروسيا)، التي لا تزال تحتفظ بعلاقات مع نظام الأسد، لقطع التواصل التركي برا بالداخل السوري، أصبح من المطلوب فعل شيء، فكان الطرح السعودي.

أمّا بخصوص ربط هذا المقترح بالتحالف الدولي لمحاربة داعش، فمرده إلى أن السعودية لا تمتلك غطاء شرعيا لإمكانيّة وجود قواتها في سوريا إلا من خلال هذا التحالف القائم، الذي سبق أن نفّذ ضربات جويّة في سوريا، وأي محاولة للمملكة لتجاوز هذا الغطاء الشرعي في الوضع الحالي، سيضعها في مواجهة مباشرة مع روسيا، وهذا أمر لا قبل لأي دولة على تحمّله. 

الموافقة على هذا الطرح، سيتيح للسعودية وتركيا وغيرها من الدول الوجود المباشر على الأرض في سوريا، وهذا أمر مفيد جدا لهذه الدول وللثوار، كما أنّه سيؤمّن غطاء لاستئناف المقاتلات التركية العمل في سوريا، لكن المشكلة في مثل هذا الطرح أنّه يحتاج أولا إلى وقت وإعداد، فضلا عن موافقة الولايات المتّحدة عليه، علما أنّ  إدارة أوباما غير معنيّة ولا تريد وجود قوّات ضخمة لها أو لحلفائها في سوريا؛ لأنّ ذلك يتطلب بالضرورة التزامات سياسية وعسكرية ومالية من الجيش الأمريكي والناتو، وهو أمر لا تحبّذه إلا في مجال ضيق جدا.

يجب الانتباه أيضا في هذا السياق إلى ضرورة عدم الخلط بين هذا الطرح، وما قد تتخذه تركيا والسعودية على وجه السرعة لمواجهة التطورات الميدانيّة في سوريا، فالسماح لروسيا والنظام السوري بالانتصار عسكريا الآن، أو قطع الطريق الواصل بين تركيا والثوار أو اقتطاع الشمال السوري من قبل المليشيات الكردية، سيعني خسارة الحرب في سوريا ولن يكون حينها للاقتراح الأول أي معنى.

لذلك تجري الآن بموازاة الاقتراح الأول، سلسلة من التدابير على المستوى التكتيكي اللوجستي لمنع الوصول إلى مثل هذه النتيجة، خاصة في ظل الإهمال الأمريكي الكامل لمصالح كل من الثورة السورية وتركيا والسعودية في هذه المعادلة، كان من بينها عمليات القصف التي قام بها الجيش التركي يوم السبت الماضي ضد المليشيات الانفصالية الكردية (PYD)، وأيضا استئناف عمليات إمداد المعارضة السورية بالسلاح، بما في ذلك الصواريخ والمقذوفات المضادة للدروع. 

هذه التدابير الأخيرة على الصعيد التكتيكي تأتي دون التنسيق مع الولايات المتّحدة ودون رضاها أيضا، وهو أمر من الممكن أن يستمر وفق ما تمليه المصلحة الخاصة لكل من السعودية وتركيا، لكنّ مثل هذه الخطوات رغم أهمّيتها البالغة في هذا التوقيت، تبقى قاصرة عن تحقيق الهدف الاستراتيجي في نهاية المطاف، علما أنّه من الممكن تحقيق ما هو أفضل من ذلك ضمن القدرات المتاحة وفي ظل المعطيات الحالية.

وفي هذا السياق، هناك ثلاثة مجالات من الممكن لتركيا والسعودية أن تغيّرا عبرها جزءا كبيرا من واقع المشهد، إذا ما تمّ التركيز عليها سريعا:

1) موضوع الفصائل السورية المسلّحة: من غير المفهوم لماذا يوجد في سوريا جيش واحد للمليشيات الشيعية والمرتزقة التابعة لها، وجيش واحد للمليشيات الانفصاليّة الكرديّة، وجيش واحد للكومبارس "داعش"، ويوجد في المقابل مئات الفصائل المقاتلة باسم الثورة بدلا من أن يكون لها جيش واحد أيضا. 

هذا الواقع يجب أن يتغير أمس قبل اليوم واليوم قبل غد، ولازال بإمكان تركيا والسعودية أن تؤديا دورا فيه، صحيح أنّه يحتاج إلى العمل والتوجيه، ولكن منافعه عظيمة جدا. المنطق والواقع يفترض القيام سريعا بحل كل التشكيلات الإسلامية وغير الإسلامية، واندماجها في جيش أو جيشين لا يحملان إلا لواء الثورة وشعاراتها وهدفها الأول والأساسي ألا وهو مواجهة النظام. وأهميّة تحقيق مثل هذا الأمر تتمثل في:

• القفز على جهود تصنيف المقاتلين وفق الأجندة الأمريكية وتجاوز موضوع التصنيف الذي تمّ تكليف الأردن به نظريا، في الوقت الذي تم فيه السماح بموازاة ذلك لروسيا بقصف الجميع دون انتظار النتائج، بما في ذلك الجماعات التي تتلقى دعما أمريكيا محدودا.
• تفادي الضربات التي تقوم روسيا بها بذريعة أن قسما من هؤلاء إرهابي أو متطرف.
• التحكم بمدخلات الدعم العسكري ونوعيته وكميته، وكذلك بمخرجات العمليات العسكرية على الأرض.

من الممكن أيضا استغلال قسم من الثوار الذين يتولون محاربة داعش من أجل تمرير أسلحة متطورة ونوعيّة، ومن الممكن أيضا استخدامهم كذريعة لتشريع عمليات بريّة وجويّة لحمايتهم وبالتالي قطع الطريق على الدور الذي تؤديه المليشيات الكردية والشيعية شمال وجنوب سوريا.

2) القصف الجوي: لطالما كان هناك مشكلة دوما لدى الثورة السورية والثّوار في القصف الجوي للأسد وحلفائه، وقد كان ولا يزال هذا العنصر هو عنصر التفوّق الوحيد ربما على الثوّار. ومع مجيء الروس، تعاظم ثقل سلاح الجو وأصبح من المستحيل الوقوف أمامه أو الهروب منه. 
طريقة مواجهة هذا الأمر معروفة، إمّا الحصول على أسلحة متطورة مضادة للطائرات، وإما القيام بمهاجمة المطارات. حتى الآن الفيتو الأمريكي لا يزال موجودا بقوة على هذا الخيار، ما يعني أنّه يجب أن يكون هناك قرار سياسي مستقل بتأمينها من دول أخرى أو عبر السوق السوداء، وهو قرار له تداعيات سياسية كبيرة، لكن لا بد من تحمّل المخاطر اذا كان الهدف في النهاية تحييد سلاح الجو، أو رفع خسائر الطرف الذي يستخدمه.

3) العمليات الاستخباراتية النوعية: في بعض الحروب تتكفّل بعض العمليات النوعيّة بتغيير مسار الحرب أو مجراها، أو على الأقل المعطيات المتعلقة بها، وفي أسوأ الأحوال ترفع التكلفة المادية والبشرية والسياسية للطرف المستهدف. هناك نماذج كثيرة من أنحاء مختلفة من العالم، من بينها تفجير مقر المارينز  في بيروت عام 1983. 

خلال الثورة السورية، لم نر مثل هذه العمليات، فباستثناء عملية تفجير مبنى الأمن القومي في عام 2012 التي استهدفت أركان النظام، وبعض العمليات الأخرى التي تمّ تنفيذها واستهدفت الثوّار كعملية عام 2014 ضد حركة أحرار الشام، وأدت إلى مقتل معظم الصف القيادي، والعملية التي تم من خلالها تصفية قادة المجموعات المسلحة كاستهداف زهران علوش، لا يوجد عمليات نوعيّة ذات طابع استخباراتي تؤدي إلى تغيير المعطيات. 

هناك حاجة لعمليات نوعية ذات طابع استخباراتي تستهدف بالدرجة الأولى الوجود الروسي أرضا وبرا وبحرا، وهذا أمر ليس بمستحيل، عملية كبيرة أو عمليتان كفيلتان بخلط الأوراق وليس من الضرورة أن يتبناها أحد.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس