ترك برس

رأى الكاتب والمحلل السياسي التركي، محمد جاهد جول، أن الزيارة الأخيرة التي أجراها رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، إلى إيران، لم تكن تراجعاً عن سياسة تركية معينة، وإنما تلبية لدعوة من الحكومة الإيرانية، مشيرًا أن حكومة العدالة والتنمية لا تقطع علاقاتها الاقتصادية مع أية دولة مهما كانت درجة الاختلاف السياسي بينهما.

جاء ذلك في مقال له نشرته صحيفة الخليج أونلاين، بعنوان " تركيا في الإعلام العربي المخجل"، ردًا منه على "تناول بعض الصحف والقنوات التلفزيونية والفضائية العربية لبعض القضايا التركية بطريقة مخجلة أو مضحكة، سواء القضايا الداخلية أو الخارجية، وبالأخص الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إلى طهران، ومفاوضات تركيا مع الاتحاد الأوروبي بشأن تنظيم شؤون اللاجئين بينهما، وبالأخص اللاجئين السوريين، وقضية صحيفة زمان وقرار المحكمة البدائية في تركيا بوضع وصي على الصحيفة بطلب من المدعي العام الذي يتابع قضايا إرهاب وفساد وجرائم قام بها الكيان الموازي في تركيا منذ ثلاث سنوات على أقل تقدير".

وقال جول إنّ "هذه القضايا وغيرها تابعها بعض الإعلام العربي والإيراني والغربي بطريقة غير دقيقة، وربما مخجلة أو مضحكة، لأنها لم تلزم نفسها البحث عن الحقيقة، ولا كلفت نفسها محاولة فهم الحقيقة، واكتفت بنقل الأخبار من مصادر غربية أو إيرانية أو من المعارضة التركية فقط، مع أن هذه الجهات في حالة عداء مع الحكومة التركية والحزب الحاكم، بل ربما وهي في حالة عداء مع الدولة التركية في النهاية، لأن آراءها تؤدي إلى اعتبار هذه الجهات تهدف إلى الإساءة إلى الدولة التركية".

وأضاف جول قائلًا: "لم تكن زيارة رئيس الوزراء التركي داود أوغلو تراجعاً عن سياسة تركية معينة، وإنما تلبية لدعوة من الحكومة الإيرانية، فالزيارة وإن جاءت مفاجئة ولكنها ضمن برنامج زيارات مرتبة بين الحكومتين، بهدف أن يتم تبادل الآراء واللقاءات السياسية بين تركيا وإيران في أعقاب التطورات الأخيرة في المنطقة داخل الدولتين، وفي سوريا تحديداً، وقد تم ترتيب زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أنقرة في الشهر القادم أبريل/نيسان 2016، وتقديم زيارة رئيس الوزراء التركي داود أوغلو قبلها بنحو شهر تقريباً، لتدارس الأفكار والقضايا المشتركة، ووضع أسس رؤية تركية إيرانية مشتركة لعدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي ترى الحكومة الإيرانية أنها بحاجة إلى التوافق فيها مع الحكومة التركية، فتركيا ذات حدود مشتركة مع العراق وسوريا وإيران نفسها، وإيران ليس لها حدود مشتركة مع سوريا، ومن ثم فإن إيران لا ينبغي أن تقع في الخطأ الذي وقعت به روسيا، فبدل أن تحسن روسيا علاقاتها مع تركيا بعد تدخلها في سوريا، إذا بها تخطئ وتعمل لتخريب هذه العلاقة مع تركيا، وكأن روسيا تضع أمام نفسها العراقيل بيدها، فلا يمكن لمن أراد إيجاد حل للقضية السورية أن يكون معادياً للدولة والحكومة التركية، ومن يعادي الحكومة التركية ويعمل لحل للأزمة السورية كمن يسير في طريق مسدود، وهذا فعلاً ما وقعت فيه الدبلوماسية الروسية في الأشهر الخمسة الماضية، فروسيا تتخبط في معالجة الأزمة السورية وستبقى كذلك حتى تستعمل لغة جديدة مع تركيا، وإلا فهي تسير في طريق مظلم وبلا نهاية، هذه المراجعة مهمة للحكومة الإيرانية أولاً، والحكومة التركية لا تعارض ذلك، سواء من إيران أو من روسيا أو من غيرهما، والحكومة التركية لم تضع في حسبانها إبعاد الحكومة الإيرانية أو غيرها من بداية الأزمة السورية، ولذا فإن التقارب الجديد بدأ بالدعوة الإيرانية لتركيا لرئيس الوزراء التركي لزيارة إيران، وجاءت التلبية السريعة لأهمية هذه الزيارة للدولتين معاً".

وأشار أنه "لا بد من قراءة المتغيرات الإيرانية في الأشهر الماضية، سواء داخل إيران أو على المستوى الإقليمي والدولي، فإيران خرجت من العقوبات الدولية بتوقيع اتفاق الملف النووي الإيراني مع الدول الست بتاريخ 14 يونيو/حزيران 2015 وتصديقه بشهر ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، وقبلها بأشهر كان فوز الرئيس الإصلاحي حسن روحاني برئاسة الجمهورية، وأخيراً جاءت الانتخابات البرلمانية ولجنة قيادة النظام، وقد انتصر فيها الإصلاحيون المتوافقون مع رئيس الجمهورية روحاني، مما يعني أن الشعب الإيراني يجري تغييراً في القيادة السياسية، وأن إيران تسير بالإصلاح الداخلي أولاً، وهذا قد ينعكس على الإصلاحات في العلاقات السياسية الدولية خارجياً، وليس في المجالات الاقتصادية فقط".

وبيّن أنه "في المقابل فإن حكومة داود أوغلو قد تسلمت الرئاسة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أي إن حكومات البلدين أكثر استقراراً من الناحية السياسية من ذي قبل، وقادرتان خلال السنوات الأربع القادمة على أقل تقدير على تنفيذ سياساتهما الإصلاحية الداخلية والخارجية معاً، وفي الوقت الذي كانت فيه أمريكا وأوروبا تفرض العقوبات على إيران، كانت تركيا تخرق العقوبات الدولية على إيران، وتقدم لها المساعدات، وبالأخص في مجال توفير السيولة المالية، والحاجات الأساسية للأسواق الإيرانية، وليس من العدل أن تكون حصص الشركات الأوروبية بعد رفع الحصار والعقوبات عن إيران أكثر من حصص الشركات الاقتصادية التركية، فكيف إذا كانت الشركات التركية مستبعدة بحجة توتر العلاقات السياسية بين البلدين، إضافة إلى أن إيران لا تملك حدوداً مع أوروبا، وأقصر الطرق معها برياً هي الأراضي التركية، وكذلك تمثل إيران الطريق البري لتركيا إلى دول شرق آسيا، فالجغرافيا السياسية للدولتين تفرض تعاوناً اقتصادياً بينهما، مهما كانت ظروفهما السياسية".

وتابع الكاتب التركي قائلًا..

لقد أصبح من الثابت في السياسة التركية لحكومة العدالة والتنمية أنها لم تقطع ولا تقطع علاقاتها الاقتصادية مع أية دولة مهما كانت درجة الاختلاف السياسي بينهما، لأن العلاقات الاقتصادية هي من حقوق الشركات والشعوب بين الدولتين وليست من حقوق السياسيين وأخطائهم السياسية، وبالأخص مع الدول التي فيها قدر جغرافي مع الأراضي التركية، مثل إيران وروسيا والعراق وسوريا واليونان وأرمينيا وأوروبا، ومعظم الخلافات بين تركيا وإيران هي بسبب طرف ثالث؛ سواء في العراق أو سوريا أو اليمن أو روسيا أو غيرها، وهذا يعني أن كلا الشعبين التركي والإيراني لن يتقبلا الخلاف الاقتصادي بين الدولتين من أجل طرف ثالث، وكان ينبغي تفهم المطالب التركية من قبل الحكومة الإيرانية من قبل؛ لأن معظمها من أجل الأمن القومي التركي، وتركيا لم تتعمد يوماً تهديد الأمن القومي الإيراني، ولكنها ضد سياسة إيران الطائفية أولاً، وكذلك ترفض التدخل في الدول التي يؤثر أمنها على أمن الدولة التركية، مثل سوريا والعراق، فتركيا لا تسعى ولن تسعى لتخريب العلاقة مع إيران، وإنما على إيران أن تكون أكثر تفهماً للوضع التركي الأمني الداخلي والخارجي معاً، فلا تقدم على ما يسيء للأمن القومي التركي، سواء داخل تركيا أو على حدودها الخارجية، مثل تعاون الإيرانيين مع حزب العمال الكردستاني، الذي تمنع إيران نشاطه داخل إيران، وتعتبر عناصره كفاراً مرتدين بفتوى دينية من الإمام الخميني، بينما تقدم له الدعم في جبال قنديل العراقية التي يستخدمها ضد تركيا، وتقدم الدعم له في سوريا أيضاً.

والدعم الإيراني لحزب العمال الكردستاني في سوريا وإن كان عن طريق حزب الاتحاد الديمقراطي وقواته وحدات حماية الشعب إلا أنه ارتد سلبا على تركيا قتلاً وتخريباً وإرهاباً، وهذا قد يرتد على إيران أيضاً، صحيح أن تركيا تضررت بسبب نقل أسلحة من حزب الاتحاد الديمقراطي إلى داخل تركيا، وقد يكون مصدرها المساعدات الأمريكية، أو من مصادر قريبة من الحرس الثوري الإيراني في العراق أو من النظام الأسد أو غيرهم، ولكنها أضرت بالأمن التركي بسكوت أو رضاً أو دعم إيراني، وهذا مرفوض من الشعب التركي.

وعندما جاء اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا، الذي وقعته أمريكا وروسيا بتاريخ 2016/2/22 دون مشاورة الأطراف السورية أولاً، ولا مشاورة الأطراف الإقليمية، وبالأخص إيران وتركيا والسعودية، فقد تبين للإيرانيين والأتراك والعرب أنهم قد يكونون من الخاسرين من هذا الاتفاق، لأن أمريكا أخذت تتحدث عن التقسيم صراحة، وروسيا تتحدث عن الفيدرالية السورية دون خجل، وكأن الأطراف المتصارعة أتت بالحكم الدولي ليفصل بينها، فإذا به يأكل حصتهم جميعاً، فالتقسيم فضلاً عن أنه إضعاف للشعب السوري ودوره الإقليمي، فهو إضعاف للدور الإيراني والتركي والعربي أيضاً، ولا يتوقف الخطر على هذا الحد، بل قد يصل التقسيم إلى داخل دول الإقليم كلها دون استثناء، والسكوت على أكل الثور الأبيض يعني أكل الثيران كلها، وبقاء سوريا موحدة يعني بقاء باقي دول المنطقة موحدة أيضاً.

لقد انسحبت أمريكا من العراق عام 2011 قبل أن تتمكن من تقسيم العراق بشكل كامل، وإن وضعت بذور التقسيم ودستوره، ولكن الشعب العراقي بقي رافعاً لواء الدولة العراقية الواحدة، وحال الشعب السوري لا يقل أهمية، وتفاهم تركيا وإيران والسعودية على مستقبل أفضل لسوريا قادر على إلغاء التقسيم وإيجاد حل أفضل لكل دول المنطقة.

والخطورة التي طرأت على الموقف في سوريا أن الإيرانيين فتحوا لأمريكا وروسيا مشروع التقسيم في سوريا، وهي الأحزاب الكردية التائهة والمرتزقة في المنطقة، والتي أصبحت أدوات بيد المستعمرين الجدد، لا لرسم خريطة جديدة للمنطقة، وإنما لإضعاف المنطقة أكثر وأكثر، فالأكراد الذين كانوا مضطهدين من آل الأسد، أصبحوا يستخدمون كورقة سياسية لأهداف بشار وإيران أولاً، ثم بيد الحرب الأمريكية على سوريا بحجة محاربة داعش، وأخيراً أصبحوا جنوداً مرتزقة بيد روسيا ضد شعبهم وأمتهم، ولا يمكن القول بأن الأتراك يهولون من فوبيا الأحزاب الإرهابية لأسباب قومية أو كردية؛ لأن العمليات الإرهابية التي نفذها حزب العمال الكردستاني أدت في الأشهر الماضية إلى قتل المئات من الشعب التركي، من المدنيين والعسكريين داخل تركيا أولاً، وإلى قتل أكثر منهم في سوريا من السوريين، وهذا قابل لأن ينتقل إلى إيران أيضاً، فخطر الأحزاب الإرهابية على إيران مثل خطره على تركيا أيضاً، واللغة الطائفية أو الإيديولوجية أو القومية لن تنفع أي دولة في المنطقة، كما أن استنصار إيران بروسيا أو استنصار تركيا بحلف شمال الأطلسي لن ينفع قتال الإخوة فيما بينهم.

وخلص إلى أنّ "تفسير ما يجري من تقارب تركي مع إيران أو مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي يجب ألا يفسر على أنه تراجع عن مواقف تركية مع إيران أو أوروبا أو غيرها، وإنما هي تقريب لوجهات النظر البينية مع الإيرانيين والعرب وغيرهم، وتقارب لوجهات النظر السياسية بين هذه الدول، وعدم ترك المنطقة وشعوبها لقمة سائغة لقوات الاحتلال الخارجي الشرقية والغربية".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!