عبير النحاس - خاص ترك برس

سألتني الأستاذة هاجر بن حسين - وهي تصغي بابتسامة إلى شغبي - بينما نحتسي القهوة السوداء أمام كاميرات برنامجها "قهوة تركية"، فقالت: "هل ترين أنه الوقت المناسب لإعلانك عن ثورات اجتماعية الآن بينما ما زالت شعوب الربيع العربي في خضم ثوراتها ضد الحكام و الاستبداد؟!".

كنت أحدثها وقتها عن الحركات النسوية والمجتمع الذكوري، وضرورة المطالبة بحقوقنا التي منحنا إياها الإسلام كاملة، بدلا من أن نطالب بتغيير بعض أحكام الشريعة كما تفعل ناشطات في تونس، وأشير إلى خطأ ترتكبه الناشطات في مجال حقوق المرأة عندما يطالبن بالمساواة بدلا من العدل.

وكنت أتخيل لو انتصرت تلك الثورات، وعادت الديمقراطية لأوطاننا ننعم بها، في حين بقيت بيوتنا ترزح تحت نير العادات والتقاليد البعيدة عن روح الإسلام والشريعة، والتي تحرم المرأة من حقوقها التي منحتها إياها الشريعة الإسلامية أولا، ومن وجودها الحقيقي والفاعل في المجتمع ثانيا، وهذا يعني أن نصف المجتمع ضعيف مهزوم مقهور، والمشكلة أن هذا القسم من المجتمع هو من تقع على كاهله تربية الأجيال وتخيلوا النتيجة.

ما نحتاجه حقيقة هو ثورة على نظرة المرأة لنفسها أولا، ولنظرة المجتمع لها على أنها أداة لتسهيل حياة الرجل ومتعته فقط، دون أن يخبروها أنها مطالبة مثله بإعمار هذه الأرض، وأنها ستحاسب أمام الله لا على أدائها في حشو السمبوسك ولف ورق العنب، بل على ما قدمته للكون.. للإنسان.. للعلم، للدين.

وأن تربية الأولاد لا تعني تنظيفهم، و تغذيتهم، وتدريسهم، و إرسالهم إلى حلقات التحفيظ فقط، بل هي أن تبث فيهم روحا من روحها المحلقة الطالبة لرضا الله، الباحثة عن عمل يرضيه ويرفع شأن شريعته، وأن عملها في تدبير شؤون منزلها هي أمر ثانوي لا يجب أن تصرف عليه جل عمرها، أو تقيم نجاحها من خلاله كما يفعلن، ولا أن يشغلها عن الهدف الأكبر، ويجب أن يعي الرجال هذا أيضا، فيقدموا لها يد العون لا الإعاقة.

نحتاج ثورة على مفهومنا للزواج، وأن نلغي فكرة أن شابا وصل لسن معينة يجب أن يتزوج ليجد من تدبر شؤون بيته، وتنجب له أولادا، و تصنع له عائلة، بغض النظر عن كونه أحبها، أو أنها على الأقل ستكون صديقته وشريكته التي تناسبه فكريا وثقافيا، وستكون من تشير عليه وتشاركه الهموم والمسرات، وتقف صلبة بجانبه على أزمات الدهر محبة فيه لا واجب ألقاه المجتمع على عاتقها وحسب.

ونحتاج ثورة لتعود للمرأة المسلمة تلك المكانة التي أعطاها إياها الإسلام، و طبقت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانه وصحابته، ثم ضاعت في عصور الحريم والتحريم، فكانت نساء ذلك الزمان كما السيدة خديجة أول من يخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي، فتساعد وتساند، وكأم المؤمنين أم سلمة التي أشارت عليه بأن يقوم بالتحلل والحلق في يوم الحديبية تنفيذا لاتفاقه مع قريش، ليكون بذلك قدوة للصحابة الغاضبين، ففعل وفعلوا، وأن تكون بيت السر والمؤتمنة على كتاب الله كما كانت ابنة الفاروق، أو أنها من تأخذ عنها الأمة نصف دينها كابنة الصديق، أو من تكون المحتسبة في السوق ويعينها خليفة بحجم عمر ابن الخطاب، ثقة بقدراتها ودعما لها، أو تلك التي حصلت على أول قرض للتجارة من بيت مال المسلمين زمن الفاروق أيضا، ومن عرف عنه أنه غير المفرط في مال المسلمين، وهذا من الثقة، وأن تكون كالشفاء تدير مستشفى المسلمين في حروبهم، أو كتلك البارعة القوية البليغة التي عارضت تحديد المهور الذي أراده ابن الخطاب يوما بفطنتها وقوة حجتها و ذكائها وبعدها عن السلبية.

ما نحتاجه حقا هو عودة حقيقية ودراسة شاملة للشريعة، وبفكر مخلص أولا، و موضوعي وغير متحيز، ليستخرج أحكامه الصحيحة والعادلة، ويعيد للنساء إرثهن الضخم الذي ستحسدهن عليه وقتها نساء الشرق والغرب.

وحينها لن يضيرني أن أخذ من ميراث أبي نصف ما أخذ أخي، ثم أنفقه كما أحب وأشتهي، بينما يجبر أخي على أن ينفق على أسرته وعلي أيضا لو كنت غير ذات زوج، و يجبر زوجي على إكرامي والإنفاق علي حتى لو كنت الغنية.

ولن أطالب بالمساواة أبدا، لأن العدل في شريعتنا أطيب وأشهى وأكثر إنصافا، فكيف أساوي نفسي مع من أعطاه الله بدنا أكثر قوة وتحملا، و لم أتعب بهذا أصلا وهو مأمور بأن يعاملني كالقارورة، وأن يكرمني ويقوم على شؤوني، بينما أريد العدل حين أعمل مثله، فآخذ ذات الراتب، وأتساوى في الفرص التي أتساوى بها معه في القدرات، كما المهن العلمية والفكرية وحتى البدنية التي تناسب قوتي ومزاجي كأنثى.

وأريد العدل أيضا في بيتي فيعلم الرجال أنه صلى الله عليه وسلم في منزله "كان يكون في مهنة أهله" لا أمام التلفاز أو الحاسوب، بينما المرأة مطحونة في أعمال المنزل، وتدريس الأولاد بعد العودة من عملها، وأن هذا سنة يؤجرون عليها، كما أن التعدد سنة يحفظونها ويحبونها ويحرصون على تنفيذها.

وأن يتعلموا من نبيهم أيضا فن الحب وفن التدليل والحلم، وأن تكون همومهم المنزلية أرقى من طبق الطعام، وكأس الشراب، والجلوس أمام التلفاز باسترخاء، بينما يعددون أوصاف الزوجة الثانية ويحلمون بها.

عن الكاتب

عبير النحاس

كاتبة وروائية سورية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس