طه داغلى - صحيفة - ترجمة وتحرير ترك برس

حدث النزاع بين قوات الأسد وحزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د" في مركز مدينة قامشلي، وبعد ذلك تم السيطرة على الوضع، وفي ساعات المساء التزم الطرفان بوقف إطلاق النار، فماذا يعني هذا الصدام والصراع الذي حدث؟ مع أنّ هناك اتفاقا وتعاونا بين الأسد وحزب الاتحاد الديمقراطي منذ 2011 وحتى الآن، هل دخل هذا الاتفاق مرحلة الانهيار؟ هل النزاع المسلح الذي حصل دليل على ذلك؟

الكل اعتقد بأنّ هذا هو الاحتمال الأكثر ترجيحا، وهو أنّ هذا النزاع بين الطرفين يدل على خلاف بينهما وقرب انتهاء التحالف بينهما، لكن الحقائق على الأرض تشير إلى خلاف ذلك، وحتى نبدأ بتفسير ما حصل علينا أنْ ننطلق من قامشلي، حيث ترك النظام السوري حزب الاتحاد الديمقراطي يسيطر على قامشلي بعدما انطلقت الثورة في شهر آذار/مارس عام 2011، لكنه لم يسحب نفوذه تماما من هناك، وإنما أبقى السيطرة على مناطق قامشلي وحسكي لسيطرة "وحدات حماية الشعب" الذراع المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي، كما أبقى جنوده متواجدين ويحمون تلك المناطق.

نحن هنا نتحدث عن أنّ مناطق احتياطي سوريا من النفط والغاز الطبيعي تخضع لنفوذ وتصرف كل من روسيا وأمريكا.

أما بخصوص الاشتباك الذي حصل بين قوات النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي، فإنّ تلك المناطق تخضع لسيطرة قوات نظام الأسد بصورة أساسية، ولهم نقاط تفتيش منتشرة في كل مكان، وعند مرور عربات حزب الاتحاد الديمقراطي عبر هذه النقاط يتم إيقافها وتفتيشها، واذا اعترض مسلحو الاتحاد الديمقراطي على هذا التفتيش تفتح القوات السورية نيرانها ويبدأ الاشتباك.

أمريكا تفسّر ذلك بأنه خلاف داخلي بين النظام والاتحاد الديمقراطي، ولذلك تستمر في دعمها للأخير بحجة قتاله لداعش، حيث تضاعف الدعم الأمريكي المقدم لحزب الاتحاد الديمقراطي، كما أنّ الاتحاد الديمقراطي يحصل على دعم من روسيا، ولذلك أصبحت قوات النظام تشعر بأنّ الاتحاد الديمقراطي أصبح يملك قوة أكبر منهم، وبأنه يحصل على دعم أكثر منهم، وهذا هو سبب الاعتراضات والصدامات على التفتيش الذي يحصل.

والسبب الآخر الذي يمكن خلف هذا الاشتباك، هو إعلان الاتحاد الديمقراطي عن تشكيل هيكل فيدرالي في المنطقة، والنظام عارض ذلك، ولهذا يرى البعض بأنّ إعلان الاتحاد الديمقراطي عن مناطق حُكم ذاتي هو السبب الرئيسي لحدوث النزاع والخلاف بين الطرفين.

ومع ذلك يوجد تفسير أكثر وضوحا من السببين المذكورين، وهو التفسير الذي يقدمه لنا المعارضون المتواجدون في تلك المنطقة، فحسب هؤلاء بأنه لا يوجد خلاف حقيقي وانهيار للتحالف بين الطرفين، وإنما هذا الاشتباك والنزاع عبارة عن سيناريو مُعد مسبقا، والحملة الإعلامية الضخمة التي روجت لهذا الاشتباك الذي استمر لعدة ساعات فقط، جعل المعارضين يدافعون عن فرضية انها عملية موجهة للتأثير على الرأي العام.

أبعاد هذا السيناريو كثيرة، ففيه لمسات أمريكية تهدف إلى إعادة تشكيل معادلات القوى في سوريا، حيث تسعى أمريكا إلى الترويج لوجود اشتباكات وخلاف بين الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري، من أجل أنْ تعيد تشكيل المعادلات على الحدود السورية التركية، وحسب هذه الخطة تريد أمريكا من خلالها زيادة الدعم المقدم للاتحاد الديمقراطي، في مقابل أنْ يفتح الاتحاد الديمقراطي الممر الواصل بين جبل التركمان وحتى الفرات أمام النظام السوري، وهكذا تكون أمريكا تدعم الاتحاد الديمقراطي في الشرق، وتدعم النظام في الغرب.

وما يقوم به الأسد في الأيام الأخيرة من مجازر مروعة بدءا من جبل التركمان، وعلى طول الحدود التركية في جسر الشغور ومعرة النعمان، ما هو إلا دليل على بعض القوى قد فتحت الطريق أمام النظام السوري وأعطته الضوء الأخضر للتقدم في تلك المناطق، ولذلك فعند النظر من هذا الإطار، نرى أنّ الاشتباك بين قوات الأسد والاتحاد الديمقراطي ما هو إلا عمل استعراضي، وأنه يقع تحت السيطرة الأمريكية الكاملة.

عن الكاتب

طه داغلى

كاتب في صحيفة خبر 7


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس