أفق أولوطاش – صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس

منذ فترة لا بأس بها تشهد العلاقات الأمريكية التركية حالة من التوتر سببها الرئيسي العلاقة التي تجمع الولايات المتحدة مع حزب العمال الكردستاني. فالولايات المتحدة تصر على أن وحدات حماية الشعب (YPG) تختلف عن حزب العمال الكردستاني، وأن الولايات المتحدة تقدم دعمها فقط لوحدات حماية الشعب؛ في حين أن تركيا تصر بدورها على أن الاختلاف بين التنظيمين اختلاف في المسميات والاختصارات في حين ان التنسيق والموارد البشرية والمعدات العسكرية والدعم المادي والمالي هو ذاته لكلاهما.

قوات سوريا الديموقراطية (SDG)، المظلة التي أنشأتها الولايات المتحدة والتي تحتضن أغلب قوات وحدات حماية الشعب أو القوات المنبعثة عنها كانت بمثابة حجة للولايات المتحدة الأمريكية إذ أن واشنطن كانت تردد مرارا وتكرارا أن دعمها مقدمات لقوات سوريا الديموقراطية. بمعنى أن تكتيك التلاعب بالمسميات والاختصارات الذي يمارسه حزب العمال الكردستاني قد انتقلت عدواه للولايات المتحدة الأمريكية وأصبح أحد التكتيكات التي تمارسها واشنطن.

قبل فترة وجيزة امتلأت وسائل الإعلام بصور للقوات الأمريكية ترتدي شعار وحدات حماية المرأة (YPJ) التي تعتبر أحد أذرع وحدات حماية الشعب المكونة من "السيدات الإرهابيات". المسألة بالنسبة للعساكر الأمريكان ليست فقط ارتدائهم لزي حزب إرهابي أو تعليقهم لشعار ذلك الحزب بقدر أهمية أن يرتدي ويعلق أفراد الجيش التابع للولايات المتحدة شعار الاشتراكية البالية، إذ أنه يحمل التضاد مع العولمة والرأسمالية التي تترأسها الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الصور كانت سببا في خروج العديد من التصريحات التي قال فيها بعض المسؤولين الأمريكان "إن شيئا من هذا القبيل ممكن الحصول" فيما عارضهم قسم آخر وقال "إن شيء مثل هذا الأمر غير مقبول إطلاقا ويجب أن يفتح تحقيق في الموضوع". الكلمات الأكثر إصابة كانت على لسان وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو الذي قال: "عند انتقال العناصر الأمريكية إلى مناطق أخرى في سوريا عليهم إذا أن يرتدوا زي داعش أو النصرة أو القاعدة وأن يعلقوا شعارات تلك الأحزاب، كما أن عليهم أن يعلقوا شعار بوكو حرام على صدورهم عندما يذهبون إلى أفريقيا...".

مساعد الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر خرج بتصريحه الممل المألوف ليصر من جديد على أن هناك فرقا بين حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب إذ قال: "لا يمكنني التأكيد على أنه لا توجد علاقات تربط التنظيمين لكنه من الواضح وحسب ما نراه أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل، ويمكن القول إن حزب العمال الكردستاني يختلف عن وحدات حماية الشعب". أصل المهزلة يبدأ من هنا إذ أن وحدات حماية الشعب تختلف من ناحية جغرافية عن حزب العمال الكردستاني، فهي تمارس نشاطها في شمال سوريا وهي على حد تعبير مارك تونر "فعالة ونشطة في مقاتلة وصد داعش". فإذا كان اختلاف المكان الجغرافي سببا كافيا لاعتبار أن التنظيمين ليسا بواحد فهل يمكننا القول مثلا أن حزب النصرة في سوريا أو الشباب في الصومال ليستا وجها لتنظيم القاعدة المتمركز في أفغانستان - باكستان؟

إن الشيء الوحيد الذي تعمد إدارة أوباما إلى فعله بخصوص المسألة السورية هو الضغط على تركيا التي رفضت تدخل قواتها العسكرية في الحرب السورية. الأمر الذي انتقده أوباما بوضوح في أثناء لقائه الصحفي مع جيفري جولدبيرغ إذ أشار قائلا: "(تركيا) ذات الجيش الكبير التي رفضت الدخول إلى سوريا". فلسان حال الولايات المتحدة يقول "ما دمتم رفضتم الدخول إلى سوريا بجيشكم فلنا الحق بالتعامل مع من شئنا بما في ذلك حزب العمال الكردستاني".

إن الاستثمارات التي أودعتها الولايات المتحدة الأمريكية في القضية السورية تفوق جميع الدول الأخرى فأطنان السلاح والذخيرة والضربات الجوية والقتال جنبا إلى جنب مع قوات حزب العمال الكردستاني كلها إشارات واضحة على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة الأمريكية لحزب العمال الكردستاني. فمع كل هذا الدعم والمساندة والسلاح من الطبيعي أن يحقق حزب العمال الكردستاني الفوز على داعش وأن يتمكن من التقدم على الأرض، الغريب في الموضوع أن المهارة الأمريكية في الهجمات الجوية والسلاح الأمريكي والقوات الخاصة كلها تستغل وتستخدم تحت لتلميع حزب العمال الكردستاني، بمعنى آخر إن الولايات المتحدة الامريكية حريصة على خلق أسطورة حزب العمال الكردستاني.

الأمر الوحيد الذي وعدت به إدارة أوباما الشعب الأمريكي بخصوص المسألة السورية كان قتال داعش وصدها. وبالتالي فإن الولايات المتحدة مضطرة لعمل شيء ما بهذا الخصوص ولو رياء وتمثيل، وحزب العمال الكردستاني كان الأداة الغبية لتقديم وتنفيذ ذلك. حزب العمال الكردستاني بدوره يعيش بالأوهام والأحلام التي تغذيها الولايات المتحدة الأمريكية. وبالنتيجة كل من العساكر الأمريكان الذين ارتدوا زي الحزب الإرهابي وعلقوا النجمة الحمراء على أكتافهم وأفراد حزب العمل الكردستاني الذين يسجدون للعم سام هما توئما روح يغذون احتياج بعضهما البعض.

لا ننسى أن ويلسون صاحب مشروع "تشويه وهدم الذات" الهادف لتدمير الشرق الأوسط برمته والمطروح قبل مئة عام كان على رأس الولايات المتحدة. ولا بد أن نتنبه كذلك إلى أن حزب العمال الكردستاني يهدد الاستقرار في سوريا والعراق وإيران كذلك وليس تركيا فقط. هذا الحزب الإرهابي المسلح الذي تستغله الولايات المتحدة اليوم في الحرب السورية سوف ترغب بالسيطرة عليه وإخضاعه من جديد بعد أن تضع الحرب أوزارها. فحزب العمال الكردستاني المتحرر من أي قيود دينية أو إيمانية والمتميز بانعدام الاخلاق يمثل للولايات المتحدة الأمريكية "جيشا مقدسا" لتنفيذ عملياتها في المنطقة وسوف تكون فرحة الولايات المتحدة أكبر إذا ما تربعت على رأس الحزب شخصية مثل قاسم سليماني...

عن الكاتب

أفق أولوطاش

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس