مصطفى القاسم - خاص ترك برس

بروكسل كانت على موعدها اليوم مع الوعد القديم، أجل فالأعمال الإرهابية التي اجتاحت بروكسل اليوم وأسقطت عشرات الضحايا ما بين قتيل وجريح، هذه الأعمال ستكون محلا للكثير من التحقيقات والتأويلات، وسوف يتخلل هذه التحقيقات الكثير من الاتهامات، وسيتصاعد الإسلام فوبيا في النفوس، وسيتهم الكثيرون تنظيم الدولة بارتكابها، وبدوره لن ينتظر التنظيم الاتهام بل سيصدر بيانا يتبنى هذه العمليات ويعِد بالمزيد.

إذا لقد حددنا في السطور الأولى إلى أين ستوجّه أصابع الاتهام، ومن سيعترف بالجرم، وماذا ستكون نتائج التحقيقات. وستغلق القضية عند ها، وسيكون هناك وعد بردّ قاسٍ، ستشارك فيه المزيد من طائرات التحالف، ويتمّ فيه التنسيق مع القواعد الروسية في سورية التي ستزداد صلاحياتها، وسيسقط سوريون مدنيون كثيرون جراء استخدام أسلحة جديدة في قصف التجمعات السكنية بحجة احتضانها للإرهاب، وسيرفع بشار الجعفري صوته عاليا في جنيف: ألم نحذركم؟ أليس الإرهاب عدونا وعدوكم؟ أليس الأسد أملكم الوحيد في سورية وهو الوحيد الذي يصلح للاعتماد عليه في الحرب على الإرهاب؟

وهناك في دمشق سيجلس بعض الأشخاص يفركون أيديهم سرورا! والابتسامات الخبيثة لا تفارق شفاههم! وقد يشربون أنخاب باريس وأنقرة وإستانبول وبروكسل! ويضعون على خريطة العالم المبسوطة أمامهم دوائر حول بعض الأماكن وخاصة في أوروبا، لإيقاظها من سباتها في الأيام القادمة.

كيف يمكن تصوّر هذا السيناريو؟ وهل يتضمن ضربا بالغيب؟ وهل يجوز أن تسبق النتائج عمل المحققين الذين بالكاد وصلوا إلى مكان الجريمة؟

تعالوا نخرج من مطار بروكسل وقطار الأنفاق فيها، ولننظر إلى القضية بمنظارها الواسع جغرافيا وتاريخيا؛ فبتاريخ 9 /10 /2011 هدد مفتي بشار الأسد المدعو أحمد حسون أوربا وامريكا بآلاف الاستشهاديين الموجودين بينهم على أراضيهم. وقال: (أقولها الآن لأوروبا وأمريكا، سنعدّ الآن استشهاديين هم موجودون عندكم إن قصفتم سورية...) لقد ذكر فرنسا وبريطانيا وأمريكا بالاسم، وأكّد أن (الاستشهاديين) لن يكونوا بالضرورة عربا ومسلمين، وقال في ذلك اليوم: (لا تقتربوا من بلادنا)، لقد صفق له الجمهور الحاضر من الموالين لرئيسه كثيرا.

إن هذا الحديث لم يكن حديثا عابراً، لقد كان وعداً في معرض الرد على بعض الدعوات التي بادرها بعض المسؤولين الأوروبيين لتنحية الأسد. كما أن فعلاً من هذا القبيل ليس أمراً مستبعداً عن نظام نشر تسجيلات (الاستشهادي) أحمد أبو العدس الذي تبنى تفجير جريمة الرئيس رفيق الحريري، ثم تبين لاحقا أن الجريمة نفذت بطريقة مختلفة.

وهذا النظام هو الذي اتهم مرارا وتكرارا من المسؤولين العراقيين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بأنه يقف خلف جميع التفجيرات التي وقعت في العراق.

وهذا النظام هو الحليف الرئيس للأحزاب الإرهابية في شمال سورية وجنوب تركيا، والتي تقف خلف تفجيرات وأعمال إرهابية جرت في أنقرة وإستانبول، ولا ينال من ذلك أن بعض هذه الأعمال تمّ تبنيها من هذه الجهة أو تلك.

لقد برع هذا النظام في التنسيق مع منظمات إجرامية معلنة أو خفية لتقوم بتنفيذ أعماله القذرة وتبنّيها، وإرهاب العالم دون إمكانية إثبات الفاعل الحقيقي.

لقد بات لزاما علينا عند التحقيق في هذه الحوادث أن نتساءل بشكل جدي: من المستفيد الأكبر؟

اليوم في جنيف يجتمع ممثلو النظام السوري مع ممثلو المعارضة، ويجري هذا الاجتماع تحت أنظار العالم، وبتدخل مباشر وغير مباشر، حتى أن ستيفان ديمستورا يصرّح: إن لقاء وزير خارجية أمريكا مع وزير خارجية روسيا يهدف إلى إخراج مفاوضات جنيف من الوضع المسدود الذي وصلت إليه.

ما هو الوضع المسدود؟ إنه إصرار المعارضة والتوجّه الدولي –مع اختلاف الغايات-على وجوب مناقشة بدء مرحلة انتقالية في سورية، وإصرار وفد النظام على أن هذا الموضوع غير قابل للنقاش أو حتى الطرح.

فرغم كل فجاجة تصريحات الجعفري واتهاماته الهادفة إلى تعطيل السير الجدي في هذا المسار، إلا أن النظام السوري والذي فوجئ منذ أيام بقرار الرئيس الروسي سحب قواته الرئيسية من سورية، والذي جاء عقب تصريح وزير الخارجية السوري أن الأسد خط أحمر... رغم كل ذلك يشعر هذا النظام اليوم أنه في الربع ساعة الأخيرة.

وفي اللحظات الأخيرة، ومع تزايد الضغوط، وبالترافق مع تصريح أحد الرؤساء العرب: إن الأسد لن يغادر سورية، ينتصر أو يقتل. في هذه اللحظات فإن الخلايا النائمة -التي لا تعرف يقيناً الجهة الحقيقية التي أوجدتها وتموّلها وترعاها-يجب أن تستيقظ، وبات اللجوء إليها هو الطلقة الأخيرة في جعبة النظام، فإمّا أن يستفيد منها، ويتمكن من خلالها من تحويل المواقف الدولية لصالحه، وإلا فلا بأس بأن يتأجج هذا العالم ناراً، ولن تكون تلك مشكلة نظام دمّر بلاده مهما يكن مصيره، فإن (الشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ).

عن الكاتب

مصطفى القاسم

محامي وكاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس