محمد عمر زيدان - خاص ترك برس

شهدت الساحة المصرية في الأيام القليلة الماضية تجاذبات سياسية حادة  حول علاقة مصر السيسي مع الكيان الصهيوني وهنا ظهر الإعلامي المصري في الوقت الذي سُمح له أن يظهر ليشيطن إسرائيل ويشيطن كل من يتعامل معها. ولكن يا ترى من يحدد تعريف كلمة الشيطنة؟؟؟ نعم إنها سلطة الانقلاب فما تقول عنه السلطة إنه شيطان فهو كذالك وما تقول عنه أنه ملاك فهو كذالك أيضا. وهكذا ظهر إعلام السيسي إعلامًا مأجورًا رخيصا كما عهدناه كمثيله من إعلام الدكتاتوريات العربية، وبداية القصة هي استضافة برلماني مصري عرف عنه إصابته بداء جنون العظمة (توفيق عكاشة) لسفير إسرائيل حايم كورين في بيته، فقامت الدنيا ولم تقعد وكأن طبقة الأوزون قد ثقبت وأصبح هذا الخبر شغل الإعلام المصري الشاغل، وكأن ليس هناك قضايا مصيرية واقتصادية تكاد تعصف بالدولة المصرية، والمتتبع للإحداث المصرية والقارئ للتاريخ والمتفحص للواقع المصري وقف مندهشًا من هذه الفرقعة الإعلامية التي ما انفك الإعلام المصري وساسته بالحديث عنها، وكأن هذا النائب الشخص الوحيد في مصر من التقى بالإسرائيليين. أليس هناك اتفاقية سلام بين مصر والكيان السرطاني!! ويعود الإعلام الفاشي ليقول مستهزئا بعقول الناس أن هذا النائب لا بد أن يحاسب وترفع عنه الحصانة لماذا؟ لأنه يروج لتطبيع مع الكيان، نعم هذا أمر طيب ولكن إذا أردنا أن نتكلم بنفس عقلية الإعلام المصري وساسته  يجب أن نحاسب كل من قام باللقاء مع الإسرائيليين بصفته الرسمية والأمثلة على ذالك كثيرة لا تعد ولا تحصى وعلى سبيل المثال لا الحصر قيام مفتي الجمهورية السابق علي جمعة في 2012 بزيارة المسجد الأقصى بحماية إسرائيلية، كما قام الأب تواضروس بزيارة لإسرائيل بحجة الصلاة على راهب مسيحي، كما صرح المتحدث الرسمي لاتحاد كرة القدم  المصري أنه لا يمانع باللعب في إسرائيل وكثير من الصحفيين والأدباء والمؤرخين كانت لهم علاقات مع الكيان وكذلك السياح الذين يأتون للسياحة في تل أبيب كل هذه النماذج لم تزعج الإعلام المصري وجلّ ما أزعجهم هذا النائب، الذي تنادى الجميع لرفع الحصانة عنه لا بل لضربه بالحذاء تحت ما يسمى قبة البرلمان. ولكن ما هو مسوغ قرار إسقاط العضوية ورفع الحصانة؟ هل هو كما قال الإعلام بأن هذا النائب لم يأخذ إذنًا من البرلمان أولًا، وأساء التصرف بمنصبه البرلماني ثانيا، وقام بالترويج والدعاية لإسرائيل والتطبيع مع الكيان ثالثا، وإلخ.

وبالفعل فقد تم فصل النائب بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب ونتساءل هنا هل لو كان هذا النائب أخذ موافقة من السيسي كان سيفصل؟ وهل كان لهذا المجلس الصوري أن يتجرأ على فصله؟ ثم أين مبدأ العدالة في المحاسبة؟ لما لم يحاسب الذين سبقوه من جهة ولما لا يحاسب السيسي من جهة أخرى. الذي يلتقي مع القيادات الإسرائيلية بشكل مستمر وهذا ما أكده السفير الإسرائيلي لصحيفة تايمز أوف إسرائيل أنه يلتقي بالسيسي بشكل منظم وإذا تتبعت التصريحات لسيسي لتجد العجب العجاب فقد صرح السيسي (لواشنطن بوست) إن العلاقات المصرية الإسرائيلية تتسم بالثقة والاحترام، وإنه يشكر إسرائيل لأنها سمحت لنا بنشر جنودنا في سيناء ،على الرغم من أن اتفاقية السلام لا تسمح بذالك وكأن سيناء أرض ليست مصرية أو أرض متنازع عليها تاريخيا!!! كما استمر السيسي في مغازلة إسرائيل بتصريحه لـ(أسوشييتد برس الأمريكية) يجب أن يشمل السلام جميع البلدان العربية مع الكيان الغاصب!! وإذا استقرأنا الواقع نجد أن معظم دول العالم إدانة الانقلاب إلا إسرائيل فلماذا يا ترى؟ هل أعطى السيسي تطمينات لإسرائيل بأنه سيكون الشرطي المخلص على حدودها كما فعل بشار الأسد في الجولان أم تعهد لهم بسحق حماس وإبادة غزة كما يفعل الآن من إغلاق معبر رفح، وهذه التصرفات ليست غريبة على من نشأ في حارة اليهود. ومنذ أيام كشفت القناة العاشرة الإسرائيلية النقاب عن اتصالات هاتفية بين نتنياهو والسيسي مرتين في الشهر طبعا حتى يقدم كشفًا مفصلًا لرؤسائه في تل أبيب. هل هذا يعد تخابر مع العدو ويمس الأمن القومي المصري أم أصبحت الآية مقلوبة فالتخابر لا يكون جريمة إلا إذا كان مع حماس وقطر  ألا ساء ما يحكمون.

ولكن هل كل هذه الادعاءات يا ترى صحيحة أم أن وراء الأكمة ما وراءها هل سبب عزل هذا النائب أسباب حقيقية وجوهرية وأكثر دقة ومرجعية. ترجع إلى الحفاظ على ما تبقى من شهامة الساسة المصريين من أن عروبتهم وإسلامهم تمنعهم من الاتصال بالقتلة أو ربما تكون العلاقات الطيبة بين عكاشة والعسكر علاقة جوهرية، فعكاشة تربطه علاقات وطيدة مع طرف العسكر المناوئ للسيسي كما أن دعوة عكاشة لانتخابات مبكرة وإهانته للسيسي جعل سلطة الانقلاب تضحي به وتجعله قربان العيد أو كما يقال المثل المصري (مثل خيل الحكومة) بعد أن ينتهوا منه يرمونه برصاص وهذا ما حدث على الرغم من عمالته المفضوحة لهم وتخصيص قناته لمدح أفعال الجيش وقائده المفدى. وهنا يقول السيسي لا وجود لطرف الحمائم في مصر الوجود فقط لصقوري أنا وفي ظل هذا الحكم العسكري الأحادي ستسقط الحمائم واحدة تلو الأخرى وتحترق بنيران الانقلاب غير مأسوف عليها. وهذا مصير من يقف ضد إرادة الشعب ويروج للفتنة بين أفراده ويحاول خلف فتنة من فقاعات الهواء. ويطيح بأول رئيس شرعي منتخب.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس