وداد بيلغين – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

مرّت العلاقات التركية مع دول منطقة الشرق الأوسط التي تتقاسم معها الثقافة نفسها في ما يمكن تقسيمه إلى ثلاثة مراحل.

المرحلة الاولى التي تمتد من سقوط الإمبراطورية العثمانية إلى فترة الحرب الباردة. بينما تشمل المرحلة الثانية فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة. أمّا المرحلة الثالثة، فتشمل المستجدّات التي حصلت خلال العشر سنوات الماضية.

لقد أدّى استعمار بعض الدول الغربية لمناطق في الشرق الأوسط إلى انقسام هذه المنطقة إلى مناطق نفوذ لبعض الدول الغربية. وقد أدّى هذا الوضع بطبيعة الحال إلى انغلاق تركيا على نفسها.

وعلى الرغم من رفض شعوب الشرق الأوسط للأنظمة الغربية منذ سنين طويلة، والذي تمثل هذا الرفض بظهور بعض الجماعات الإسلامية والقومية، إلّا أننا لا نستطيع أن نقول إن النظام الغربي بدأ يتضعضع في منطقة الشرق الأوسط.

وقد كانت المواقف التركية التقليدية منذ فترة طويلة تتلخص بعدم الوقوع في مستنقع الشرق الأوسط وعدم التصادم مع الدول الغربية، بل كانت تركيا دائما تحاول كسب ودّ ورضا الغرب فيما يخص مسائل الشرق الأوسط. حيث كانت الحكومات التركية تبرّر هذا الموقف بأنّ العرب غدروا بنا في الماضي، لذلك يجب أن لا نثق بهم ولا نقف بجانبهم.

ماذا تطلب شعوب المنطقة؟

تغيّر الوضع خلال العشر سنوات الأخيرة. وقد تجلّى هذا التغيّر من خلال الربيع العربي. فبعد حوالي مئة عام، ظهرت فروقات في البنية الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية لمجتمعات الشرق الأوسط. حيث بدأت تظهر الطبقة الوسطى التي تحاول الابتعاد عن السيكولوجيا الاستعمارية وتراقب الاحداث العالمية عن كثب. كما ظهر المفكرون ورجال الأعمال. وتزامنت هذه التطورات مع ظهور الطبقة البرجوازية القوية في هذه المنطقة.

هذه التطورات أحدثت تأثيرات دراماتيكية في منطقة الشرق الأوسط. حيث بدأت تظهر قطاعات العمل المختلفة تنيجة الاستفادة من الطاقة والبترول. ولم يقتصر الاستثمار في هذه المنطقة على الطاقة البترولية، بل تخطّى ذلك إلى مجالات أخرى مثل السياحة والتمويل. وقد بدأت المنطقة بجذب واستقطاب استثمارات الدول الأخرى. كما بدأت باقامة علاقات جديدة مع الاقتصاد العالمي.

تمركزت المشكلة الحقيقية في هذه النقطة بالذات. فقد ظهر تعارض بين المجتمعات الراغبة بالتغيير والقيادات المتعنّتة في السلطة. ومع رفض السلطات الحاكمة في دول الشرق الأوسط لمطالب الشعوب الجديدة، ظهرت ثورات الربيع العربي مطالبة بتغيير القيادات السياسية في الشرق الأوسط.

من الطبيعي جدا أن تتوافق سياسة تركيا مع المطالب الشعبية في دول الشرق الأوسط. لا سيما أن تركيا تمتلك أكبر اقتصاد بين دول المنطقة. كما تمتلك تجربة الدولة والديمقراطية. لكن دعم المجتمع الدولي للانقلابيين في مصر وتخلّيه عن المعارضة السورية، عرقل بل وأضعف بعض الشيء سياسة تركيا تجاه هذه البلدان.

ماذا يريد الغرب؟

بدأ الارهاب يتصاعد في هذه المنطقة. وإن السبب الرئيسي لتعاظم قوة تنظيم الدولة الإسلامية في هذه المنطقة هم الغربيون الذين أعاقوا محاولات التغيير السياسي والاجتماعي لشعوب المنطقة، وساعدوا نظام الأسد في سوريا على البقاء في الحكم من خلال سياساتهم الخاطئة حيال الأزمة السورية.

يمكننا أن نتوقّع الخطوات التي ستقدم عليها الأنظمة الغربية بخصوص التعامل مع أزمة تنظيم الدولة الاسلامية، فهي ستتمركز حول عدة احتمالات منها.

أولا: احتمال إجبار تنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" على العمل مع التحالف الدولي في سوريا والعراق ضد تنظيم داعش. وهذا ما لا يمكن أن توافق عليه أنقرة.

ثانيا: إعداد خطة لمحاربة تنظيم الدولة من دون المساس بنظام الأسد. وهذا ما لا يمكن لأنقرة قبوله لأنها ترى أن القضاء على داعش لا يتم إلا من خلال استئصال الأسباب التي أدّت إلى ظهور هذا التنظيم.

ثالثا: التحرّك على أساس استراتيجية جديدة تقوم بتقييم نظام البعث الحاكم في سوريا وتنظيم داعش وتنظيم بي كي كي على حد سواء. ويجب الأخذ بعين الاعتبار أنه من خلال هذه الاستراتيجية يمكن لشعوب المنطقة أن تتفق.

من خلال اختيار الغرب لأحد هذه الاحتمالات، سوف تتضح لنا نيّة الغرب في كيفية التعامل مع دول وشعوب المنطقة ومدى رغبته في عقد علاقات تتمتع بمصداقية مع هذه الشعوب.

عن الكاتب

وداد بيلغين

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس