إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

مضى واحد وعشرون عاما على وقوع مجزر سربرنيتسا شرقي البوسنة تحت أعين الأمم المتحدة. كانت المجزرة إخفاقا للنظام الدولي نظرا للأبعاد الهائلة التي أدت إلى القتل الوحشي ل8000 من الرجال والأطفال البوسنيين بطريقة لا تختلف عن المحرقة النازية ليهود أوربا خلال الحرب العالمية الثانية. مأساة إنسانية مماثلة تحدث في سوريا، حيث دخلت الحرب عامها السادس، واختار النظام الدولي أن يسمح بحدوث ذلك مرة أخرى تحت نظر الأمم المتحدة وأوربا والولايات المتحدة وبقية العالم. ما يربط بين سربرنيتسا، أكبر مجرزة وقعت في قلب أوربا منذ الحرب العالمية الثانية، وسوريا، أكبر حرب دموية في التاريخ المعاصر، هو الفشل الجماعي للنظام الدولي في وقف الحرب وإرهاب الدولة والمعاناة الإنسانية.

في يوليو/ تموز 1995 فصلت قوات عسكرية صربية، بناء على أوامر من راتكو ملاديتش المعروف بجزار البوسنة، آلاف النساء البوسنيات عن أزواجهن وأطفالهن. أخبرت هؤلاء النساء أنهم سيكن في أمان في مناطق آمنة تابعة للأمم المتحدة، وكانت سربرنيتسا، إلى جانب جوراجدي وزابي، واحدة من ثلاثة مناطق آمنة أعلن عنها في شرق البوسنة. قبلت الأمم المتحدة وبعض المسؤولين الآخرين الرواية الصربية على أساس أن ذلك سيسهم في التوصل إلى اتفاق سلام. لكن الصرب أوضحوا أنهم في طريقهم إلى ما دعاه رادوفان كارادزيتش صراحة التطهير العرقي للمسلمين البوسنيين.

قدم الجنرال الفرنسي فيليب موريون إلى الفارين إلى البوسنة الوعد التالي" أنتم الآن تحت حماية الأمم المتحدة. لن أتخلى عنكم"  ولكن في الوقت نفسه تقريبا أبلغ رادوفان كارازيديتش البرلمان الصربي أن الجيش الصربي عندما يدخل سربرنيتسا فإن " الدم سيصل إلى الركب" وهذا ما حدث بالضبط.

استمرت ما تسمى محادثات السلام دون أي أمل من البوسنيين المسلمين، لكن الخطة الصربية التي وضعها ونفذها الرئيس الصربي سلوبودان ميلوشفيتش وكارادزيتش وملاديتش سارت قدما. وبينما كان قادة الصرب السياسيون يصافحون مسؤولي الأمم المتحدة والمسؤولين الأوربيين والأمريكيين في قاعات وثيرة في العواصم الأوربية، كان الجيش الصربي يقترب من تحقيق هدفه الذي لم يعد سرا بإبادة سكان البوسنة المسلمين في جميع أنحاء شرق البوسنة. أما في باقي البلاد فكان الآلاف يموتون  جراء القصف الصربي ونيران القناصة من جهة، ويرزحون تحت حظر السلاح المفروض عليهم من جانب آخر.

من المقرر الآن أن جهازين على الأقل من أجهزة الاستخبارات التابعة للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن كانا على علم بخطط الصرب بقتل جميع الموجودين في نواحي "المنطقة الآمنة". حذر كثير من المسؤولين العسكريين في الأمم المتحدة من الخطر الذي يلوح في الأفق في مايو ويونيو من عام 1995 ، لكن تحذيراتهم ذهبت أدراج الرياح. شاهدت قوات بعثة الأمم المتحدة في البوسنة والجنود الهولنديون المكلفون بحماية السكان المدنيين في سربرنيتسا، الجيش الصربي وهو يرسل أكثر من 8000 من الرجال والصبية إلى ساحات القتل.

كانت النتيجة واحدة من أحلك الصفحات في تاريخ أوربا الحديث، جريمة إبادة جماعية ينبغي أن تطارد أوربا والنظام الأممي كله والعالم لسنوات قادمة.

هل تعلمنا دروس الإبادة الجماعية في سربرنيتسا ودروس الحرب البوسنية؟ عند النظر إلى الصراعات والمذابح التي وقعت منذ ذلك الحين فإن الجواب سيكون بالكاد بالإيجاب. هل قدم المسؤولون عن هذه الجريمة البشعة ضد الإنسانية إلى العدالة؟ ومرة أخرى فإن الجواب ملتبس إلى حد ما. مات ميلوسفيتش في السجن في عام 2006، وأدين كارادزيتش بارتكاب إبادة جماعية، وأما ملاديتش الذي اعتقل بعد 14 عاما من هروبه فينتظر إصدار الحكم عليه. ربما أخذت العدالة بذلك مجراها، لكن الدرس الاخلاقي والسياسي الحقيقي للإبادة الجماعية في سربرنيتسا هو أن نتأكد من أن مثل هذه الفظائع لن تتكرر مرة أخرى.

على أن مثل هذه الأعمال الوحشية تحدث بعد عقدين من الزمن في سوريا،إذ يقتل نظام بشار الأسد آلاف الناس، وينتهك جميع الاتفاقات الدولية،ويرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. أما النظام الدولي الذي يفترض أنه يحمي المدنيين، فاتخذ نهجا غير مبال لمعاناة الشعب السوري وتدميره الكامل، باسم السياسة الواقعية والتوازن الاستراتيجي، فمجموعة المنظمات الدولية، بدءا من الأمم المتحدة إلى حلف شمال الأطلسي، تكرر أخطاء الإبادة الجماعية التي وقعت في البوسنة.

وبينما تستمر المحادثات والمفاوضات التي لا تنتهي لوضع نهاية للعبة سيناريو سوريا، فإن " الواقع على الأرض" و" شعار الواقعية السياسية"  هو حقيقة أن أمة تذبح وبلدا يدمر. في العام الماضي عقد محمد شاكر بي وزير خارجية البوسنة والهرسك السابق، ونجيب غضبان مبعوث المعارضة السورية لدى الأمم المتحدة ،مقارنة بين الحرب في البوسنة وسوريا، وقالا "إن منطقة حظر طيران في سوريا ستنقذ أرواحا وستساعد في إنهاء الصراع". وقالا أيضا" إن التدخل في البوسنة أنقذ أرواحا، وحجم التطرف، وأدى إلى وضع حد للصراع في النهاية".  إن التدخل- في شكل فرض منطقة حظر طيران- يمكن أن يقدم فوائد مماثلة في سوريا، عبر وقف السبب الرئيس لقتل المدنيين السوريين في الوقت الراهن، أي "البراميل المتفجرة"

عند قراءة ما قالاه، يدور بخلد المرء الشبح المظلم للمناطق الآمنة في شرق البوسنة. لكن عدم فعل شئ، وتكرار نهج ثبت أنه نهج أجوف ومكلف في سوريا ليس حلا أيضا. كان من الممكن إنقاذ أكثر من 8000 شخص في سربرنيتسا، وفي كثير من الأماكن في باقي أنحاء البوسنة، إذا تصرف النظام الدولي بطريقة مختلفة في عقد التسعينيات. ثمة مأساة أخرى تتجلى في سوريا. كم من الناس يجب أن يموتوا قبل أن نقول بضمير مرتاح إننا قد تعلمنا درسا أو درسين من سربرنيتسا بعد عقود؟

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس