وداد بيلغين – صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس

استضاف رجب طيب أردوغان في إسطنبول قمة منظمة التعاون الإسلامي الثالثة عشر. استضافة هذه القمة التي تعد الأكبر بعد قمة مجموعة العشرين جواب كاف على الذين يدعون أو بكلمات أصح "يتمنون" انعزال تركيا عن العالم الخارجي، أضف لذلك أن هذه القمة كانت فرصة ليرى الصديق والعدو ثقل تركيا المتنامي سواء على مستوى السياسة المحلية أو العالمية رغم كل المعيقات الداخلية والخارجية التي تزرع في طريقها.

هذه القمة جمعت الكثير من الأطراف المتضادة التي تتبنى سياسات مخالفة، فكل من الرئيس الإيراني روحاني والملك السعودي سلمان ووزير خارجية السيسي ورئيس دولة فلسطين قد وقع على البيان نفسه، لتكون هذه القمة بمثابة فتح باب لإمكانيات جديدة في سبيل التعاون المشترك والسلام والتنمية رغم كل المشاكل والصراعات التي تحدث بين هذه الدول بين الفينة والأخرى.

التنمية والتعاون المشترك

إن النظر إلى قمة إسطنبول والأفكار المطروحة فيها وتقييمها واستخلاص أن "تركيا تنفصل عن الغرب" لا ينم إلا عن جهل وعدم وعي بمنطق العلاقات الدولية أو تخيل العلاقة التركية- الغربية على أنها تجري على "محور الاعتمادية" أو بكلمات أخرى قبول شروط "الانتداب والوصاية الغربية".

اما الذين يستخلصون من هذه القمة أن "تركيا تنحرف عن الطريق" فهم أولئك الذين لا يقبلون بأي شكل للعلاقة غير شكل الوصاية والانتداب الغربي؛ في حين أن النظام العالمي وبعد انهيار القطبية الثنائية يسير اليوم وفق تعدد القطبية في العلاقات الدولية ويفسح المجال أمام الدول التي تتقن تعددية العلاقات. هذا النهج هو السبيل لبناء وإقامة وتحقيق الاستقلال واللاعتمادية. من هذا المنطلق لا بد من النظر إلى كل نشاط أو فعالية من شأنها أن ترقى بالعلاقات بين الدول الإسلامية على أنها تطور ديناميكي للأمور.

إن مرور تركيا التي تعد أحد الأعضاء المؤسسين للمنظمة التعاون الإسلامي في مراحل التمدن والديمقراطية والتنمية وتجربتها في هذا المجال تثري الإمكانيات التي يمكن أن تقدمها للمنظمة. "فقد تحدث رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان في البيان الختامي من وحي هذه التجارب عن المشاكل الثلاث الأكثر أهمية والتي تتمثل بـ"المذهبية، والعنصرية العرقية والإرهاب" وقدم مقترحات لحل لهذه المشاكل وأشار إلى أهمية اتخاذ موقف موحد".

الفتن الثلاث

لا مجال للهرب من التفكر والتأمل في الأحداث الدموية والانقسام العميق الذي يعم العالم الإسلامي وكيف تأثر الإسلام دين السلام فيها سلبا وكيف حُشر هذا الدين وأتباعه في إطار من العنف والضعف. التفكير في هذه الأحداث وأسبابها ونتائجها وطرق حلها يقع بشكل أساسي وأكثر من الجميع على كاهل المثقفين ورجال العلم والعلماء والمعاهد والجامعات في العالم الإسلامي.

نحن نتحدث بغرور وفخر عن العصور الذهبية للإسلام حيث المكتبات التي تحتوي على عشرات الألوف من أمهات الكتب في كل من قرطبة وبغداد وسمرقند وإسطنبول وحيث المدارس تشكل الأماكن التي تخرج منها الأفكار الحرة التنموية وأنه من هناك خرجت العلوم في الطب والطبابة وفي الأحياء كما رُسمت أفضل المخططات الهندسية لمشاريع معمارية عملاقة بقيت شاهدا على التفوق والنبوغ. "وعلى حد تعبير الكتاب الغربين ان الكتب التي تم حرقها إبان احتلال الاندلس في القرن السابع عشر وتخريبها يفوق عدد الكتب في الدول الأوروبية جمعاء في ذلك الزمن، ولعل الوضع الراهن للدول الإسلامية يمكن تفسيره بابتعادها عن الرياضيات والهندسة والطب والفلسفة وكل ما له علاقة بالكتب والتفكير العلمي".

يعود السبب في الفتن الثلاث التي تمثل رأس الشرور في العالم الإسلامي اليوم والمتمثلة بالمذهبية والعرقية والإرهاب إلى فقدان الحضارة الإسلامية قدرتها على التفكير العلمي السليم. وقد أوضح المرحوم البروفسور صبري أولوجينير وقبل سنوات طويلة أن السبب فيما يحدث هو ابتعادنا عن العلم والتعليم إذ قال: "في حين كان الغرب يخرج من العصور الوسطى وظلماتها بدأت بعض العقول الإسلامية بالدخول في هذه العصور وكان ذلك كافيا لابتعاد المسلمين عن العقلية العلمية وعن التعليم". للتخلص من هذه الشرور الثلاث التي تحدث عنها رئيس الجمهورية أردوغان في خطابه ولتخطي هذه العقبات لا بد للعالم الإسلامي من حملة جديدة تهدف إلى التنوير والتعليم والتثقيف تستهدف كل البقاع الإسلامية، فلا يجب أن ننسى أن العالم الإسلامي لم يقدم حتى اليوم التنوير والتثقيف الذي يليق به في هذه العصور الحديثة.

عن الكاتب

وداد بيلغين

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس