ترك برس

حسين أتاي، هو فيلسوف وأكاديمي تركي، ركز أعماله الفلسفية على العلاقة بين الدين والفلسفة الواقعية، ونال لقب "معلم المعلمين" في تركيا، لما تمتع به من قدرة على الإقناع بالحجة.

ميلاده

وُلد أتاي عام 1930 في مدينة "ريزا" التركية الواقعة شمال شرقي تركيا. تمكن من حفظ القرآن منذ نعومة أظفاره، وحظي أتاي باحترام الجميع منذ صغره، لما أظهره من ذكاء متوقد في تلقيه للعلوم بسرعة فائقة وتمتعه بقدرة عالية على مناقشة الناس وإقناعهم في أمور تمكن منها خلال تلقيه للعلوم الشرعية في مسجد قريته.

حياته العلمية

بدأ أتاي حياته العلمية في مدرسة قريته وظل بها إلى أن وصل المرحلة الخامسة، حيث انتقل مع عائلته إلى مدينة "إسطنبول"، وبينما كان أتاي يذهب إلى مدرسته الحكومية، كان يحرص على الذهاب إلى جامع "إبراهيم باشا" لتعلم اللغة العربية من إمام المسجد "حسيب أفندي"، ولتطوير لغته العربية ألحقه والده بإحدى برامج دار إفتاء إسطنبول لتدريس اللغة العربية.

أنهى أتاي المرحلة الإعدادية عام 1948، وقرر والده إرساله إلى العاصمة العراقية "بغداد" لإتمام مرحلة الثانوية العامة هناك، لتقوية لغته العربية والتحاقه بأحد جامعات بغداد عقب إنهاء المرحلة الثانوية. بعد إنهاء أتاي لمرحلة الثانوية العامة، التحق في قسم العلوم الشرعية التابع لجامعة بغداد، وتخرج منه بالدرجة الأولى عام 1954.

عودته إلى إسطنبول

تلقي أتاي علومه الشرعية باللغة العربية في أحد أقوى الجامعات في الوطن العربي، أحدث لاسمه صدى قوي في إسطنبول، إذ أصبح يُطلق عليه اسم "العالم الحنفي الأكبر". عاد أتاي إلى إسطنبول وهو على دراية بعلوم الفقه والتفسير والحديث والتأويل والمنطق وآداب اللغة العربية وحقوق الميراث الإسلامية وغيرها من العلوم التي أخذت به إلى القمة، في ظل افتقار تركيا الحاد لأمثاله، حيث فرض حزب الشعب الجمهوري الذي حكم تركيا من عام 1923 وحتى عام 1950 حظرًا شديدًا على تلقي اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وكان تُدرس هذه العلوم بسرية عالية، وعقب تولي الحزب الديمقراطي بقيادة "جلال بياري" و"عدنان مندرس" لمقاليد الحكم رفع الحظر عن تعلم اللغة العربية والعلوم الدينية، ولكن حظر هذه العلوم في ظل حكم حزب الشعب الجمهوري، أحدث حالة من الشح في تخريج المدرسين القادرين على تدريس هذه الدروس للأجيال، وهذا ما جعل لأتاي القيمة العالية، إذ كان شبه منفرد بهذا الكم الهائل العلوم الدينية المتنوعة التي تلقاه خارج تركيا.

مشواره الديني والفلسفي

بعد عودة أتاي لإسطنبول وإتمامه لواجب الخدمة العسكرية، شرع على الفور في فتح أكاديمية دينية تابعة لجامعة أنقرة لتخريج المدرسين في مجال العلوم الشرعية المختلفة، وكان برنامج التدريس في الأكاديمية لمدة عامين، وبفضل هذه الأكاديمية تمكن من تخريج الآلاف من المدرسين الذين توزعوا بعلومهم في كافة أرجاء تركيا، وباشروا في عملهم كمعلمين للدين، بعد حدوث حالة من الجهل الديني لموطني تركيا، نتيجة لسياسة حزب الشعب الجمهوري المحاربة للعلوم والشعائر الدينية.

إلى جانب الأكاديمية الدينية بدأ أتاي في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، بالعمل كدكتور مساعد في كلية العلوم الشرعية بجامعة أنقرة، وذاع اسم أتاي داخل تركيا بشكل قوي عام 1960، إذ تمكن هذا العام من تفسير القرآن الكريم باللغة التركية بشكل مُبسط ونُشر كتابه في كافة ربوع تركيا.

أًرسل أتاي عام 1962 من قبل جامعة أنقرة إلى "إسرائيل" لتعلم واتقان اللغة العبرية، وظل في "إسرائيل" لمدة عامين، إلى أن تمكن من اتقان اللغة العبرية بشكل جيد، ولم يتوقف مشواره على ذلك، بل عقب عودته إلى تركيا عام 1964، وفرت له جامعة أنقرة الفرصة للذهاب لجامعة "شيكاغو" والعمل في مركز أبحاث العلوم الإسلامية التابع لها، وأنجز أتاي خلال هذه المرحلة رسالة بحثية بعنوان "كينونة الخلق حسب ابن سيناء والفرابي"، وعاد عام 1968 إلى تركيا، ليعمل في جامعة أنقرة كأكاديمي في قسم الفلسفة والدين التابع لكلية العلوم الشرعية بجامعة أنقرة.

اُشتهر أتاي على الصعيدين الداخلي والدولي، لنشره العديد من المقالات والأبحاث بعدة لغات، وأرسلت جامعة "هارفرد" له دعوة ليعمل بها باحثًا في مجال حقوق العائلة والأخلاق المجتمعية حسب الدين الإسلامي، وقبل دعوتها وانتقل عام 1974 إلى أمريكا، وما إن انتهى من العمل في جامعة هارفرد حتى تلقى عام 1975 دعوة من جامعة شيكاغو للبحث في موضوع "وضع الإسلام أمام التغيرات الاجتماعية".

عاد إلى تركيا عام 1980 وعمل في جامعة أنقرة لمدة 5 أعوام، وفي عام 1985 تلقى دعوة من جامعة فهد للنفط والمعادن، للعمل كمحاضر أكاديمي في قسم العلوم الشرعية الأساسي، وعمل في المملكة العربية السعودية لمدة 4 أعوام، وما زال أتاي إلى يومنا هذا يعمل كمحاضر في جامعة أنقرة.

آرائه وآثاره

تأثر أتاي بآراء أبو حنيفة إلى حد كبير، لذا يؤكد على مبدأ "العقلانية" كبديل لمبدأ "التواتر النقلي" لتلقي العلوم والأحاديث. يرى أتاي أنه لا ضرر في الإلمام بالفلسفة اليونانية والصينية، بل وتطبيق بعض مبادئها المتماثلة مع المبادئ الإسلامية.

لأتاي العديد من الآثار أهمها:

ـ ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية.

ـ الجهل الديني: يحارب من خلاله الخزعبلات والخرافات الدينية مستدلا ً ببعض آراء العلماء الغابرين.

ـ المنطق الديني: يدعو من خلاله إلى الاستفادة من علوم المنطق والفلسفة اليونانية، ويستدل بذلك بمذهب "المعتزلة" الذي شاع في زمن الدولة العثمانية مستندًا إلى العقلانية والفلسفة اليونانية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!