أ. محمد حامد - خاص ترك برس

بمناسبة مرور مائة عام على تفاهمات سايكس بيكو السرية في أيار/ مايو عام 1916، والتي قسمت منطقة نفوذ الدولة العثمانية في الشرق الأوسط بين فرنسا وإنجلترا، نشر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي ورقة بحثية حث فيه القيادة الإسرائيلية على الاستعداد لظهور اتفاقية سايكس بيكو جديدة في المنطقة على ضوء العواصف السياسية التي اجتاحت المنطقة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، تشارك في وضعه الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي.

ومع أن الدراسة لم تتطرق إلى وضع تركيا في التقسيم الجديد للمنطقة، فإنها تحدثت عن ضرورة الجمع بين إعادة رسم الحدود وبين هياكل سياسية جديدة لم تستخدم حتى الآن في منطقة الشرق الأوسط مثل الفيدرالية والكونفيدرالية، مستبعدة أن يعود الشرق الأوسط إلى الوضع الذي كان قائما قبل اندلاع القتال بين القوى المحلية في المنطقة.

في هذا السياق ينبغي أن نذكر بتصريح وزيرة العدل الإسرائيلية أييليت شاكيد أمام المؤتمر السنوي التاسع لمعهد أبحاث الأمن القومي في شهر يناير الماضي، الذي دعت فيه إلى دعم إعلان دولة كردية، وإقامتها بين حدود تركيا وسوريا والعراق، وتأكيدها على تفكك الدولة القومية في الوقت الحالي، وإلى حديث نخب إسرائيلية عن أنه إذا أرادت إسرائيل المصالحة مع تركيا، فعليها أن تأخذ المشكلة الكردية في الحسبان.

وتنقسم الدراسة إلى ثلاثة أقسام، يتناول القسم الأول منها الخلفية التاريخية لاتفاق سايكس بيكو ومميزاته الرئيسة، وأعد هذا القسم البروفيسور إيتامار رابينوفيتش أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب والسفير السابق في الولايات المتحدة. ويتناول القسم الثاني الوضع القانوني للاتفاق وأعده البروفيسور روبي سيفل الباحث في المعهد واستاذ القانون في الجامعة العبرية، أما القسم الثالث، والأهم في هذه الدراسة، فيتحدث عن فرص سايكس بيكو جديد في المنطقة، وأعد هذا القسم الدكتور عوديد عاران الرئيس السابق للمعهد، والمستشار الحالي للجنة الأمن والخارجية في الكنيست.

يشير عاران إلى أن الحروب الأهلية التي اندلعت في السنوات الأخيرة في بعض الدول العربية، غلى جانب صعود حركات تتغذى من التطرف الإسلامي تمثل تحديا للبنية السياسية الراهنة في المنطقة، ولذلك فمن الصعب استعادة النظام القديم. وفي ضوء الواقع الإثني والديني المتغير فإن هناك حاجة إلى نظام جديد أكثر تمثيلا، وفي المقابل يجب تحاشي قيام دول صغيرة ليست لديها القدرة على البقاء اقتصاديا وسياسيا.

ويضيف عاران إن مشهد اجتماع مندوبين لقوتين عظميين سرا، وتقسيمهما المنطقة بين بلديهما لم يعد منطقيا اليوم، لكن لكي يكون هذا الاتفاق ممكنا فمن الضروري التوصل إلى اتفاق مبدئي حول تغيير بنية المنطقة بين اللاعبين الرئيسيين من خارج الشرق الاوسط.

وبحسب الباحث الإسرائيلي فإن سوريا والعراق ستتحولان وفق التقسيم الجديد إلى كونفيدراليات دون تغيير الحدود الخارجية الحالية، مع إعادة رسم الحدود الداخلية التي تترك للمفاوضات بين من ينتظر أن يكونوا جزءا من البنية السياسية الجديدة أي الدول الفيدرالية الجديدة. وسيشمل سايكس بيكو الجديد تقسيما واسعا بين قوة المركز وقوة الوحدات التي تشكل الدولة الفيدرالية.

ويلفت عاران إلى أنه سيكون من الضروري منع اللاعبين الإقليميين من محاولة تخريب الخطوط العريضة لهذا الاقتراح بهدف ترك المنطقة في حالة من الفوضى، ولذلك فإن من الضروري التوصل إلى تفاهم واسع واتفاق عام بين الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، وعندها فقط ستنضم دول أخرى رئيسة في المنطقة مثل مصر وتركيا والأردن وإيران والمملكة العربية السعودية، بينما ستتطلب المرحلة الثالثة موافقة اللاعبين المحليين على هذا المخطط.

لكن الباحث الإسرائيلي عاد وقال إنه من السابق لأوانه إعلان سايكس بيكو جديد في الوقت الحالي، لكن الوقت حان بالنسبة للاعبين الدوليين لمناقشة مخطط محتمل لنظام جديد في الشرق الأوسط يستخدم الأجزاء الحالية ويضيف إليها أجزاء جديدة بهدف الاستجابة للتغييرات التي حدثت في المنطقة خلال المائة عام الأخيرة .

وأخيرا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية  تقول الدراسة إنه في إطار البحث عن نظام إقليمي جديد، فإن المجتمع الدولي لا يمكنه أن يتجنب معالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن من الصعب أن تأخذ الحكومة الإسرائيلية المخاطرة في ضوء الظروف الإقليمية الحالية. وتدعو الدراسة إلى أن يكون حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حلا داخليا بين الطرفين وبمشاركة أطراف عربية دون تدخل أي قوى خارجية مثلما كان الحال في اتفاق سايكس بيكو.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس