أردان زنتورك - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

لقد أثبتت الأحداث الجارية في الشرق الأوسط أهمية أن تكون دولتنا "علمانية"، فالشخص يستطيع اختيار أسلوب حياته في الدولة، لكن على الدولة أن تكون علمانية. والأحداث التي تجري اليوم، وشلالات الدماء التي تسيل في المنطقة، سببها عدم قبول بعض "الإسلاميين" "بالآخرين"، فإما عليهم أن يقبلوا بمذهبهم بالقوة، وإما أن يُقتلوا. وحديثنا عن مسألة حرب السنة والشيعة سببها الرئيس هو عدم سماح مؤسسات الدولة لاختيار الحرية الدينية.

تركيا فتحت حدودها لمليون ونصف المليون من الناس، وهؤلاء الناس كلهم اختاروا دينهم ومذهبهم ومشربهم السياسي. استضفنا نحن في تركيا السنة والشيعة واليزيديين والمسيحيين والأكراد والأرمن والتركمان والعرب بدون تمييز أو تفريق.

 لماذا يتجهون جميعا نحو تركيا؟ هل لأنهم يعرفون الشعب التركي على أنه شعب محترم جدا؟ من أين سيعرفون ذلك دون التعامل المسبق معهم؟ كيف عرفوا إيجابياتنا وسلبياتنا؟ لكن الإجابة الحقيقة هي النقطة الأهم التي يعتمدون عليها، وهي أن تركيا دولة علمانية تقف على مسافة واحدة من جميع المذاهب والمشارب وتتعامل معهم بمبدأ العدل والمساواة بغض النظر عن الدين أو العرق.

الحياة أثبتت لنا بصورة واضحة أنه "لولا العلمانية، لكانت الحرب الداخلية".

هو مفهوم حساس وربما خطير، فالحرب الداخلية تتطلب "نظام وصاية" وحتى "نظاما ديكتاتوريا" من أجل السيطرة على الأوضاع، لكن تطبيق نظام الأغلبية الديمقراطية بيدنا. نحن عانينا فترة طويلة من نظام الوصاية الذي عمل على إقصاء المحافظين الملتزمين من المجتمع والدولة، بينما الديمقراطية اليوم حققت العدالة لجميع أفراد المجتمع بغض النظر عن دينه وأسلوب حياته، وهذا من مبادئ العلمانية الصحيحة، فالعلمانية هي الديمقراطية.

العدالة مهمة

وكما قال أحمد داود أوغلو في هذا الصدد بأنه "لن يكون في هذه المرحلة أي مكان للمحسوبية والواسطة للأقارب والمعارف"، ولهذا يجب أن يُنظر إلى هذا التصريح بأنه ضمان لنزاهة عمل الحكومة الحالية. لأن تطبيق عكس ذلك سيكون وبالا على الحكومة وسينتهي بهزيمة نكراء لها في أي انتخابات قادمة.

أما نظام العدالة في تركيا فقد وصل إلى مرحلة يستطيع من خلالها فض النزاعات والاضطرابات التي من الممكن أن تشهدها البلاد. ولهذا فإن التعامل مع مفهوم "العلمانية" بصورة حساسة وأخذه كمبدأ لنظام القضاء ساهم في إبعاده عن أي أمور قد تقلل من كفاءة عمله.

والحقيقة الناصعة البياض، هي أن المنظمة الدينية التي حاولت تأسيس دولة داخل دولة، حاولت أيضا السيطرة على نظام القضاء، من أجل إنهاء مبدأ "العلمانية" في الدولة وبالتالي تغيير نظام القضاء كان سيؤدي إلى نتائج وخيمة على الدولة التركية.

وهنا نود أن نشير إلى أن محاولات "الانقلاب" على نظام الحُكم المنتخب في تركيا لم يتم التعامل معها بحزم وصرامة من قبل قضاء يتخذ من "العلمانية" مبدءا له.

كوباني والمذكرات

بكل تأكيد لا يُمكن لتركيا أن تبقى متفرجة على المجازر التي تُرتكب بحق الأكراد، فنحن استضفنا اللاجئين، وإذا تطلّب الأمر سنذهب للداخل لحماية الأكراد متحملين كل المخاطر المحتملة. كل الأكراد في هذه المنطقة، وكما التركمان، هم أقارب للجمهورية التركية، فبالنسبة لنا لا يوجد أي فرق بين الخطر الذي داهم قبرص التركية من منظمة ايوكا الفاشية عام 1974، وبين الخطر الذي يتعرض له الأكراد اليوم من قبل داعش.

لكن اللعبة لا تُلعب على المكشوف، فجبل قنديل يكذب على شعبه، فهم يدركون جيدا أن نظام المقاطعات الذي تشكل في "كردستان السورية" قد شن عليه نظام البعث حربا ضروسا برغم أنهم متقاربين. وهنا نحن نحترم كل الشباب الأكراد الذي ضحوا بدمهم من أجل حماية أرضهم، لكن عليهم معرفة الحقيقة أيضا. فليخرجوا وليعلنوا على الملأ، فمن أرسل داعش لمهاجمة اربيل وكركوك، هو نفسه الذي أرسلهم لمهاجمة كوباني. تلك القوة التي تقول عن نفسها أنها ضد الامبريالية، قد أدانت الضربات الجوية الأمريكية على داعش.

ولننتقل للحديث عن آخر موضوع هنا، وهو المذكرات التي ستعرض على مجلس الأمة.

سيُعرض موضوع المشاركة في حرب داعش من عدمه على مجلس الأمة، ولذلك يرى الشعب أن القرارات التي سيتخذها المجلس ستكون ضمانا لعدم تعريض وطننا إلى أي هجمات، ومنذ 2003 حتى اليوم لم نشارك في الفوضى التي أوجدتها تلك القوى في العراق وفي سوريا.

وأنا اليوم أقولها مجددا، لا يوجد لنا أي عمل هناك، فليأتوا هم ليصلحوا أخطائهم بأنفسهم، ونحن سنقدم لهم المساعدة.

عن الكاتب

أردان زنتورك

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس