كمال أوزتورك – صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

مما لا شك فيه أن التطورات السياسية قد تختلف تماما عن كل التوقعات، وقد تنتج هذه التطورات على الساحة السياسة تأثيرا معاكسا للمتوقع والمنشود، كما أن ردة الفعل الشعبية قد تكون أحيانا دون المتوقع وعكس المأمول. فالانتخابات شاهد حاضر على أن إرادة الشعب خالفت كثيرا الحالة العامة وعاكست المتوقع.

لقد انقضت فترة طويلة دون زيارتي لأنقرة التي ذهبت إليها مؤخرا لمتابعة أحداث مؤتمر حزب العدالة والتنمية. وقد حزنت لبعض ما شاهدت هناك كما أن البعض الآخر من الأحداث بعث في قلبي الأمل. ما سأكتبه هنا مثير للعجب، وإذا حدث وكنت مخطئا فلكم أن تذكروني بما كتبته لاحقا.

بن علي سيثير الدهشة

إنني على معرفة بالسيد بن علي منذ فترة طويلة، وإذا استمر على النحو الذي كان عليه فبلا شك أنه سيكون رئيسا للوزراء يعجب الجميع ويثير دهشتهم. وسيدفع منتقديه إلى التراجع. فالانتقادات من نوع "سيرة ذاتيه ضعيفة"، و"صوت منخفض"، و"مشكلة في توجيه الخطاب"، و"حارس مستودع"، و"يعمل بأمر أردوغان" لن تجد لها مكانا.

حديثه المتأني الذي يدعوا للفهم والاستيعاب، تداركه للحديث من خلال المزاح والتعاطف، النجاحات التي حققها على صعيد أعماله، شخصيته الهادئة التي تدعو إلى تلطيف الأجواء، وعلاقته الجيدة مع أردوغان كلها أمور ستصب في مصلحة خدمة الوطن.

قد يكون غير مثير للحماسة على المستوى السياسي لكنه سيكون رئيس وزراء فاعل ومنتج، ويكفي أن يكون ذاته ليثبت نجاحه للجميع ويثير فيهم الدهشة.

التحول إلى النظام الرئاسي سيكون أكثر سهولة مما نتوقع

أرجو ألا تلتفتوا إلى خطابات حزب الشعب الجمهوري التي يقول فيها: "لن يتم تمرير هذا العمل دون سفك الدماء". فالنظام الرئاسي والدستور الجديد سيتحقق بسهولة أكثر مما نتوقع. فعلى سبيل المثال مسألة الحصانة الدبلوماسية. أين هم أولئك الذين يثيرون الشغب في هيئة الدستور الجديد وأين أولئك الذين يهددون ويتوعدون، أين اختفوا؟ أين هو حزب الشعب الجمهوري الذي قال "لا" في أول جولة تصويت على القانون؟ أين ذهبت التهديدات؟

في الجولة الأخيرة صوت أعضاء حزب الشعب الجمهوري فردا فردا "بنعم"، أما حزب الحركة القومية فهو في حالة وئام أصلا، وأعضاء حزب الشعوب الديموقراطي لم يحركوا ساكنا وتم تمرير قانون رفع الحصانة الدبلوماسية. لماذا؟ إنه الخوف من الاستفتاء. فحزب العدالة والتنمية يعيش أقوى أيامه في ظل سلطة الشعب. وجميع أحزاب المعارضة تدرك أن أي استفتاء شعبي سيكون لصالح حزب العدالة والتنمية. فالمعارضة تعلم أن التوجه لانتخابات مبكرة يعني التلاعب بتاريخ كل من حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الحركة القومية وسيؤدي إلى تفتت حزب الشعب الجمهوري. ولهذا السبب قبلت أحزاب المعارضة بحل كل شيء داخل المجلس دون التوجه لصندوق الانتخابات.

أضف إلى ذلك أنه أصبح واضحا للجميع أن النظام في الدولة قد اضطرب في عهد السيد داود أوغلو ولا مجال لحل هذا الاضطراب دون التحول للنظام الرئاسي. ولا أظن أنه سيكون هناك اعتراض قوي ضد النظام الرئاسي دفاعا عن النظام البرلماني الحالي. وسيتم التحول وسيندهش الجميع من سهولة ذلك.

لن تتوقف البيروقراطية عن العمل

من موقعي كبيروقراطي قديم يمكنني قول الآتي: إن أسوأ وأضعف مرحلة مرت على حزب العدالة والتنمية كانت الفترة ما بين 1 تشرين الثاني/ نوفمبر و22 أيار/ مايو الحالي. ففي هذه الفترة كان النظام يعاني من توقف واضطرابات أدت إلى تباطؤ عجلة الدولة ، وللحقيقة تخوفت جدا مما يمكن أن يحدث في تلك الفترة، أما الآن وبعد اختيار بن علي يلدرم كرئيس للوزراء فإن النظام سيعود إلى العمل من جديد وستدور عجلة الإنتاج من جديد وستقوم البيروقراطية من المكان الذي توقفت عنده وسيعود الجميع إلى عمله وإنتاجيته. فالنظام البيروقراطي يواجه الآن سلطة يديرها رئيس وزراء يتحلى بالسكينة ويحب أن ينتج أعماله بسرعة وهدوء، ولن يظل منذ اليوم مجال لحجة وجود نظام ذي رئيسين، وسيتم فرز المنتجين والعاملين ممن يتقاعسون عن أداء أعمالهم.

لن تستمر السياسة والإعلام بهذا المستوى

إن أحد أكثر الأمور إزعاجا في هذه الفترة هو الإعلام والانحدار في الرأي، لن تستمر الأمور على حالها، خصوصا أن الجميع يشعر بالانزعاج ويشكو من ذلك. ففي زمن الصراعات يمكن للغبي قليل العقل والفكر ذو السواعد القوية والزنود العريضة أن ينتصر لكن عندما ينتهي الصراع تطوى صفحته ولا يبقى له ذكر، ليأتي بعدها زمن النمو والتطور والازدهار الذي يحتاج لذوي العقل السليم والكلام المؤثر. وبرأيي أن الفترة الحالية هي فترة الازدهار والنمو.

فترة جديدة بطاقم قوي وهادئ

المهندس بن علي وفي أثناء توليه لحقيبة وزير المواصلات قدم مشاريع تقنية كثيرة ومهمة، ولا شك أنه سيقدم في أثناء فترة رئاسة للوزراء مشاريع غاية في الأهمية، ولا بد أنه بدلا من الجدل السياسي سيدير الدولة من خلال مركز عمل سياسي، وسيكون من الصعب إيجاد مواضيع للنقاش والصراع والجدل والتلاعب. وبالتالي ستكون فترة غاية في الهدوء والسكينة.

أضف لذلك إن مخاوف البيروقراطيين والمستشاريين من نشوب خلافات بين أردوغان ويلدرم، ومن اختلاف الآراء والتوجهات بين الوزراء، ومن التناقضات الهدامة بين رئاسة الوزراء – الكلية (قصر رئاسة الجمهورية الذي يقيم فيه أردوغان حاليا)، لن يكون لها مكانا يذكر، هذا الأمر سينعكس على الجمهور ونظام الدولة بالإيجاب وسيدفع نحو فترة من الهدوء والسكينة تثير الدهشة والإعجاب لدينا جميعا.

وفي أثناء ذلك كله ستتحول طاقة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إلى السياسة الخارجية بدلا من الانشغال بالأمور الداخلية، وهذا الأمر كذلك سيجعل الباحثين عن التلاعب والفتنة والفساد والصراعات يعودون بالخيبة.

برأي إن هناك أمورا أخرى كذلك ستثير فينا الدهشة والإعجاب، قد أبدو لكم مدعيا طموحا ومتفائلا، لكن ما كتبته أماني، فالجميع مثلي متعب. إذا كان ما كتبته صحيحا وتحقق فلن أكتب متفاخرا وأقول "أنا كتبت وتوقعت هذا من قبل" أما إذا خابت أماني وتوقعاتي فعندها سنهلك جميعا.

عن الكاتب

كمال أوزتورك

إعلامي صحفي تركي - مخرج إخباري وكاتب - مخرج أفلام وثائقية - مدير عام وكالة الأناضول للأنباء سابقًا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس