علي حسين باكير - القبس

شهدت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو الى الامارات العربية المتحدة الشهر الماضي اهتماماً متزايداً في الآونة الاخيرة لناحية محاولة تفسيرها وفهم الآفاق المستقبلية لمسار العلاقة بين البلدين وانعكاسات ذلك على العلاقات الثنائية وعلى القضايا المهمة في المنطقة.

وينظر الجانب التركي الى هذه الزيارة على أنها خطوة أولى في اتجاه إعادة الزخم الى العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الجانبين الى المستوى الذي كانت عليه قبل الخلاف الذي حصل بينهما على الملف المصري، لا سيما بعد يوليو 2013. وقد سبقت هذه الخطوة ـــ بطبيعة الحال ـــ خطوات تمهيدية من الجانبين، حيث كان من المفترض ان تحصل الزيارة في شهر فبراير الماضي وأن يعود السفير الاماراتي الى أنقرة في حينه، لكن تم تأجيل الزيارة آنذاك بطلب من الجانب الإماراتي. أما وقد تمت الآن فمن المنتظر أن يعود السفير الى مزاولة عمله في أنقرة في 7 مايو الجاري، وذلك لأول مرة منذ عام 2013.

وتحمل زيارة وزير الخارجية التركي هذه دلالات إيجابية للجانبين، فقد حظي الوزير تشاووش أوغلو خلال وجوده في الامارات باستقبال مميز، وهو ما عبر عنه الجانب التركي، باعتبار الزيارة نقطة تحول، حيث أكد تشاووش أوغلو ذلك، مضيفاً: «يمكنني القول إننا فتحنا صفحة جديدة». ما يمكن قوله في هذا السياق هو أنه ما كان لهذا الأمر أن يتم لو لم تكن الامارات تسعى إليه أيضاً، اذ ان فتح صفحة جديدة يتطلب إرادة مشتركة من الطرفين، لا من طرف واحد.

وصل ما انقطع

وتحاول أنقرة من خلال هذه الخطوة وصل ما انقطع خلال المرحلة السابقة، لا سيما على الصعيد الدبلوماسي، على اعتبار ان العلاقات بين الجانبين على الصعيد الاقتصادي، وحتى في مجالات التعاون العسكري، كانت لا تزال قائمة حتى اليوم، وإن كانت دون المستوى المطلوب مقارنة بما يمتلكه البلدان من مقومات.

أما بالنسبة الى الإطار الذي سيحكم المسار الجديد للبلدين، فمن المتوقع أنه سيأخذ بعين الاعتبار الاعتراف بالاختلاف الموجود بين وجهتي نظري الطرفين حيال بعض الملفات الخلافية، والعمل على تحييد هذا الخلاف أو تجاوزه، إن لم يستطع الطرفان حله، والتركيز على الجانب المشترك في العلاقة بين البلدين، خاصة ان كلا من تركيا والامارات لا يوجد بينهما مشكلة مباشرة، فجل الخلاف بينهما كان يرتبط بنظرتهما الى ملف ثالث، وهو الملف المصري.

وقد عبّر الجانبان التركي الاماراتي سابقاً في نهاية العام الماضي عن هذا التحول من خلال تصريحات متبادلة، اذ قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة له على قناة الجزيرة: «لا بد أن نكون حساسين للغاية بخصوص الجمل التي نستخدمها، بعضنا مع بعض. ومن الضروري البحث عن أسباب التباعد الذي حدث فجأة»، مضيفاً: «كانت علاقاتنا، حتى الأمس القريب، قوية جدا مع السلطات الإماراتية. وبصفتي رئيسًا لتركيا أقول إنه لا بد من إزالة هذه الأسباب في أسرع وقت ممكن. هناك سبب واحد وهو الأحداث في مصر، إلا أنه يجب حل ذلك بالطرق الدبلوماسية، وليس بالحديث، بعضنا ضد بعض».

وقد رحّب الجانب الاماراتي حينها بهذا التوجه، وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش عبر حسابه في تويتر: «الإشارات الإيجابية من الرئيس التركي مرحب بها،ومن الضروري البناء عليها»، مضيفاً: «العلاقات الطيبة والإيجابية مع أنقرة هي ما ننشده.. وقد آن الأوان لتجاوز الخلاف التركي ــــ الإماراتي حول التطورات المصرية، فالمنطقة لا تتحمل مثل هذه الخلافات».

تمتين العلاقات

لا شك في أن هذه الخطوات التي اتُّخذت في سياق إعادة الزخم للعلاقات السياسية التركية ـــــ الاماراتية ستعقبها خطوات اخرى مستقبلاً، وهي تأتي في سياق إعادة إطلاق أنقرة قدراتها الدبلوماسية إقليمياً بعد المصاعب الكبيرة التي واجهتها، والتعطل الذي أصابها، لا سيما في مرحلة ما بعد الثورات العربية. التحول الاكبر في سياق العلاقات التركية ــــ الاماراتية جاء من قبل المملكة العربية السعودية، ولا اعتقد أن تقارباً بين الجانبين كان سيتم في ما لو كانت المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز قد بقيت على المسار السابق.

على أي حال، هناك توجّه الآن لدى الحكومة التركية للبناء على العلاقات التركية ــــ السعودية وتمتين العلاقات مع جميع دول الخليج العربي، وهناك تطلع حقيقي الى إنشاء مجلس تعاون استراتيجي، كالذي حدث مع قطر والمملكة مع دول أخرى في الخليج العربي، كالكويت وسلطنة عمان ولا ريب في أن الامارات على الأجندة أيضاً.

اضافة الى ذلك، يرغب الجانب التركي في إعادة إحياء ما انقطع خلال المرحلة السابقة على صعيد العلاقة بين تركيا ومجلس التعاون الخليجي، لا سيما الحوار الاستراتيجي التركي ـــ الخليجي الذي كان قد انطلق عام 2005 على مستوى وزراء الخارجية، وشهد ثلاث دورات وتوقف في عام 2012، كما ترغب في التوصل الى اتفاق حول منطقة التجارة الحرة مع دول المجلس، وهو الملف الذي لا يزال يواجه بعض الصعوبات التي تحول دون تقدمه، ويأمل الجانب التركي في أن يتم تذليلها في أقرب وقت ممكن، لا سيما أن مثل هذه الخطوات تعزز الأجندة الجماعية لتركيا ودول المجلس في مواجهة التحديات المشتركة، التي تواجه الطرفين في هذه المرحلة الدقيقة، سواء في ما يتعلق بالخطر الايراني أو في الملفات الملتهبة والمشتعلة في سوريا والعراق واليمن، وفلسطين.. وكذلك في ما يتعلق بمكافحة الارهاب والتطرف المسلح، وفي اتخاذ المزيد من الخطوات المشتركة التي تساعد الطرفين على تعزيز مسار الاعتماد على الذات، بعيداً عن الاعتماد الزائد على الحد على الولايات المتحدة الأميركية في شتى المجالات، لا سيما في ما يتعلق بتطوير قدرات عسكرية دفاعية، تحصِّن القرار السياسي.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس